ارفعوا أيديكم عن الشجرة

> د. سمير عبدالرحمن الشميري:

> إن العراك أزلي ما بين الشر والخير، وما بين القبح والجمال، فالجمال يفقأ عين القبح، والقبح يمد مخالبه الحادة لتشويه صورة الجمال والأناقة والنقاء، فالحفاظ على البيئة يحتاج إلى ثقافة جمالية وأخلاقية ، يحتاج إلى تهذيب واحترام البيئة وما حولها. فالجميل المثقف يتذوق نكهة الجمال، ويحس بسحر المكان وتغير الأزمنة والفصول في إيقاع تراتبي متسق.

لقد اندهش جار المفكر الألماني (إيمانويل كانت) من هذا المفكر الذي قدم دعوى قضائية ضده، لأنه قطع الشجرة التي تلهم المفكر فكرا وتمنحه راحة وفسحة جميلة للتأمل والتفكر.

إن قطع الأشجار والاعتداء على عذرية البحر بقساوة، والتهام الجبال، ومصادرة المتنفسات والحدائق والرمال، وكل فسحة للهدوء والسكينة فعال غير حميدة، تتقاطع مع مفاهيم الخير والحب والجمال وتدمر السعادة وتحطم الوجدان.

الشجرة تحمي الإنسان من الوحشة، وتتداخل في ألفة جميلة في تضاريس وتعرجات الزمن، وتظلل الإنسان من سياط الشمس اللاهبة، وتعطينا شحنة من المحبة والجمال والجلال.. تعطينا الثمرات وترقق عواطفنا من التخشب والتحجر، وتدفع عنا التصحر والتعطش والجفاف، وتخصب الوجدان الاجتماعي، وتطير بنا إلى روحية هانئة.

إن الشجرة تقدم خدمة جليلة للإنسان في تنظيف الهواء حتى يستنشقه نقيا، فهي حافظة للتربة من الانجراف، وتنظف بصورة طبيعية ثاني أكسيد الكربون، وتدفع إلى السماء الأكسجين.. إنها تعلمنا الوقوف بثبات أمام هبوب الرياح العاتية، وكيف نحافظ على السمو والأنفة حتى في أحلك الظروف دون أن نغير مكياج وجوهنا.

إن تكسير الأغصان واقتلاع الأشجار من جذورها، هو تحطيم للإنسان واجتثاث للمساحات الخضراء وللآمال المورقة في القلوب والعقول، فالوحشية عندما تمد يدها الغليظة لاتفرق بين رمل وحجر، بين شجرة وتصحر، بين ماء وحيتان، ولاتعترف للبحر بالبراءة، وتوغل في التطاول على البشر وشموخ الجبال، وتهدم كل سمة للأصالة والتفرد، وتعزز النزعة الذئبية الباطشة للإنسان.

لقد صرخ مرة الشاعر محمود درويش، صرخة مدوية، حين قال: «ارفعوا أيديكم عن الشجر! إنه الوطن». واسترسل قائلا: «إن الشجر يحمل مجدين: مجد الجمال، ومجد المنفعة، والشجر يموت إذا حان أجله.. ولكن الإنسان البطل لم يستطع حتى الآن أن يموت كما يموت الشجر مجازا.. الشجر يموت واقفا، لأن أقدامه راسخة في الأرض، عميقا.. عميقا.. عميقا.. وهذا ما نسميه بكبرياء الموت».

فحافظوا على الخضرة والشجرة التي تعيد للعين متعتها، ولاتدعوا الفؤوس طليقة اليدين في تخشيع الأشجار والعبث بكبريائها.

يجب أن نحترم القوانين، قوانين الطبيعة والمجتمع، فالخروج عن جادة القانون يفسد البيئة والإنسان، ويخل بالتناغم الأزلي، ونجوى الزمان، والتداخل الأليف ما بين الطبيعة والبشر.

«الأيام» العدد (3632) 5 أغسطس 2002

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى