جزيرة سقطرى.. آلام وآمال

> «الأيام» أحمد عمر مدي:

>
بدأ هذه الأيام موسم الخريف بالجزيرة (يونيو إلى أكتوبر) وفي هذا الموسم تزداد الرياح بالجزيرة ويغلق البحر بسبب هيجان الموج وليس هناك وسيلة للنقل إلا طيران اليمنية.. عند وصولنا للجزيرة مباشرة ذهبت إلى مكتبة الأنوار وهي المكتبة الوحيدة بحديبو سألت عن صحيفة «الأيام» فأجابني صاحب المكتبة بأن الصحف لا تأتي إلا برحلة يوم الجمعة فقط .

كان التلفزيون مغلقا بفندق سقطرى القاطنين به .. لوجود الرياح الشديدة التي تؤثر في تحريك الشبكات. لا توجد مقهى للانترنت بالجزيرة .. فأدركنا بأننا خارج العالم.

الحياة المعيشية في الجزيرة صعبة جدا حيث إن هناك غلاء فاحشا في الأسعار تزيد أسعار بعض المواد عن حضرموت بنسبة 30% والبعض الآخر بنسبة 100%. أما أسعار الخضار في غير موسم الخريف فيباع كيلو الطماطم والبطاطس والموز بثلاثمائة ريال أما في موسم الخريف فلا توجد لأن كلفة النقل بالطائرة ( 500) ريال للكيلو الواحد .. فبكم تباع ؟

تسعيرة الكهرباء المنزلية هي تسعيرة تصاعدية تبدأ من (0 إلى 100) كيلووات بواقع (7) ريالات للكيلو الواحد ومن (101 وما فوق) بواقع (17) ريالا فتبلغ قيمة استهلاك الكهرباء عند المنزل المتوسط (7000) ريال شهريا أما فاتورة الماء فنحو (1200) ريال في ظل متوسط راتب الموظف (30000) ريال ... كيف يعيش هذا الموظف في ظل هذا الارتفاع للأسعار وقيمة الخدمات (كهرباء , مياه , تلفون , موبايل , علاج , تعليم ... الخ) ولهذا فإن كافة المرافق والمؤسسات في الجزيرة أخذت نصيبها من الفساد المالي والإداري المستشري في اليمن .

لا تجد موظفا بعد العاشرة في مكتبه وتنتشر الرشوة بشكل كبير في كثير من المؤسسات والمواطن الفقير لا يتحصل على خدماته الطبيعية من مؤسسات الدولة إلا بصعوبة.. ويسود الفقر بين المواطنين في الجزيرة حيث إن أغلبهم يعملون برعي الأغنام أو الاصطياد في الوقت الذي لا توجد منشآت سمكية لتسلم إنتاج الصيادين فيضطر الصياد إلى بيع إنتاجه بثمن بخس .

أما الواقع الصحي فينتشر سوء التغذية بين الأطفال وفقر الدم بين النساء الحوامل بسبب نقص الغذاء في الوقت الذي تشتهر الجزيرة بالأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة ووفرة المياه ولكن ليس لها إنتاج زراعي وقد رأيت مبنى كبيراً وجديدا لمكتب الزراعة ولكن لا يوجد إرشاد زراعي وتوجيه ومساعدة المواطنين لزراعة أراضيهم .

يوجد بمدينة حديبو مستشفى قديم تم بناؤه في عام 1975م هدية من الجمهورية الليبية، لكنه غير صالح لأن يكون مستشفى فعند موسم الأمطار تغرق كل العنابر والغرف بالمياه مما يضطرهم إلى إخراج المرضى المرقدين إلى منازلهم .

وهناك مركزان صحيان و (16) وحدة صحية في القرى ولكنها تكاد تكون مغلقة لعدم وجود كادر صحي بها حيث يعمل بها متطوعون مؤهلون بوساطة دورات تطبيقية قصيرة من شهرين إلى ستة أشهر.. هناك مستشفى جديد بدأ العمل في إنشائه اعتبارا من عام 2003م وإلى يومنا هذا لم يكتمل (متعثر) .

نسبة الأمية في الجزيرة بلغت 95% بسبب تدني التعليم والتسرب من المدارس إذ لا يوجد معلم للعلوم العلمية (رياضيات - فيزياء - كيمياء)، الطالب من الريف لا يقدر على مواصلة دراسته الثانوية بالمدرسة الوحيدة بحديبو لعدم وجود السكن.. ومدارس الريف الأهالي يدفعون راتب المعلم والدولة تصرف الشهادة العلمية.. أما الكهرباء فهي تنطفئ يومياً من الساعة الخامسة صباحاً ويعاد تشغيلها في الحادية عشرة ظهراً .. وعند سؤالنا عنها علمنا بأنه عند الانتخابات الرئاسية والمحلية في 2006م أتى الحزب الحاكم بمولدين قوتهما (700) كيلووات وعملوا لاستقبالهما موكبا وطبولا وزغاريد اشتغل أحداهما والآخر كان عاطلاً . شبكة الكهرباء منذ عام 1985م ولها ضحايا كثر من المواطنين ماتوا لسقوط أسلاك الكهرباء بسبب الرياح.. أمل الأشد وطأة على الإنسان فهو عند السفر من الجزيرة فقد أخبرني أحد المعلمين هناك أنه انتظر أسبوعين وحجزه على اليمنية يؤجل بعد أن أكمل كافة أعماله لا يستطيع السفر ولم يسافر إلا بعد دفع قيمة تخزينة قات (3000) ريال لموظف اليمنية .

لقد رأيت بعيني الألم بمطار سقطرى، طابور طويل لأكثر من خمسين مواطنا أمام (الكونتر) بصالة الترحيلات الموظف الوحيد الذي يعامل الرحلة والطابور يسير بشكل بطيء وعندما وصلت الطائرة إلى مطار سقطرى تحولت الصالة إلى حالة طوارئ .. يرمي موظف اليمنية كل ما بيده من تذاكر ويترك المسافرين في هرج ومرج ويهرب إلى مكتب زجاجي داخل المطار ويغلق الباب وحراسة المطار من أفراد القوات المسلحة يتحولون إلى أداه لطرد كل من هو بداخل صالة الترحيلات إلى الخارج ومن يرفض الخروج يحمله ثلاثة جنود ويرمونه خارجاً وقد رأيت ثلاث حالات مشادة قوية بين أفراد القوات المسلحة ومواطنين كادت تنتهي بالحراك والسب والشتم. مواطن محق يحمل تذكرة و سفره مؤكد ويطرد مثل الكلب، إنها إهانات.. ابتزاز .. ظلم .. قهر للمواطن المسكين .. والبعض الآخر سماسره التذاكر تقف خلف الزجاج وتصدر الأصوات: يا صبحي.. ياجمال، وتكتب تذاكر جديدة وتسجل بكشف الترحيل وتخرج من خلف القضبان.. وفي النهاية تقلع الطائرة وبها ما يزيد على ثلاثين مقعداً خالياً بدون ركاب.

إنه الفساد .. عدم المحاسبة.

أصبح المواطن يعامل وكأنه حيوان يهان.. يطرد .. يظلم ويتحول الجنود إلى أداة لحماية الفاسدين .. استغربت لحراسة المطار لماذا القوات المسلحة ألا يوجد أمن بالجزيرة؟ أم أن المطار أصبح من المناطق الحدودية غير أنه لا يستقبل إلا رحلات اليمنية فقط من صنعاء وعدن والمكلا .

ماذا تتوقع من مجلس محلي بالمديرية لا يدافع عن قراره الذي لم ينفذ والخاص يمنع دخول القات إلى الجزيرة .. إنه الفشل! أيستحق هذا المجلس أن يحظى بثقة ناخبيه وهم اليوم تنتزع أبسط حقوقهم وهي حقهم في السفر؟ وليس هبة من الحكومة بل هم دافعون أجور نقلهم. هؤلاء مواطنون منهم المسافر للعلاج ومنهم لقضاياه الخاصة .. هل من العدل أن يعاملوا هكذا ؟ يا فخامة الرئيس إن أهالي الجزيرة آمالهم ليست طموحة فهم لا يطالبون إلا بما وعدتم به في مهرجانكم الانتخابي. الكهرباء في كل قرية وفي كل منزل. والاستاذ الرياضي ومزرعة 22 مايو النموذجية وحل مشكلة البطالة.. أما الفساد والظلم فقد أصبحا جزءاً من حياة الشعب اليمني.

*عضو المجلس المحلي لمحافظة حضرموت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى