وسائل حماية اللغة الفصيحة وطرق تقويتها ونشرها

> امذيب صالح احمد:

> سوف نحاول الآن عرض بعض الوسائل الممكنة لحماية اللغة العربية وبعض الطرق التي قد تساعد على نشر اللغة الفصحى في مختلف أوساط الناس. فالفصحى التي ننشدها تختلف مستوياتها باختلاف الأحوال الاجتماعية لاستخدامها.

ففصاحة لغة الشارع غير فصاحة لغة وسائل الإعلام أو السياسة وفصاحة لغة الشعر والأدب تختلف عن بقية المستويات, غير أن الحد الأدنى المطلوب لفصاحة اللغة العربية هو نطق الحروف العربية نطقا صحيحا دون تحريف أو إبدال، والحد الثاني هو نطق كلمات الفصحى نطقا سليما، ثم يلي ذلك سلامة العبارات والجمل وآخر حد لفصاحة اللغة العربية التي ننشدها هو الالتزام بقواعد اللغة ونحوها إلى الحد الممكن، أما البلاغة اللغوية للفصحى فهي من شأن كل من يحب لغته ويطرب لسماعها ويتذوق حلاوتها. إننا نستطيع أن نحدد بعض وسائل وطرق حماية الفصحى وتقويتها ونشرها على النحو الآتي:

(1) معالجة القدماء لتحريفات العامية:

بعد انتشار الإسلام وتوسع دولته ودخول شعوب كثيرة غير عربية فيه بدأ تحريف العامية لنطق الألفاظ العربية، وحينما تكاثر التحريف في النصف الثاني الهجري بدأ علماء العربية يؤلفون الكتب اللغوية التي تحاول تصحيح نطق العامة لألفاظ اللغة العربية. يقول الدكتور شوقي ضيف في مقدمة كتابه (تحريفات العامية للفصحى): «وكل هذه المؤلفات تحاول تصحيح نطق العوام لألفاظ العربية في البلدان المختلفة بحيث تخلصها من كل ما دخل عليها من تحريف، وتصوب كل ما شابها من اللحن». ونمضي مع الزمن، فيعني بعض أئمة العربية بتبيين وجوه الصواب فيما يظن أن العامية لحنت فيه أو حرفته عن صورته الأصلية. وقد ذكر الدكتور شوقي ضيف أسماء بعض الكتب ومؤلفيها التي صدرت منذ القرن الثاني الهجري، وأولها كتاب (ما تلحن فيه العوام) للكسائي مؤسس مدرسة النحو الكوفية وأحد القراء السبعة المشهورين للقرآن الكريم ثم كتاب (إصلاح المنطق) لابن السكيت (وأدب الكاتب)لابن قتيبة وكتاب (الفصيح) لابن ثعلب في القرن الثالث الهجري، ثم يذكر بعض الكتب الهامة في القرن الرابع وما بعده مثل (لحن العوام) للزبيدي الأندلسي (وتثقيف اللسان) لابن مكي عن لحن العامة في صقلية وكتاب (درة الغواص في أوهام الخواص) للحريري صاحب المقامات و(تكملة إصلاح ما تخلط فيه العامة) للجواليقي و(المدخل إلى تقويم اللسان وتعليق البيان) لابن هشام اللخمي الأندلسي و(تقويم اللسان) لابن الجوزي في لحن عامة بغداد. ثم تتوالى المؤلفات إلى العصر الحاضر.

(2) نموذج معالجة تحريفات العامية المصرية في العصر الحاضر:

كان الدكتور شوقي ضيف يرى أنه يمكن معالجة المشكلة بعد اقتناعه بالجهود الخصبة التي بذلها الأسلاف والمعاصرون خاصة في القرن العشرين لتقويم ألسنة العامة المصرية بوضع الصور المتعددة كما أحدثت العامية من تحريفات مختلفة في قواعد العربية وصيغها وهيآت كلماتها فيقول: «لا أرتاب في أن العامة إذا وقفت على تلك التحريفات في ألفاظها وصيغها وعرفتها معرفة بينة وعرفت معها مقاييس العربية المطردة وتبينت بصور دقيقة وجوه التصويب والتصحيح لنطقها بحيث يصبح نطقا عربيا سليما فإنها ستبادر تلقائيا إلى تلافي تحريفاتها للكلم العربي وتخلص مما شاع فيه من آفات اللحن والخطأ ،لأنها دائما تأنس إلى الفصحى لغة القرآن الكريم التي تقرؤها صباح مساء في الصحف اليومية وتتطلع إلى اللحاق بركبها، وتشركها الأمة وناشئتها وشبابها في هذا التطلع، إذ هي لغة التعليم الأساسي والجامعي في الأمة وعماد هويتها وقوميتها وشخصيتها الخالدة على مر الزمن».

ويتمنى الدكتور «أن تكتب في مواد كتابه كتب تعليمية للناشئة وللمذيعين والمذيعات وأن يتاح لأن تعرض عرضا حسنا على أفراد الجماهير المصرية في الصحف والتلفزيون حتى تسرع الخطى في محو الفواصل وطمس الفوارق بين العامية المصرية والعربية الفصيحة. ويصبح جميع افراد الشعب المصري يستطيعون النطق الصحيح بالعربية السليمة في التخاطب والتفاهم بينهم في المنزل والمدرسة والسوق والمصنع والحياة اليومية العاملة».

ولما كانت آراء الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد صدرت في أوائل تسعينات القرن العشرين وقبل أعاصير العولمة الغربية بمغازيها السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية فإن مقترحاته لوحدها لن تكون كافية لمعالجة تحريفات العاميات بعد أن تعددت جبهاتها الإعلامية والثقافية.

(3) التوعية بأهمية اللغة العربية الفصحى في الحياة:

إن اللغة العربية هي الهوية كما يؤكد علماء اللغة. واللغة العربية الفصحى هي هوية الأمة العربية الإسلامية. فهي وعاء تاريخها وحضارتها ودينها وعلومها وفنونها، وهي أداة الأمة لتحصيل العلوم والمعارف والحضارة في المستقبل. وإذا كانت اللغة العربية الفصحى لاتختلف عن لغات العالم الأخرى في هذه المعاني السابقة فإنها تختلف جذريا عن جميع لغات العالم في أنها لغة عقيدة وشريعة إنسانية عادلة كانت سببا في مناعة وقوة وصلابة أبناء العربية. يقول الدكتور أسامة الألفي في كتابه (اللغة العربية): «لقد ذهبت دراسات علمية حديثة إلى أن اللغة العربية كانت من أسباب قوة العرب وصلابتهم. ونشرت جريدة الأهرام على لسان الباحثة سهير السكري وهي باحثة مصرية تعمل في مجال اللغويات بجامعة (جورج تاون) الأمريكية نقلا عن كتاب (الإسلام المقاتل) للكاتب الإنجليزي (إيه جانسر) أن الباحثين الأنجليز والفرنسيين تحيروا في أسباب صلابة الإنسان العربي التي مكنته من فتح ما حوله من بلدان حتى حدود الصين والهند. فأجروا دراسات مكثفة أسفرت عن الوصول إلى أن تحفيظ الطفل العربي القرآن الكريم بما فيه من فصاحة تراكيب وصيغ بلاغية قد حمى الإنسان العربي من ازدواجية اللغة والوقوع في براثن العامية، فضلا عما أكسبته قراءته للقرآن الكريم وحفظه له من طاقة نضالية وصلابة خلقية».

إن اللغة العربية الفصحى تمتاز عن بقية لغات العالم بخصائص عديدة ولايمكن مضاهاتها بأية لغة حية او ميته وهو ليس موضوعنا في هذا السياق ولكن المطلوب الان حمايتها والاعتناء بها والتوعية باهميتها على مستوى الاسرة والمجتمع والدولة. وهذا الواجب يقع على عاتق كل المتعلمين بها داخل الاسرة وخارجها كما يقع على الدولة باجهزتها المختلفة الاعلامية والثقافية والتعليمية, كما ان المنظمات الاهلية والجمعيات الثقافية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الشان.

(4) استخدام القرآن الكريم لمحو الأمية في الأسرة والمجتمع:

تعاني الأقطار العربية في الغالب من انتشار الأمية فيها بنسب كبيرة التي هي أحد أسباب ضعف اللغة الفصحى. ومعظم محاولات محو الأمية التي قامت بها الأجهزة التعليمية فشلت في تحقيق أهدافها لضعف التمويل بصفة عامة في مجال التعليم وقلة المشاركين في تنفيذه وأسوأ من كل ذلك اتباع منهج عقيم في تعليم الأميين, فتعلم اللغة العربية الفصحى منذ ثباتها ارتبط بالقرآن الكريم عند العرب والمسلمين، وهذا الارتباط بين القرآن الكريم وبين تعلم اللغة الفصحى هو الذي حفظ للغة العربية بقاءها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا في الزمان كأقدم لغة حية في العالم، كما جعلها أقدر على البقاء والتطور. إن اللغة العربية والدين الإسلامي متلازمان، فكل منهما يعرف بالآخر ويطوره، ولهذا فإن قوى التغريب والاستعمارالاستخرابي تعمل على محاربة مدارس الدين الإسلامي والقرآن الكريم كجزء من محاربة اللغة الفصحى والهوية والفكر. فالقرآن الكريم هو الذي ثبت اللغة العربية كتابة وقراءة وحفظ بها الإسلام عقيدة وفكرا وعلما وحضارة.

إن القرآن الكريم كتاب مقدس عند العرب والمسلمين، وحين يتعلمون به اللغة العربية فإنهم يجيدونها إجادة تفوق الذين يتعلمون اللغة بمناهج أخرى. وقد ابتدع القدماء طريقة (القاعدة البغدادية) البسيطة التي تعتمد على الموسيقى والسماع في تعلم مبادئ اللغة العربية القرآنية. ولما كانت المساجد في الإسلام تستخدم كمدارس علمية ومراكز سياسية واجتماعية فلابد من إعادة استخدامها في برامج محو الأمية لتعليم اللغة العربية بالمصحف الشريف. إن إقفال المساجد معظم الوقت وعدم استخدامها فيما ينفع الناس هو جزء من السياسات التغريبية، والحكومات الاستبدادية التي تفصل بين الدين والدنيا وتنشر الجهل والتخلف بمحاربة اللغة العربية والدين الإسلامي. فالقرآن الكريم هو الأداة التي كانت تمحى بها الأمية طوال التاريخ الإسلامي لأن المساجد كانت مفتوحة فتحا دائما للتعلم والتعليم.

ولما كانت الأمية متفشية أكثر بين النساء، خاصة الأمهات في مجتمعاتنا فإن محاربة الأمية داخل الأسرة بأسهل الطرق وأوفرها يمكن تنفيذها بأن يقوم أفراد الأسرة المتعلمون بتعليم الأميين فيها بالقرآن الكريم. وفي هذا الشأن فإن التلفزيون يمكن أن يستخدم أيضا بطريقة منهجية معينة ضمن برنامج تعليمي لمحو الأمية بالطريقة القرآنية.

(5) تقوية اللغة العربية في التعليم العام والجامعي:

من الملاحظ أن المثقفين والمفكرين والعلماء العرب الذين يجيدون التعبير عن أفكارهم بلغة سليمة فصحى هم أولئك الذين حفظوا القرآن الكريم في صباهم، بل إنهم يتميزون أحيانا عن أقرانهم، فالقرآن الكريم كتاب ضروري لتعليم اللغة الفصحى في جميع مراحل حياة الإنسان. إنه ليس كتاب عقيدة وشريعة بل كتاب لغة وبلاغة وبيان، يتعلم به الإنسان أشرف اللغات. لذلك لابد من جعله جزءا أساسيا من منهج تعليم اللغة العربية في كافة المستويات التعليمية العامة والجامعية حسبما يقتضي كل مستوى.

أ- تعليم اللغة العربية في المستوى العام:

تقوم مناهج التعليم في البلاد العربية على قاعدتين تخالف قواعد مناهج العلم والتعلم في الحضارة الإسلامية, أولاهما فصل الدين عن التعليم بحيث يبعد القرآن الكريم عن منهج التعليم والتعلم به، وثانيهما تعليم لغة العرب بمنهج لاتيني وعدم اعتبار أي خصائص لغوية أو دينية للفصحى العربية. وهاتان القاعدتان وضعتهما السياسات الاستشراقية والتربوية للغرب الاستعماري في أوائل القرن العشرين المسيحي، واستقرتا ضمن المناهج التربوية كجزء من الفكر القومي والعلماني الذي ساد المنطقة نتيجة تلك السياسات التغريبية التي اندفع فيها بعض الناس عن تدبير وبعضهم عن جهل وغفلة، فظهرت ثمار تلك السياسات اللاتينية واللادينية للتعليم في إنتاج أجيال من أبناء العروبة الإسلامية لاتمتلك طاقة نضالية أو صلابة خلقية بعد أن وقعت في براثن العامية وازدوجت لغتها، حسب رأي (إيه جانسر) في كتابه (الإسلام المقاتل).

إن منهج تعليم اللغة العربية للأطفال عند التحاقهم بالتعليم الأساسي والعام يجب أن يقوم على ركائز مستمدة من خصائص اللغة العربية وهي:

1- أن المران بالتكرار في النطق والسماع والقراءة والكتابة بطرق صحيحة وموسيقية هو أساس تعلم اللغة العربية، وليس الإدراك الكلي لصورة الكلمات الصوامت.

2- أن الحرف هو الأصل في اللغة العربية وليس الكلمة كما في اللغات اللاتينية.

3- أن الحرف العربي يتغير رسمه في الكتابة أما الحرف اللاتيني فثابت رسمه في الكتابة.

4- أن الكلمة في اللغة العربية يختلف لفظها ويختلف معناها باختلاف رسمها بينما الكلمة في اللغات اللاتينية لها رسم واحد ولفظ واحد.

5- أن معظم ألفاظ اللغة العربية تتوالد توالدا خصبا عن طريق الاشتقاق بعشرات المفردات ذات المعاني المختلفة، بينما ألفاظ اللغات اللاتينية ضعيفة في توالدها الاشتقاقي بسبب عقمها، بحيث أن أحسن لفظة تقل مفرداتها بالتوالد عن أصابع اليدين.

6- أن رسم الحروف في العربية يتحكم في الإملاء والنحو والصرف، لذلك يجب أن تكون جميع الكتب الدراسية المقررة مطبوعة كلماتها بالتشكيل الكامل لعلاماتها بحيث تظهر جميع علامات إعراب الكلمات والعبارات والجمل حتى تنطق وتقرأ وتكتب حسب إعرابها فيتعود اللسان عليها طوال المرحلة الأساسية والثانوية في التعليم العام فيسهل تعليمها من المدرس وتعلمها من الطالب.

7- أن اللغة العربية لغة موسيقية تعتمد على فصاحة اللفظ وجزالته ورقة الأسلوب ورصانته فينبغي أن تتواءم النصوص المختارة سمعيا مع هذه الخاصية. لذلك فإن آيات القرآن الكريم وروائع الشعر العربي العمودي هي التي تصنع السليقة اللغوية في متعلم العربية، بالإضافة إلى ما شابه ذلك من النصوص البلاغية الأخرى في المتون الأخرى.

8- يجب تعليم الطفل في هذه المرحلة الأسماء العربية الفصيحة لما في بيئته من جميع أنواع النباتات والزهور والثمار والحيوانات البرية والبحرية بالإضافة إلى أسماء جميع أعضاء جسم الإنسان الخارجية والداخلية الهامة بالتفصيل.

9- يجب أن يقضي الطفل عند التحاقه بالدراسة العامين الأولين في تعلم اللغة العربية دون أن تنافسها أي لغة أو مواد أخرى غير الحساب والرسم والموسيقى إن أمكن ذلك.

10- إن القرآن الكريم يجب أن يقرر ككتاب للتربية الوطنية في جميع المراحل، فهو خير من يعلم مبادئ حقوق الإنسان واحترامها، ويأمر بمقاومة الطغيان والمظالم والمفاسد والشرور، ويعلم الأخلاق والقيم الإنسانية وفعل الخيرات وتجنب المنكرات، بالإضافة إلى ما يناسب ذلك من مختارات السنة النبوية، وبذلك تتقوى صلابة الطالب الأخلاقية وسليقته اللغوية في آن واحد.

11- يجب أن يتعلم الطالب في المرحلة الثانوية نصوصا علمية مختارة من مؤلفات علماء المسلمين القدامى في مختلف العلوم الطبيعية ومثلها من مختارات في العلوم الشرعية.

12- لابد أن تكون حصص اللغة العربية بما يكفي لاستيعابها، كما أنه يجب تكريم مدرسيها ماديا ومعنويا بما يليق بمكانة اللغة الهوية.

ب- تعليم اللغة العربية في المستوى الجامعي:

إذا كان ضعف اللغة العربية في المستوى الجامعي يعود للأسباب المختلفة التي ذكرناها بصفة عامة، إلا أن السبب الرئيسي هو ضعف اللغة العربية منهجا وتدريسا في التعليم العام، وعليه فإن تقوية وسائل تطوير اللغة العربية تستدعي على المستوى الجامعي:

1- بما أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدول العربية فيجب على مجالس الجامعات إلزام مدرسي الجامعات بطريقة قانونية بالحديث والحوار والنقاش في قاعات التدريس باللغة الفصحى وتحريم استخدام اللهجات العامية المنحرفة التي تعطل اللسان والفكر. فنحن نعرف قوة العلاقة العضوية بين اللغة والفكر في هوية كل شخص فاللغة الشريفة السامية تسمو بالفكر والأخلاق، أما اللهجة المنحرفة فإنها قد تجر لسان صاحبها حين يكثر منها وينفعل بها إلى لهجة سوقية مبتذلة في المحتوى والشكل. إن اللغة الفصيحة المطلوبة للتدريس الجامعي هي ما يستطيعه كل مدرس حسب ثقافته، غير أن الممنوع على من في مستواه ووظيفته الجامعية هو تحريف نطق الحروف أو نطق الكلمات مع الحفاظ على حد أدنى من لفظ الكلمات بما يقتضي إعرابها حسب قدرته اللغوية.

2- إن أهمية اللغة العربية تفرض علينا تقريرها كمادة إجبارية في كل الفروع الدراسية وأقسام الكليات الجامعية بحيث يشتمل مقررها الدراسي على مختارات نصية من كتابات علماء المسلمين في كل الدهور في مجالات العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية والعلوم الأدبية، خاصة قصائد الشعر العمودي الشهيرة لفحول الشعر العربي في مختلف العصور الجاهلية والإسلامية والحالية.

جـ - تعريب تعليم العلوم والتقانات في الجامعات:

تتطور الأمم بقدر ما تكتسب من العلوم الطبيعية. فجميع الدول المتطورة تدرس العلوم الطبيعية بلغتها الوطنية أي اللغة الأم باستثناء الهند التي لم يمكنها الاحتلال البريطاني من الاتفاق على لغة وطنية للدولة في الهند. أما الدول العربية فمعظمها تدرس العلوم الطبيعية بغير اللغة العربية باستثناء سوريا الرائدة التي لحقت بها العراق في أواخر القرن العشرين قبل إيقاعها في شراك الإمبريالية الأمريكية بالعدوان على الكويت، وليس هناك سبب وجيه لتأخير تعريب التعليم الجامعي سوى العجز والضعف في الإدارة الجامعية والإرادة السياسية. إن الكيان الصهيوني الذي زرع في المشرق العربي بعد استقلال دوله العربية استطاع أن يعزز هويته الصهيونية بالدين واللغة بعد أن أحيا اللغة العبرية وعلم بها جميع العلوم الطبيعية والإنسانية في التعليم العام والجامعي، في حين أن العرب عجزوا عن استخدام اللغة العربية في تعريب العلوم، رغم أن علماء المسلمين القدامى استخدموها ببراعة في كتابة العلوم الطبيعية أيام الحضارة الإسلامية. إن العلوم الطبيعية في المستوى الجامعي تكاد تكون مستقرة في معارفها وقوانينها، لذلك فلابد من اكتسابها وتعلمها باللغة الأم مع الحفاظ على المصطلحات الأجنبية للغات العالمية التي عرفت بها مع عدم التخلص من اللغات الأجنبية في البحث والمراجعة. غير أن الدراسات العليا في مختلف مجالات العلوم ستظل باللغات الأجنبية حتى يتمكن العرب بعد أن يتطوروا علميا وتكنولوجيا من الولوج إلى عالم الاكتشافات والاختراعات. إن المصطلحات العلمية ستظل باللغات التي كتبت بها حتى تصبح المعرفة مستقرة بها، وحين يتخطاها التطور المعرفي للعلوم فإن التعريب الكامل يمكن أن يشملها. إن أهمية التعريب لاتقتصر على التعليم الجامعي الذي ستصبح فيه العلوم سهلة وميسورة على الطلاب من حيث الكم والنوع بل إن دائرة استيعاب المعارف العلمية ستتسع لتشمل الآخرين في الجامعة وفي المجتمع، فآراء العلماء ومعارفهم لايمكن لها أن تتطور ما لم تجد مساندة من المحيط الواعي علميا بنشاطات علمائه وجهودهم الخيرة. إن تعريب العلوم يعني نشر الثقافة العلمية وتقوية دوائرها وخلق مجتمع قابل للفكر العلمي والتطور التقني. إن عدم تعريب العلوم سيؤدي إلى توسيع دائرة الأمية العلمية التي لاتساعد على التطور.

إذا كانت اللغة هي أصوات منطوقة أو مرموزة يعبر بها الناس عن أغراضهم فإن اللغة العلمية هي لغة جزئية تعبر عن بعض أغراضنا. فهي لغة موضوعية ووصفية وبسيطة. واللغة لاتتطور إلا بالاستخدام والممارسة، وما لم تستخدم اللغة العربية في تعليم العلوم فإن اللغة العلمية في العربية لن تتطور، وبما أن الجهات العلمية في الأقطار العربية كمجامع اللغة العربية ومكتب التعريب التابع للجامعة العربية في المغرب قد أصدرت الكثير من المعاجم اللغوية للمصطلحات العلمية الأجنبية فإن الترجمة والنقل والاقتباس قد أصبح في متناول الجامعات العربية، وأيسر طريق للجامعات المتعثرة أو المتعسرة هو الاتفاق مع الجامعات السورية لنقل تجاربها في تعليم العلوم مادة ومنهجا بدل التردد مدة طويلة كما حدث لكلية الطب في جامعة القاهرة منذ أربعينات القرن الماضي حتى اليوم. إن عدم تعريب العلوم الجامعية قد أدى إلى انتشار لهجة إفرنجية وعامية بين مدرسي الجامعات العلمية لاتساعد على وضع أسس للتعريب.

(6) حماية اللغة العربية رسميا في الدولة والمجتمع:

إن دساتير الأقطار العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، ولكن معظمها لم يضع هذه القاعدة موضع التنفيذ القانوني المنظم مما جعلها عرضة للاختراق والتحريف في مجالات عديدة لأن الفصحى لم تجد الحماية القانونية تشريعا أو تنفيذا إلا في القطر التونسي في عهد الرئيس زين العابدين بن علي الذي عمل على أن تكون اللغة العربية هي لغة كل نشاط أو خطاب يلقى داخليا وخارجيا وفق سياسة التعريب الشاملة التي يقودها بنفسه. إن حماية اللغة العربية الفصحى تقتضي اتخاذ حزمة من السياسات والإجراءات القانونية والإدارية وفي جميع هيئات الدولة والمجتمع الرسمية والأهلية, بحيث يتم إصدار قانون بإنشاء مجلس لحماية ورعاية اللغة العربية تخطيطا ومشاركة وتنفيذا ورقابة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يوجب سلامة استخدامها وحفظها وحسن تطويرها ومنع تحريفها أو تشويهها أو تبديلها قولا أو فعلا في النطق أو القراءة أو الكتابة وخاصة في هذه الحقبة التاريخية من العولمة الساحقة الماحقة للضعفاء والمتخلفين والفارضة عليهم ثقافة الأخرين. إن اللغة العربية الفصحى هي بالنسبة لأبناء العروبة كالماء والهواء. فبدونها سيختنقون ثقافيا وتموت هويتهم، وبما أننا في عصر يقنن قطريا وإقليميا وعالميا لكل شيء يمس حياة الفرد والجماعة في المجتمع والبيئة فإن اللغة العربية جديرة بقانون يحفظها ويرعاها ويحميها من عوادي الزمن وغوادر الأعادي. لم تكن هناك في العصور الماضية قوانين تحمي الفكر والهواء والماء من التلوث أو السطو. أما اليوم فإن الأقوياء قد فرضوا اتفاقيات دولية حتى لحماية الملكية في الفكر، فكيف بنا لانحمي هويتنا اللغوية بالقانون مادمنا لانستطيع حمايتها بقوة حضارتنا علما وثقافة. إن الأقوياء يفرضون تأثيراتهم بقوتهم الحضارية أما نحن فليس لدينا ما يسعفنا الآن إلا الاحتماء بالقانون كبقية الضعفاء بل إن دولة كبيرة كفرنسا قد فعلت ذلك حينما رأت أن الثقافة الأنجلوسكسونية بدأت تؤثر وتهدد مستقبل اللغة الفرنسية.

(7) تعزيز اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام والثقافة والإمتاع:

إن وسائل الإعلام والثقافة والإمتاع التي نقصدها هنا هي : أ- الصحف والمجلات والكتب والمطبوعات المختلفة. ب- الإذاعة والتلفزيون والاتصالات الإلكترونية وشبكة المعلومات الإلكترونية. جـ - السينما والمسرح والغناء والإعلانات. د- المحافل الرسمية والاجتماعية العامة أو الخاصة. وهذه الوسائل تستخدم فيها اللغة العربية وغيرها صوتا أو كتابة. وبما أن اللغة العربية تتنافس معها في هذه الوسائل اللغات الأجنبية أو اللهجات العامية بالمشاركة أو الاحلال دون سبب وجيه فلابد من تنظيم استخدام اللغة الفصحى في المجالات الحيوية حسب اللزوم، فبعضها يحتاج إلى تقنين رسمي من الدولة وبعضها يتطلب وضع معايير وشروط للتحفيز والتنفير وبعضها يستدعى التوجيه والتوعية والإرشاد وبعضها تحتاج إلى انضباط أخلاقي وأدبي وبعضها تحتاج إلى وقت لتغييرها وإصلاحها، أما بعضها فسيظل مرهونا بدوافعه السوقية أو المأجورة إلى أجل غير مسمى غير أنه يمكن اتخاذ بعض الإجراءات في وسائل الإعلام والثقافة والإمتاع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- تكثيف مواد اللغة العربية في منهاج كليات الصحافة والإعلام لأن اللغة العربية الفصحى هي لسان رجال الصحافة والإعلام يستطيعون بها إجادة أو إساءة عرض رسالتهم، فتأثير اللغة لايحتاج إلى توضيح سواء كانت بالكتابة أم القراءة أم الإلقاء.

2- تشجيع إعداد وعرض البرامج الإعلامية بالفصحى، المقروءة منها أو المسموعة، حسب أغراضها، وإعادة عرضها في أوقات مختلفة مع تكرار الجيد منها بين مدد طويلة كما يمكن إعادة عرض البرامج الثقافية ذات القيمة الفكرية الدائمة بنفس التكرار مهما عفى عليها الزمن.

3- الإكثار من برامج القرآن والسنة والعلوم الشرعية لما فيها من ثروة لغوية لعامة الناس الذين يحترمون شريعتهم ويقدسون دينهم ويتشوقون لمعرفة الإسلام. كما ينبغي دائما عرض مختارات لروائع الشعر العربي المقفى الموزون في جميع وسائل الإعلام لما له من قيمة سماعية على الأذن العربية.

4- الإكثار من عرض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي أعدت باللغة العربية الفصيحة سواء كانت مؤلفة باللغة العربية أم مترجمة عن لغة أخرى، مع تكرار عرض الجيد منها في فترات تالية وعلى أزمان متباعدة حسبما يقتضيه الفن الإعلامي والحاجة الاجتماعية. كما ينبغي تشجيع الغناء باللغة الفصيحة مع تكرار الأغاني الفصيحة لمشاهير الغناء العربي التي شملت مختلف المواضيع.

5- منع الإعلانات منعا باتا بالعامية وإلزام المعلنين باستخدام الفصحى، سواء كانت الإعلانات في وسائل الإعلام أم في غيرها، أو تدل على أسماء المحلات التجارية، ولايمنع ذلك استخدام لغة أجنبية بجانبها أو كلمة أجنبية إذا كانت هي علامتها التجارية العالمية.

6- الإقلال من البرامج الإعلامية باللهجات العامية قدر المستطاع والحد منها تدريجيا والابتعاد عن البرامج المرتجلة إلا عند الضرورة للأحداث والوقائع في الظروف القاهرة.

7- عدم تقديم برامج الأطفال باللهجات العامية لعظم خطورتها على تكوين الملكة اللغوية في سمع الطفل ولسانه، وجعل جميع برامج الأطفال باللغة الفصيحة البسيطة المناسبة لأعمارهم، رغم أن قدرة الطفل كبيرة في استيعاب الفصحى وحفظ القرآن الكريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى