دخلنا البزرميطة إلى الآخر!

> سعيد عولقي:

> إذا ألقينا نظرة كاشفة على حركة الفن واختصينا منها مجال الطرب وتعبيره عن الألم سنجد أنها كانت زيما تقولوا كذا معبرة عن حالة الحراك الفني والموال الداخلي المشبع بألم الناس، اللي ولا ارتاحوا طول أعمارهم من الأنين، لا قبل قبل دخول القبطن (هينس) ولا بعد خروج قواته بعد أكثر من قرن من الزمان.. يعني كذا ويعني كذاك، بقى النسيج الحياتي الذي ألف وجمع بين الناس وشكل عناصرها الخاصة والمختلفة، وكتب على عدن اللهم احفظ عدن، آمين يا رب العالمين- وليسمح لي الأخ والصديق محمد فارع الشيباني أن أستعير دعائه المبارك- أن تكون- أي عدن- هي الوعاء الذي يجمع بين الأضداد ويوصل بينهم جدليا بنسيج معقد يتراوح بين المتانة ويضعف ليصل إلى درجة الهشاشة اللي ما خلت لنا الحكومة فيه مجال نتمتع بالشفافية ونقول من قلوبنا اللي نشتي نقوله، إلا إذا كنا مستعدين نخلي أبوها تتطين وتحبل بربح، ونروح نحنا في ستين وإلا سبعين داهية حسب سعر الصرف.

مله أيش أقول لكم، والله وما لكم عليا يمين إننا أكتب لكم هذا الكلام بعدما اشتريت كيلو طماطة بثلاثمائة شلن- استغفر الله العظيم! قصدي بأيش اسم أبوه ذا.. أيوه بثلاثمائة ريال- فاعذرونا يعني إذا كان كلامي كذا قليل مش مفهوم وزي السريالي، لأنه زيما قلنا أول الشفافية عندنا معطلة وما با نقدرش نتشفشف بدون وجودها.. أما والله إذا تشتونا نتشفشف على خفيف فبانسوي واحد (جسة) بعد زيارة الهاشمي في الشيخ عثمان، وشي لله يا ولينا الصالح! نستمد من بركاتك إلهاما للشفافية القادمة التي لم تحدث بعد.

بدأنا الكلام عن عدن (أم المساكين)، وحاولنا نستشف من تاريخ ماضيها القريب ما يجبر بالخواطر، ونشتي نكلمكم بالفصحى خايف لا تزعلوا وتقولوا ذا يشتي يتفلسف علينا.. بس اسمحوا لي أكمل قليل بالفصحى ما قلناه إنه في عدن هي الوعاء السحري البللوري الزمكاني الذي يؤلف بين العناصر المتنافرة، عفاريتية كانت أو ملائكية، في خاصية تجمع الأضداد والأشتات من داخلها ومن كل البقاع والأصقاع، وتصل بينها وصل الجدل الذي تتضافر فيه الجهود وأفعال الكلام وتراكيب الزمان والمكان في علاقات تضع الأطراف المتحاربة والعناصر المتنافرة في شبكة تظل متواشجة الخيوط موصولة المكونات حتى لو انقلبت الحوارية إلى ملاكمة تتحطم فيها علاقات التراتب والألوان والحواجز.. هكذا كان الحوار الطيب الوادع المستكين هو أهم أسلحة عدن في تدمير الأنساق الأيديولوجية الجامدة المغلقة، ولاتترك سبيلا وديا وإنسانيا للوصول إلى حل لكي لاتقع أم الصبيان!. عدن موجودة في قلب هذا الصراع وعاشت وهي تتولد فيه.. تواجهه وتسعى إلى تغييره، في الوقت نفسه تريد أن تعبر عن نفسها التي كانت دائما موضع كتم وإخراس وتذييل في فترة تاريخها المعروفة لنا والمشار إليها آنفا، وعدن هي نفسها، لا تمنح أحدا توكيلات سمسارية ليمثلها، ولاتوزع صكوكا للغفران لمن يحط من قدرها ولايريها إلا المشهد العدائي، جنية بحر، وملكة بحرين، خصوصا حين تغدو الحاجة ماسة إلى إعصار يكتسح كل التراتب الظلامي والتعفن السياسي بين البشر.. ترفع يديها لتوجيه الإعصار بإلهام إلهي يكتسح كل التراتب القمعي بين البشر، ويحطم كل قضبان السجون التي تفصل بين بني الإنسان، حيث تتعالى نغمات الفن تتوسطه دقائق النغمات لينسجم اللحن، لكن الناس يفاجأون بنغمات متنافرة تتجمع وتزعج الموكب الجميل الذي كاد ينتظم، ولكن المشهد العدائي يفسده، وإيقاع التحولات المتدافعة تتميع وتصبح متغايرة الخواص، وهذا يحدث هنا في عدن.. الآن.. في لحظتنا التاريخية الراهنة.

وفي النهاية تلح على مقاطع طربية من كثير من الأغنيات من عدن وضواحيها الزراعية التي تعدن فنها بفعل قوة الأشياء.. خليل محمد خليل عملاق الأغنية العدنية أعياه الصبر فقال: «إن كنت با أصبر عليك يا زين.. الصبر ذا سيف أبوحدين». ورأيت الفنان عبدالكريم توفيق يقف على السوم يطلب من الشارح مستأذنا بأدب ويقول: «رخصة شل حبة من ذول العنب».. بس حبة عنب!.. شوفوا التواضع يا ناس والأدب فين كان؟! لو يعني هذا الموقف حصل هذي الأيام، ولا با يعول (بن سند) بالشارح ولا بايقتصر الطلب على حبة من ذول العنب، بل إنه بايشل الذول كله، لأنه في ضميره يعرف أن الأرض التي تنتج ذلك العنب هي ذات نفسها مسلوبة! أما الأستاذ العطروش فمسكين الله يشتي بس حبة سبول- هذا اللي نقول له هنا في عدن (هند)- في أغنيته الشهيرة: «بالله أعطني من دهلك سبولة وا شارح». شوفوا كيف كان الناس مؤدبين ودمهم خفيف قبل ما يدخل علينا قانون الطهش والنهش، ولايلاقي حد يكلمه.. لهذا السبب دخلت البلد في مرحلة البزرميطة إلى الآخر!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى