انتخاب المحافظين أم معالجة بالمسكنات؟!

> محمد علي محسن:

> انتخاب المحافظين بلاشك ضرورة ملحة تأخرت كثيراً عن موعدها كحاجة للمجتمع وللسلطة المحلية، المهم الآن هو هل يعد انتخاب المحافظين استجابة متأخرة فرضتها تجربة المحليات وأيضاً حاجة الناس في المحافظات لما هو أهم من انتخاب سلطة محلية برأسين؟؟ أم أن المسألة برمتها تدخل في سياق العلاج بالمسكنات لإدارة منظومة الحكم المصابة بالعقم والجمود والاضطراب وغيرها من الأمراض المزمنة التي يراد علاجها بالمهدئات الوقتية ذاتها المعروفة لنا جميعاً.

الوحدة بصيغتها التوافقية تلك مثلت أولى المسكنات للنظامين المأزومين في الشطرين أكثر من كونها علاجاً ناجعاً لمشكلات سياسية واقتصادية يعاني منها المجتمع اليمني، ولأن الوحدة قامت على أساس البقاء والاستمرار في الحكم، فإن ما وقع لها بعدئذ من هزيمة مازالت تلقي بظلالها على الجميع لهو برهان يستوجب منا أخذ الدرس والعبرة في كل الأحوال. السلطة المحلية والانتخابات الرئاسية أخذت لها من النقاش والجدل والوقت الكثير، لنكتشف بعد تجربتين مريرتين بأن لاشيء تبدل يمكن الاعتداد به، بل حتى في حال وصلت المعارضة لحكم المحافظات، فإن سلطتها محدودة، وإذا ما قدر لها ممارسة صلاحياتها هذه تم مواجهتها بتدخلات المركز.

معضلة هذا البلد لا أظنها ستحل بانتخاب المحافظين، الواقع يؤكد أن الطموحات والمطالب الشعبية صارت أكبر من مشروعات السلطة والمعارضة، تأملوا جيداً في المعركة المستعرة تحت قبة البرلمان أو في الصحف لتدركوا أن المجتمع لا يكترث لتعديل قانون أو يعلق آمالاً على مشروع هو أدنى مما يحتاجه في الحاضر، مشكلتنا في الأصل تكمن في غياب الإرادة الحقيقية القادرة على تجاوز المشكلات، لم تعد المعالجات الآنية لبؤر الأزمات المزمنة تجدي نفعاً بالمسكنات والتخدير الموضعي، مثل هذه المهدئات كانت وصفة ناجعة للنظم السياسية خلال الحرب الباردة، أما في العصر الراهن فلا أعتقد بجدواها، كل ما نعيشه ونلمسه يؤكد حاجة البلد إلى إنقاذ حقيقي له من الحالة الحرجة التي وصل لها، ليست الوحدة الوطنية وحدها أول ضحايا القرارات الارتجالية الصادرة من إدارة جل مهمتها خدمة الحكم لا الوطن والشعب، هنالك أيضاً المعيشة والتنمية والديمقراطية والقضاء والبرلمان وصندوق الانتخابات والأحزاب والمؤسسات المدنية والصحف والحريات .. إلخ من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

قبل عقد ونيف كان الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي حالياً والمنفي في ذاك الوقت قد لخص مشكلة اليمن الموحدة أو المجزأة بغياب الإدارة المعنية لكل الوطن، فمنذ قيام الدولتين في الستينات وحتى الوحدة وما بعدها والإدارة فاقدة القدرة على تجاوز معضلة إدارة الحكم إلى إدارة الوطن، بمعنى آخر إدارة مسؤولة عن شعب وأمة وثروات ومقدرات ودستور ومال عام وتنمية واستثمار وانتخابات وأحزاب وغيرها، لا كما هي الإدارة في الواقع، التي جل وظيفتها خدمة نظام الحكم.

انتخاب المحافظين في ظروف كهذه للأسف لم يأت استجابة لمشكلات إدارية وتنموية تعاني منها المحافظات منذ التطبيق العملي لتجربة السلطة المحلية في فبراير 2001م، قد يكون مثل هذا الكلام غير مستساغ للبعض خاصة في ظل انشغال جمعي بهذه المكرمة المفاجئة والمعلنة من مجلس الدفاع الوطني دون غيره من الهيئات الحزبية أو التنفيذية، ما يحدث الآن من تفصيل للمحافظين في صنعاء يؤكد حقيقة واحدة، وهي أن الانتخاب ضرورة للحاكم وعلينا كمحكومين ألاَّ نتوقف عن المطالبة بما هو أقل وأدنى من الطموحات والمعالجات المطلوبة لمجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والوطنية والديمقراطية والإدارية، ما أخشاء هو انشغالنا بالشكل أكثر من الجوهر أو أن نفرط بالتفاؤل مثلما حدث مع الوحدة والانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية، وإذا بنا نكتشف بعد حين كم هي مخيبة للآمال وفي خدمة من يحكم .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى