«الأيام» تطوف ببلدة عبادل المقاطرة :بلدة حجير العبادل : صراع غير متكافئ مع الحرمان وثالوث الفقر والمرض والعطش (2-2)

> «الأيام» علي الجبولي:

>
أراض خصبة رغم قلتها
أراض خصبة رغم قلتها
يظل الترحال إلى مناطق وبلدات المقاطرة ممتعا ومثيرا رغم المشاق. لا تأتى الإثارة فقط من التضاريس الطبيعية الوعرة التي يكاد يتفرد بها المكان بل ومن صراع الإنسان غير المتكافئ مع قسوة الطبيعة والأوضاع المعيشية البائسة التي يسعى للانعتاق منها.

إلى جانب هذا وذاك ثمة مشاهد أخرى، إنها أيادي الفساد التي رسمت آثارها فغدت مشاهد جديدة وهموما تضاف إلى هموم أبناء تلك المناطق النائية وشبه المعزولة بالوعورة وغياب التنمية والخدمات .

في هذا الاستطلاع تطوف «الأيام» ببلدة جديدة من البلدات النائية بغرب المقاطرة إنها حجير العبادل، لتنقل من هناك مشاهد تتداخل في تكوينها جمال الطبيعة ووعورة المكان ومعاناة الإنسان ،وهاكم حصيلة ما رصدت:

العبدلي يحلم بوحدة صحية

في بلدة نائية وشبه معزولة بالتضاريس كحجير العبادل يعد توفر أبسط الخدمات حلما يراود الإنسان. العبادل تحدثوا عن متاعب الماء والتعليم والخوف من انهيار الطريق، عن الفقر والغلاء والتكاليف الإضافية لنقل المواد التموينية أو المرضى والمتطلبات الضرورية وشراء الماء، لكن أحاديثهم عن إسعاف مريض أو امرأة تعسر وضعها أو تطعيم طفل كانت أشد إيلاما. رووا بأنهم كانوا في الماضي وقبل إصلاح الطريق أو عند تخربها يحملون المريض أو المرأة التي تتعسر ولادتها فوق أربعة عيدان تشكل أشبه بجنازة يحملها أربعة أشخاص على أكتافهم لمسير يوم كامل إما شرقا نحو وادي معبق ، أو غربا نحو نقيل الصحا فمدينة التربة ، لكن اليوم يرون أن الطريق خففت من متاعبهم ، ولا يخفون خوفهم من انهيارها.

بقايا مدرجات
بقايا مدرجات
يقول الشيخ عبده حسان:«بعد شق الطريق أصبحنا نسعف المريض أو الولادة المتعسرة بالسيارة إلى طور الباحة خلال ساعة فقط أو إلى التربة على بعد ساعتين، ومن لا يستطيع تحمل إيجار سيارة ينقل مريضه فوق الحمار، وإذا أرادت حامل زيارة مركز أمومة أو تطعيم طفل إما أن تدفع خمسة آلاف ريال أجرة سيارة أو تحمل طفلها وتسافر به سيرا على الأقدام إلى المستوصف الصحي في منطقة الصحا لأكثر من عشر ساعات، أما إذا تخرب الطريق فتعود المعاناة كما كانت».

معزولون من أبسط الخدمات الصحية من تطعيم الأطفال، من رعاية الأم الحامل، من الفحوصات المخبرية رغم انتشار أمراض الحميات والأمراض المعوية. فإلى جانب الملاريا التي تخلف ضحايا كل عام يتحدث العبادل عن تزايد مخيف لحالات الإصابة بالسرطان في وادي حجير وقرية مجاورة لها تسمى (الشقات)، إذ يؤكدون أن عشر إصابات نساء ورجال توفيت خلال السنوات الخمس الماضية، وهناك عدد آخر من الإصابات لا يزال يصارع المرض وهو ما آثار الفزع والتكهنات التي تتطلب توضيحا وطمأنة من جهة طبية أو علمية عن سبب تزايد الإصابات بهذا المرض الخبيث.

15 عاما والتعليم لم يخرج من الصف السادس

تكاد المدرسة أن تكون الخدمة الوحيدة التي توفرت في المنطقة. يقول الشيخ حسان: «قبل 15عاما بنينا المدرسة بطريقة بدائية من ستة فصول ، ومن ذلك الحين والتعليم لا يتعدى الصف السادس . قبل عامين أضاف الصندوق الاجتماعي للتنمية ستة فصول مع إدارتها وملاحقها. يكمل التلاميذ الصف السادس فقط ، ثم يعودون لمساعدة أسرهم في الرعي والزراعة أو يذهبون للبحث عن عمل خارج المنطقة ، الذين يستطيعون السفر إلى المدن أو المناطق الأخرى لمواصلة دراستهم هم قلة ، ممن تمكنه ظروف أسرته. أما البنات من أكملت الصف السادس أغلقت أمامها جميع أبواب الدراسة».

مدرجات تتسلق الجبل
مدرجات تتسلق الجبل
زرنا مدرسة حجير العبادل، مبنى قديم متواضع وبجواره مبنى حديث كان ثمرة طيبة من ثمرات صندوق التنمية الاجتماعية في عدن. تكوين المدرسة سبعة معلمين ونحو 300 تلميذ وتلميذة أغلبهم من التلميذات. بحثنا عن معلومات وإحصائية عن المدرسة لكن موقفا غريبا اتخذه مدير المدرسة حينما تهرب منا ومن أي حديث عن المدرسة ، بحجة أنه لم يأخذ إذنا من إدارة التربية في المديرية وكأنه سيفشي أسرارا عسكرية وليس حديثا عن التلاميذ والتلميذات، ومدى توفر الكتاب والمعلم باعتباره المعلم الأوحد من أبناء المنطقة، وصل به الأمر إلى الاعتراض على أي حديث عن المدرسة، كأن ثمة سراً يريد إخفاءه، وإلى مقاطعة المجلس الذي شارك فيه مجتمعه المستفيد من التعليم.

ملامح بؤس ومعاناة

ثلاثة آلاف نسمة يعيشون في وادي حجير العبادل في ظروف معيشية شديدة القسوة: فقر وشحة المياه، غياب أبسط الخدمات الصحية، البؤس المرتسم على وجوه الناس مشاهد تدل على ضنك العيش. جل النشاطات الاقتصادية لسكان حجير العبادل تقليدية بدائية، يعتمد أغلبهم على أراض زراعية قليلة تتناثر على ضفتي الوادي ومدرجات زراعية استصلحها أجدادهم في بطون الجبال والشعاب تعتمد على الأمطار الموسمية القليلة، كثير من المدرجات والأراضي جرفتها السيول وعجزوا عن إعادة إصلاحها. إلى جانب الزراعة يمارسون رعي الماشية وتربية النحل، بعضهم هجر المنطقة إلى المدن والمناطق الأخرى فرارا من الفقر والعطش، أو بحثا عن فرصة عمل توفر لقمة عيش، الذين يعلمون في الوظيفة العامة عسكرية أو مدنية لا يزيدون عن خمسة موظفين نتيجة لحرمانهم من فرص التعليم وعدم استطاعتهم السفر للدراسة في مدن أخرى، اليوم هناك خريجو معاهد وثانوية تكبدوا مشقة السفر إلى المدن البعيدة ليحصلوا عليها لكن من تخرج لا يجد عملا كمن لم يتخرج. يضاف إلى هذا البؤس أن العبادل كما تحدث أهلها تواجه جفافا منذ سنين ألحق نقصا وأضرارا كبيرة بالماشية، فهي إما نفقت أو اضطروا إلى بيعها بأبخس الأثمان، كما تسبب بشحة المياه وحرمهم من غلة الأرض فاصبحوا يشترون القصب ( أعلاف الماشية) من مزارع تهامة والحوطة بسعر وتكاليف نقل باهظين.

عبدلي عائد من سوريا

من هذا الوادي المعزول خرج شاب ووصل إلى سوريا للدراسة في أحد معاهدها، الشاب محمد سعيد عبد الله أحد شباب البلدة ربما الوحيد الذي ابتسم له الحظ ليتميز عن غيره، احتضنه صدر عدن الحنون وأتاح له فرصة الدراسة في المعهد الفني بالمعلا ، أحرز الترتيب الثاني بين أوائل المعاهد في الجمهورية ثم ابتعث إلى سوريا وفي أحد معاهدها العليا تخرج بمؤهل دبلوم هندسة ميكانيكية.

تواضع البناء
تواضع البناء
خلال مرافقته لنا حدثنا محمد سعيد عن بعض من معاناة بلدته:«حجير العبادل لا تعرف مسئولا في السلطة ،حتى ممثل المنطقة في المجلس المحلي لا نعرفه فرض علينا من منطقة مجاورة ، بعدما انتخبناه ترك المنطقة ليعمل في محله بمدينة تعز. مسئولو الدولة نستطيع رؤيتهم فقط عندما يأتون إلى المنطقة في مواسم الانتخابات».

أحد شباب البلدة تحدث عن الظروف الصعبة التي أجبرته وكثيرين من أقرانه على الفرار منها إلى المدينة وعندما لم يجدوا عملا تقمصهم حلم الهجرة ، حاولوا التسلل غير القانوني إلى السعودية لكن أغلبهم قبض عليهم وسجنوا ثم رحلوا، أما محمد عبده ثابت أحد وجهاء المنطقة فيصف حرمانها بالقول:«حجير العبادل محرومة من المشاريع الخدمية ، الماء، الصحة، الطريق الصالح،التعليم، المسئولون لا يزورون المنطقة سوى في أيام الانتخابات لأخذ أصوات الناس وبعد الانتخابات لا يستطيع أحد رؤيتهم ، وإذا طلبنا من مسئول زيارة المنطقة يغضب.

نأمل أن تنقل «الأيام» معاناتنا إلى الجهات المعنية وأهل الخير لعل هناك من يتعاون بوحدة صحية للمنطقة، أبناء المنطقة فقراء جدا ،هناك مشروع ماء حفرت بئره قبل عدة سنوات وإدارة مياه الريف تشترط أن يوفر المواطنون مضخة ويدفعوا إسهامات المجتمع. لكن ظروفهم المعيشية البائسة جعلتهم غير قادرين على توفير المضخة ودفع الإسهامات فأعيق تنفيذ المشروع. ندعو المجلس المحلي أن يدفع الإسهامات نيابة عن المواطنين المعسرين».

وأضاف: «تضاريس المنطقة وما فيها من أراض زراعية وشحة المياه يتطلب إقامة حواجز مائية تساعد على الحفاظ على مياه الأمطار والسيول لتغذي المخزون وسقي الأرض بدلا من ذهاب السيول إلى البحر».

كان لابد من نقل متاعب العبادلة لوضعها أمام السلطة المحلية بمديرية المقاطرة لعل شيئا في أولوياتها للعبادلة، أو لديها إجابات. حملنا الهموم لاسيما شحة مياه الشرب، وحالة التعليم وغياب الرعاية الصحة، وطريق نقيل الصنون المهدد بالانهيار، لنضعها أمام الأخ عبد الرزاق عبد الله المجيدي مدير عام المديرية لاسيما أن الرجل زار المنطقة بعيد زيارتنا لها، وهي أول زيارة لمسؤول في السلطة المحلية للمنطقة. ولكن لم نوفق رغم الانتظار، فقد منع المدير العام بقوة السلاح من الوصول إلى عاصمة المديرية وممارسة علمه وأجبر على الاعتكاف في منزله حتى هذه اللحظة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى