اليد الممدودة

> جلال عبده محسن:

> أثناء الحرب العالمية الثانية، وبينما كان العمل يجري في معبر لمد جسر مؤقت فوق مجرى أحد الأنهار، يقوم به مجموعة من المهندسين لتمهيد الطريق أمام جيشهم للعبور إلى الضفة الأخرى، كانت طائرات الطرف الآخر تحوم فوق النهر وتسقط القنابل، فيلقي المهندسون بأنفسهم على الأرض، ويظلوا كذلك حتى انتهاء الغارة، إلى أن وقف قائد المجموعة، الذي يتولى قيادة وحدة المهندسين، وصرخ في وجوه رجاله قائلا: وهكذا سوف يستمرون في التحليق فوقنا طوال اليوم، وستقضون الليل منبطحين، وسيبقى الجسر كما هو، ولن تكون بنا حاجة لبنائه بعد أن تنتهي الحرب، فهلموا لمباشرة العمل.

ونهض الرجال واحدا بعد الآخر، وعادوا لمباشرة العمل وهم يرمقون السماء بنظراتهم الثاقبة.

ومضت الطائرة تدور فوق الجسر مدة طويلة، وعندما أيقن قائدها أن تحليقه لم يوقف العمل، بادر إلى إلقاء قنبلته الأخيرة وابتعد، بينما استطاعت المجموعة الانتهاء من مد الجسر تمهيدا للعبور.

ولعل هذه المجموعة وجدت في قائدها من الحكمة والحنكة والذكاء في التعامل مع طبيعة الموقف وفي اتخاذ القرار المناسب الذي كان سببا في تماسكها والصمود في مواصلة العمل، بالرغم من كونه محفوفا بالمخاطر وبحاجة إلى بذل التضحيات لبلوغ الغاية والهدف، وما كان ذلك ليتحقق لولا استشعار ذلك القائد حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، وفضل السير قدما هو ورفاقه في إنهاء المهمة ومواصلة العمل بكل جدية وعزم، برغم خطورتها، على التخاذل والاستسلام وتقبل الهزيمة.

وما أكثر القرارات والمواقف المتسرعة والخاطئة التي يتخذها المرء في حياته نتيجة الانفراد بها، والمأسوف عليها بنظر اليوم، وكانت سببا في التخاذل والفشل، وحالت دون تحقيق النجاح، ليس لأننا لانمتلك مقومات ومقدرات ذلك النجاح، ولربما لو كان الأمر كذلك لاعتبرناه سببا كافيا لاختبار الذات، ومقنعا لأنفسنا بتحويل المسار، وبأنه القرار الصائب بالرغم من عدم بلوغ الأمنية، كوننا عرفنا حجم قدراتنا الحقيقية التي نمتلكها، وبالتالي فإن الاستمرار فيه يكون نوع من أنواع المغامرة والحماقة قد تنتهي بما لاتحمد عقباه.

ولكن عندما يتعلق الأمر بنقص في الخبرة أو تشتت في الرؤى والآراء يقودنا إلى عدم الاهتداء إلى اتخاذ القرار المناسب، وكان بالإمكان تفادي ذلك متى ما وجدنا اليد الممدودة، وممن لديها الخبرة السابقة في مواجهة الخيارات التي تعيننا على الإرشاد والتوجيه إلى الطريق الصحيح، ورفع الغشاوة عن أعيننا بحكم حداثة السن ونقص الخبرة، تجنبنا السقوط في مستنقع الندم والخذلان، يكون سببا كافيا في تحطيم الإرادة والانكسار والتعاسة وضياع الحلم.

والأمر هنا يتعلق بالوعي والخبرة من اليد الممدودة، التي عادة ما تكون سندا وعونا لمحتاجيها، تجدها باستمرار عند الحاجة، مستعدة لتقديم استشارتها بحكم خبرتها السابقة لتعيننا على تجاوز محنتنا وتحثنا على الثبات والصمود وعدم الاستسلام والانبطاح من أول عقبة تعترض طريقنا، ولكن من المهم هنا أن يكون لدينا الاستعداد لإشراك الآخرين والاستئناس برأيهم قبل اتخاذنا للقرار، وما خاب من استشار.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى