الوحدة ليست كائنا أسطوريا

> عبدالقوي الأشول:

> اليمن أمام مفترق طرق وخيارات لاتتيح لنا إهدار مزيد من الوقت لممارسة أنواع النزغ السياسي والتفكير غير المُجدي في معالجة الأوضاع الراهنة بصورة منطقية تخرج البلاد والعباد من دوامات عقيمة نظل جراءها بعيدين عن تحقيق آمال هذا الشعب، الذي يقع تحت وطأة تحديات عميقة لايكون الخروج منها إلا مرهونا بإرادة سياسية مستوعبة لخطورة المستجدات على الساحة، تضع ضمن الأولويات الراهنة إعادة بناء النسيج الاجتماعي بصورة توافقية تمكن من تجاوز مستوى الاحتقان الراهن المنذر بتداعيات على أكثر من صعيد.

إذا نحن أمام واقع مستمر لايمكن الحديث معه عن حالة نضج سياسي وفكري معارض، أو سلطة تنتهج طرقا واقعية في حل المشكلات، وهي حالة خلط فيها إمعان كل طرف برؤيته للأمور وقفزه على حقائق الواقع المتداخل والمشكلات المتراكمة، ومع كل هذا وذاك يبدو أفق الاقتراب من المنطقة بعيدا جدا، فلا المعارضة وحراك الشارع على مقربة من تحقيق جملة مطالبهم، ولا السلطة قادرة على كبح جماح هذا الحراك والتقليل من أهميته وتأثيراته السلبية قطعا على أولويات ملحة، رغم اتخاذها طابع المظاهر المسلحة المبالغ فيها إلى حد كبير طريقا للحل، مع ما تتخذ في هذه الأثناء من سبل لمنع التظاهرات السلمية وحتى اجتثاث بعض مواقع تلك التجمعات في محاولة منها لعدم جعل الصورة تبدو أو توحي للرأي العام أن هناك قضايا تستدعي المعالجة، وكون ذلك لايكون عبر عسكرة هذه المناطق وتلك مع ما في هذا الإجراء القاسي من تأثير سلبي استفزازي عدائي لدى من يشعرون أنهم أمام حقيقة الرضوح والقبول، بما يعتبرونها ممارسات مجحفة ومذلة بحقهم، أو اتخاذ طرق أخرى يعبرون من خلالها عن ذاتهم وقناعاتهم. ومثل هذا التحدي ينبغي له أن لايكون من منظور تجارب كثيرة لشعوب واجهت مثل هذه المشكلات، وشكل تعاطيها- أعني السلطات- مع أوضاع كهذه بقدرٍ من التجاهل والتقليل من أهمية الطرف الآخر، الوضع الذي كلف بسحب معطيات تلك التجارب وتلك الأنظمة دفع ثمن تلك الحسابات التي تبين أنها بنيت على أساس تقديرات خاطئة، والوحدة اليمنية بوضعها الراهن خرجت من إطار ذلك الحماس والتصفيق بتحقيقها وعفوية التوقيع على مبادئها الاندماجية الفورية والسلمية إلى ساحة مستجدة، ما كان لها أن تكون لولا جملة المعالجات والسلوكيات والقرارات الخاطئة للواقع.

مفارقة اليوم ملفتة لأي متابع لقضايا الشأن اليمني، فالأيادي والأفواه التي صفقت وهللت للحدث، حملت اليوم شعارات مختلفة وحالة غير مسبوقة من المشاعر المتباينة المتباعدة، والأشد مرارة في ما يجري طبيعة المعالجات التي رجحت القمع، وكبت جماح هذا الحراك بوطأة زادت من حدة الاحتقان، ورفعت وتيرة التحدي، ما يجعل مسألة الانتهاء من الأمر مغالطة للذات، ومتجاوزة حقائق كثيرة، أي أن الحلول القائمة ترقيعية وقتية نخشى أن يمثل تكشفها تداعيات مؤسفة وبؤر صراع داخلي مقيت، يضع اليمن في ردهة معاناة قاسية، تكون فيها بعيدة تماماً عن التفرغ للأولويات الملحة على الصعيد الاقتصادي التنموي تحديدا، حال تظل معها شعارات الثوابت على أهميتها في حالة من الوهن بحكم ما يعتري واقع النسيج الاجتماعي للسكان من تباغض وتداعٍ، وعدم استقرار، وما يتلو ذلك من شرور اجتماعية نافية لاستقرار المجتمع وتقدمه، والوحدة في نهاية المطاف ليست كائنا أسطوريا مقدسا عند البعض، الوحدة هي حالة من الاستقرار والعدل والمساواة في كنف دولة عصرية تمضي بثبات صوب تحقيق آمال وطموحات هذه الجماهير، وحين يكون الحال كذلك، فالأمر لايستدعي بعث حالة الاستنفار القصوى في صفوف الجند، لأن البشر بطبيعتهم يفضلون ويفخرون بالانتماء للكيانات القوية .. والحال يومي بجلاء إلى أهمية إعادة ترميم النسيج الاجتماعي مما أحاق به خلال الفترة الزمنية الماضية، بعيدا عن فكرة الإفراط في المظاهر العسكرية التي ليس بمقدورها تقديم الحلول، كونها تعمق جراحات البشر ولا تبلسمها، وحبذا أن لاتقترن وحدتنا السلمية بشعارات الموت والدم، كون أوضاعنا لم تعد تحتمل ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى