> صنعاء «الأيام» بشرى العامري:

د.أحمد الأصبحي وبجانبه القاضي الماوري
د.أحمد الأصبحي وبجانبه القاضي الماوري
نظم المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل (منتدى منارات) مساء أمس محاضرة بعنوان (استقلال القضاء في التشريعات اليمنية في ضوء المبادئ الدولية).

وتحدث في هذه المحاضرة القاضي يحيى محمد الماوري، عضو المحكمة العليا للجمهورية اليمنية.

وقال القاضي الماوري: «إن دولة النظام والقانون تمثل اليوم عنوان الحضارة الإنسانية الأبرز، وإن هذه الدولة في تعريف فقهاء القانون هي التي تقوم على أساس الشرعية الدستورية ومبدأ سيادة القانون»، مؤكدا أن «من أهم مهام هذه الدولة أن تكفل للإنسان حقوقه الأساسية، وتحفظ له كرامته الآدمية، وهذا لايتأتى بمجرد النصوص النظرية، بل بوضع قواعد وضوابط دستورية لتنظيم مهام واختصاصات سلطات الدولة على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يعطي السلطة القضائية قوة دستورية متوازنة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، تمكنها من الحماية القضائية للحقوق والحريات الإنسانية وإقامة التوازن الاجتماعي داخل المجتمع».

وأوضح أن «حقوق الإنسان اليوم هي الشعار الأبرز والأكثر إثارة وضجيجا في العالم، إلا أنها تعاني من تراجع خطير في واقع الممارسة على مستوى المجتمع الإنساني شرقه وغربه شماله وجنوبه، وإن كانت الصورة أشد إيلاما ومرارة في المجتمعات الفقيرة والأقل نموا بفعل تفشي الجهل وانتشار الفقر والأمراض، وبخل المجتمعات الغنية عليها بالمساعدات المجدية لإحداث تنمية وتغيير حقيقيين لإلحاقها بالمجتمعات المتقدمة، ولو على المدى الطويل».

وأشار إلى أن «استقلال القضاء، وما يكتنفه من مقومات وإحباطات واقعية تتطلب تكاتف جهود المجتمع الإنساني للتغلب عليها، وأن رجال القضاء والمحاماة في العالم هم من يقع عليهم دور القيادة في هذا الاتجاه، دونما اعتبار للصراعات السياسية وتضارب المصالح»، منوها إلى أن «الحقوق والحريات الإنسانية لاتخضع لمقاييس الفقر والغنى، والعدالة لاتقبل التدرج أو التمييز لأي سبب من الأسباب، فإما عدل وإما ظلم». واستعرض المبادئ التشريعية لاستقلال القضاء التي تضمنتها التشريعات اليمنية، مقارنة بالمبادئ الدولية لاستقلال القضاء، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة في قراريها رقم 40/32 ورقم 40/146 لسنة 1985، باعتبارها معيارا نظريا لقياس ما توفره التشريعات الوطنية من حماية دستورية لمبدأ استقلال القضاء، موضحا أن «القضاء اليمني من الناحية التشريعية يقوم على قواعد وأحكام دستورية وقانونية، تنظم اختصاصاته وعلاقاته مع بقية مؤسسات الدولة في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات، لكنه من الناحية العملية يعتمد على خبرات وتقاليد قضائية ترجع إلى مراحل ماضية ماتزال تلعب دورا مؤثرا في سير العملية القضائية الإجرائية والموضوعية، رغم التحول النوعي في الجوانب التشريعية والقانونية التي حدثت بعد قيام الثورة، واتسعت أكثر بعد إعادة الوحدة، إلا أنها لم تحدث الصدى المطلوب في الواقع العملي».

وأضاف أن «اليمن قد شهد خلال العقدين الماضيين طفرة تشريعية هائلة، شملت مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما حدثت تطورات ومتغيرات دولية وإقليمية في مجال المعاهدات والمواثيق والقانون الدولي العام والخاص».

القاضي الماوري أثناء إلقاء محاضرته أمس
القاضي الماوري أثناء إلقاء محاضرته أمس
وقال: «كان يفترض الاهتمام بإعداد وتأهيل القضاة التأهيل المناسب للتعامل مع كل المستجدات ومواكبة التطور العلمي ودخول التقنية الحديثة في أعمال المحاكم، الذي يعتبر أحد مظاهر العجز والقصور في الإدارة القضائية»، مبينا أبرز مظاهر القصور والسلبيات التي يعاني منها الجهاز القضائي، ويعاني منها المواطن في تعامله مع أجهزة القضاء، والتي من أهمها «التطويل في نظر القضايا بما يولد الشعور بالظلم ويهز الثقة بالقضاء، والزيادة المفرطة في التأجيلات وتكرار الجلسات لغير أسباب قانونية نتيجة قصور الثقافة الإجرائية، وعدم إدراك أهمية القواعد الإجرائية، واستغراق الكثير من الوقت في إنجاز المعاملات الإدارية اليومية بما يثير شكاوى وتذمر المواطنين، وعدم الاكتراث للشكاوى، وإظهار عدم الثقة بالشاكين، والتغاضي عن معالجة أسبابها، واستغراق فترة زمنية طويلة لتنفيذ الأحكام والأوامر القضائية، وتحميل المحكوم لهم نفقات غير قانونية، وكذلك ضعف دور الرقابة والتفتيش، وبدائية الأساليب المتبعة، وعدم الحياد في التعامل مع منتسبي السلطة القضائية، مما يوجد الشعور بعدم الرضا الوظيفي، وعدم استقرار الكوادر المؤهلة والعناصر المدربة في المحاكم بفعل الإجراءات الإدارية غير المدروسة»، مؤكدا أن «هذه السلبيات تتصف في معظمها بالتعسف في استعمال السلطة في التعامل مع المواطنين واللامبالاة أو الاستهتار بحقوق المتعاملين مع هذه الإدارة وإهدار حقوقهم القانونية».

كما قارب القاضي الماوري التشريعات اليمنية بالمبادئ الدولية لاستقلال القضاء، موضحا أن «القانون اليمني قد تضمن نصوصا وأحكاما مفسرة ومكملة للنصوص والأحكام الدستورية التي تمنح السلطة القضائية الاستقلالية، في إطار مبدأ الفصل بين السلطات، كما تمنح القاضي استقلاليته في قضائه، وتحرم التدخل في شؤون العدالة، أما الجانب التطبيقي في الواقع العملي فيخضع لظروف وعوامل أخرى ترتبط بدور المجتمع ومؤسساته الرسمية والمدنية ودرجة وعي المجتمع وتطوره الحضاري، وتلك هي المشكلة التي يعانيها القضاء اليمني في مواجهة الواقع الاجتماعي المتخلف».

وأكد على «ضرورة استقلال القضاة في قضائهم، وأن القاضي يعتبر عضوا في سلطة مستقلة، وليس موظفا في أحد مرافق الإدارة العامة، وهو ما يميز القاضي عن الموظف العام». وطرح بعض أوجه القصور والأخطاء التي يسهم بها المجتمع في إضعاف دور القضاء، مبينا أن «تطور المصالح المحمية بالاتفاقيات الدولية واتساع المشاكل الأمنية أدى إلى الحد من صلاحيات القضاء، وإضعاف قوته»، مستعرضا بعض أنواع التدخل في شؤون القضاء، والتي منها «تدخل بعض المسئولين والمشايخ والوجهاء وذوي النفوذ في شؤون القضاء، وتدخل بعض القوى والهيئات المحلية تحت مبررات حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الحقوق والحريات الديمقرطية، وتدخل كل من الإدارة القضائية التي تتحكم في حقوق القاضي وشؤونه الوظيفية وتمتلك القدرة على الإضرار به، والصحافة الرسمية والحزبية التي تقوم بدور مؤثر في إضعاف هيبة القضاء في أوساط المجتمع والتحريض على الاستخفاف به وعدم احترام أحكامه من خلال ما تشنه من حملات هجومية غير منصفة وغير موضوعية، كذلك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بوسائل مباشرة وغير مباشرة في رسم السياسة القضائية والتأثير في قرارات السلطة القضائية، وأخيرا تدخل الهيئات والمنظمات الدولية تحت شعارات حماية حقوق الإنسان ودعم برامج الإصلاح القضائي».

وأكد أن «الصحافة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات الدولية قد أسهمت في تشجيع التمادي في انتهاك استقلال القضاء وإهدار أحكامه بدلا من الدفاع عن استقلاله كمؤسسة وحمايته كمبدأ ومعالجة الاختلالات بموضوعية وتجرد»، موضحا أن «تلك الأخطاء والممارسات السلبية تسهم في خلق مشاعر الخوف والتوجس في نفوس القضاة، والتردد في قول كلمة الحق والعدل، تحسبا لما قد ينتج عنها من ردود أفعال ضارة».

جانب من الحضور
جانب من الحضور
كما استعرض دور القضاء في الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد وحماية الاستثمار، باعتباره أقوى الضمانات وأكثرها ثباتا وديمومة، كونه يجسد الآلية العملية في تطبيق وتنفيذ القوانين المنظمة للاستثمار والنشاط التجاري، والقادر على سد أي ثغرات أو نقص فيها، مشيرا إلى أن «اتساع وتنوع النشاطات الاقتصادية والاستثمارية وظهور أنشطة ومعاملات جديدة في المجال المصرفي والصناعي والسياحي والتجاري قد شكل تحديا حقيقيا للمشرع اليمني وللقضاء التجاري على حد سواء، لاسيما من حيث المواكبة الزمنية والقدرة على استيعاب التطورات والمتغيرات المتسارعة في النشاط الاستثماري والتجاري بشكل عام، وهي إشكالية تمثل أحد جوانب الشكوى لدى المستثمرين في غالبية الدول النامية، بسبب جمود القوانين المنظمة للاستثمار والنشاط التجاري والاقتصادي، وعدم توفر المرونة المطلوبة لمواكبة التطورات المتسارعة في حركة الاستثمار والأنشطة التجارية والاقتصادية المختلفة في الدول المستقبلة للاستثمار».

واشترط القاضي الماوري لتحقيق استقلال القضاء تنفيذ توصيات المؤتمر الأول، التي أجملها في «وضوح الرؤية السليمة لماهية استقلال القضاء ومدلولة لدى أجهزة الدولة ومسئوليها ورجال القضاء أنفسهم والقائمين عليه والمسئولين عن تنفيذ أحكامه، وضرورة توفر نصوص عامة ومجردة وملزمة، واستشعار القاضي لهذا الاستقلال في نفسه، وتوفر الحماية الدستورية والجزائية والشخصية، وعدد من الضمانات بما يكفل استقلال القضاء وكفالة الضمان والاستقلال العملي للقاضي، وتنفيذ أحكامه من جانب الدولة».