قصة قصيرة ..لم تعد موجودة

> «الأيام» نشوان بن محمد العثماني :

> وقف هناك بمحاذاة منزلها الكبير ينتظر الأمر بالمداهمة.. رهن الإشارة بقي.. عيناه حمراوان، يكاد الشرر يتطاير منهما.. كان مرتدياً بذلة جديدة.. بندقية على يمينه، ومسدس على يساره، ويعتمر طربوشاً يحمل النسر الجمهوري.

ساعتان ونصف الساعة مضت على مرابطته جوار منزلها.. ليأتيه الأمر بالانصراف والعودة.

لم يكن في ذلك المنزل سوى أم وأبنائها.. رب الأسرة لم يكن موجوداً.. لم يعد لمنزله منذ أن خرج.

ملامح ذلك الواقف الذي انصرف لا تدل إطلاقاً على هيبة أو حزم تؤهله لحمل الطربوش الجمهوري.. بدا أقرب كثيراً إلى اعتمار العمامة و(...)، ولا يبدو أنه خاض تدريباً، الأرجح أنه دعي من قطيعه واستبدل بذلته المتسخة ببذلة أمنية وعمامته بطربوش أحمر.

وهو عائد في الطريق مشياً على الأقدام يواجهه طقم عسكري.. تلة من الجند يؤشرون عليه بالعودة معهم، لتنفيذ المهمة.. يقود المجموعة سيادة المدير.

يصلون إلى جوار المنزل الواسع.. يتقدم المدير ويطرق بابه الخشبي آمراً سكانه بالخروج فوراً وإلا هدم البيت على رؤوسهم.. رب البيت مازال غائباً، تأخر كثيراً عن العودة، تفقد أسرته، أمل وجوده بينها.

فتاة الأسرة العذراء كانت على قدر من الجمال والرقة وعذوبة الكلام، لم تجد مخرجاً من هذا التهديد إلا بإبراز مفاتنها أمام حضرة المدير.

بسرعة لبست أجمل ما عندها، وتأهبت.. المدير يزمجر للمرة الثالثة بأن هذا هو الإنذار الأخير، ما لم فالبيت في أقل من خمس دقائق سيصبح حطاماً على رؤوس ساكنيه.

فجأة.. الباب يفتح، وعلى وقع الغنج والدلال تمايلت في مشيتها إلى أن وقفت أمامه.. لحظات من الصمت تغلف أرجاء المكان.

الجند يقتربون، وسائق جرافة الهدم يوقف هدير ماكينته، حتى يفلح بسماع الصوت الأنثوي الساحر.. لم تقل شيئاً غير لغة العيون.. هنيهة وتعود إلى منزلها بلطف وهدوء.

المدير، وعلامة الذهول تكسوه، يقرر البقاء آمراً جنده بالرجوع على متن الجرافة.

خلا له الجو.. قبقب الباب بكل هدوء واحترام.. أعاد قبقبته فوجده مفتوحاً.. دلف بجسمه الثخين في غياب سيد البيت.. جال بعينيه أرجاء المكان.. صعد ونزل، فتش وانتهك.. داس كل شيء ثم جلس.. دقق النظر.. تفحص.. لمح محيطه.. الفتاة لم تعد موجودة.. البيت مهجور من الداخل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى