> «الأيام» محمد مرشد عقابي :

منظر جزئي لمنطقة جراب
منطقة تحاط أراضيها بقوالب فنية بديعة وتتمتع بمفاتن معجونة بالجمال والإبداع الرباني .. منطقة تسرق بجمالها النظر من العيون كونها تضاجع قمر المتعة وتغرق في محيطه الخلاب، وعلى الرغم من جمالها إلا أنها لاتزال تفقد هويتها على الخارطة الوطنية وتقارع ضراوة الإهمال وتقاوم تراجيديا النسيان التي تلتهب في نيرانه مديرية المسيمير بكامل قراها ومناطقها .. يبقى التعبير عن منطقة بهذا المخزون الجمالي البديع من بين المصاعب وفي ظل هذه المتكومات المتشعبة يخوننا الحدس نبعثره هنا وهناك في سبيل الحصول على تفسير مقنع لما يدور في أوساط الأهالي في هذه المنطقة.

بعض أراضي المنطقة ويظهر بلاطها مرسوما بحبر الاخضرار
منطقة ترقد على صفيح ساخن من الإهمال رغم جمالها ومقومات سحرها الطبيعي
لا أدري من أين أبدأ رحلة (النبش) المحورية في حقائق المعاناة المتراكمة لسنوات على ظهور أهالي هذه المنطقة، التي بدت حروفها حبيسة الكبت في سجون صدورهم، ولا أدري من أين تبدأ عملية الإطراء في ركوب موجة تحريك هذه المآسي المترسبة وتحويلها إلى ساحة مليئة بكلمات تتحدث عن الواقع وتترجم معانيه، وخلال زيارة «الأيام» ونزولها إلى منطقة جراب كان رفيق الزيارة ومن أصر على نزولها الأخ المعلم عبدالعزيز جديب، يرمي إشارات إبهامه، تارة يعرفنا بالمعالم التاريخية التي تحتضنها المنطقة بين جنبات جبالها، وتارة أخرى يلوح بيده نحو مكامن جمال وسحر المنطقة ليتداخل معي في إحدى المرات قائلاً: «منطقتنا لاتزال في نفق مظلم من الإجحاف ووعود المشاريع المطلقة من أفواه المسئولين لنا يومياً تتنافر مع واقعنا المقلوب (المقلوب والمؤلم والمحزن)».

حوض مائي ملوث يستخدمه الأهالي للشرب والاستخدامات الأخرى
وواصل قائلا:«الحقيقية التي يجب أن نؤمن بها ونقولها هي أن مسؤولينا أدخلوا مديرياتنا (مغارة) الإلغاء، وهربوا بمفاتيح الإنقاذ وتركونا وسط أمواج متلاطمة من النسيان لانعلم فيها مصيرنا».. وتوقف برهة ثم قال: «مسؤولونا وقادة سلطتنا المحلية مدمنو الاحتساء من بحور المشاريع الوهمية، وهم يمتلكون طرقاً سحرية في ترويض مطالبنا وإذابة استغاثاتنا في كؤوس مشاريع الكذب والافتراء، كون كثرة مشاريعهم الوهمية قد دوختنا وحولت مديريتنا إلى صورة مبتورة وإلى لوحة تبدو وكأنها إحدى رسوم عبث الأطفال، فهؤلاء المسؤولون أصدروا فحيح مشاريعهم الوهمية، بينما يبقى المواطن يستغيث وكأنه باستغاثاته ينفخ في قربة مقطوعة، فيما المسؤولون مستمرون في السير على نهج التدمير الذي يفتح تصاريف آخر فنون العبث والكذب والفهلوة».

الحمار يشارك المرأة في نقل الماء من مسافات بعيدة
منطقة جراب تراوح بين الحرمان والنسيان والإهمال، ومع ذلك كله تبقى الاستفهامات التي فرضت غمامات الرؤية الضبابية المتجسدة لواقعها المؤلم بسبب سياسة التهميش والإقصاء التي تلاقيه من قبل جهات الاختصاص المعنية بتوفير أساسيات الخدمات لساكنيها، وحول ذلك تداخل معي دليل الرحلة الأخ أنور جابر قائلا:«أيام الانتخابات يأتي إلينا المسؤولون وكأنهم بكلامهم المعسول ووعودهم التي ينكسف منها الجبين وبموالهم المتفرد بموسيقى هز الرؤوس ودق الصدور، يأتون إلينا يخيلون لنا المستحيل ممكن، حتى أنهم يمنحون أنفسهم القدرة على الإتيان بلبن العصفور وجلب بيضة الديك»، وقال في سياق حديثه:«منطقتنا كما تلاحظ قد أصيبت بالهزل الخدماتي، وغزاها مرض شلل المشاريع.
فلا مدرسة ولا وحدة صحية ولا مشروع مياه متوفر ولا طريق نعبر عليها، فمنطقتنا للأمانة قد توارت بفعل سياسة المسئولين خلف ضباب الإهمال»، وقال:«تعتبر منطقتنا رقما مهمشا في أجندة سلطة المديرية لا أحد يهتم بحال أبنائها الذين يعانون الفقر والبطالة، وليس لديهم فرص تساعدهم على مقاومة ضراوة الفقر والبؤس، ولا أحد من المسئولين يفكر في الاقتراب من معاناة أهاليها»، وتابع حديثه قائلاً:«يجب على قادة سلطتنا المحلية إن أرادوا بحق وحقيقة انتشال أوضاع المديرية المتردية وخدمة المديرية وأبنائها أن يضعوا محاور وقوالب الصدق والأمانة نصب أعينهم، ويعملوا بإخلاص النيات للصالح العام، مع مراعاة الله في ما يقومون به للمواطن وتقدير ذمة المسئولية الموكلة إليهم حتى تتحقق المشاريع والمنجزات والفائدة للمديرية وأبنائها».

الحمار وسيلة نقل المواد الغذائية في جراب نظراً لعدم وجود طريق لعبور السيارات
منطقة جراب رحلت إلى ملفها جودة إبداع الخلق الرباني، وماركة الجمال الطبيعي الخلاب المتجلي في رسم السحر الآسر، وفوق كل الجماليات إلا أن المنطقة تفتقر لمن يرأب صدع حرمانها من المشاريع، والمواطن فيها ما يفتأ يحلم بالمشروع حتى يتحول حلمه إلى كابوس مزعج، وجميع أهالي المنطقة يخبو لديهم أمل التطلع لغد مشرق نظير ما يعانونه من إجحاف في الخدمات، وجفاف في المشاريع، لتبقى المنطقة وسط رياح وعواصف الإهمال مسلوخا جلدها ومباعاً في السوق السوداء، ولسان حال أهاليها يقول: إلى متى سنظل بين مفاصل النسيان ومشانق الحرمان، وإلى متى سنبقى لا نفطن لمعاني كذب وخداع المرشحين لنا بعمل المنجزات وتحقيق المستيحلات؟