محمية الحسوة.. نافذة عدن الطبيعية

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
البوابة الرئيسة للمحمية
البوابة الرئيسة للمحمية
حمايتنا للطبيعة ومصادرها هي أساس بقائنا وتطورنا، وتعد من ضروريات التنمية المستدامة، ولا يمكن أن تتحقق إلا من خلال المحافظة على النظم البيئية القائمة.

وفكرة تأسيس المحميات هي جزء من الحل، بغية خلق استمرارية التوازن البيئي والطبيعي دون تعريض المنطقة لأي تدخل، وجعلها مكاناً لإجراء البحوث ومطرحا للاستجمام، واختيار منطقة الحسوة محمية طبيعية بيئية مفتوحة في عدن ليس مسألة سهلة، ففي الماضي كانت مجرد أراض بسيطة تستخدم لصناعة ملح الطعام، وهي الآن تتفاوت أنواع التربة فيها، وأصبحت جزءا من الأرض الرطبة في عدن، وذلك لاعتمادها وتغذيتها على المياه العادمة والمعالجة، وهو ما جعلها سببا كافيا لإدراجها في قائمة المحميات البيئية.

مدخل المحمية
مدخل المحمية
محمية الحسوة الطبيعية تتبع وزارة المياه والبيئة، وجهتها الداعمة والمشرفة عليها هي الإدارة المستدامة ومجلس حماية البيئة بالمحافظة، ومنظمة (UNDP) التابعة للأمم المتحدة، وتقع المحمية في منطقة الحسوة، وسميت باسمها، تقابلها منطقة (أبو حربة) بمدينة الشعب التابعة إداريا لمديرية البريقة بمحافظة عدن.

وتمتد مساحتها 184 هكتارا، منها 30 هكتارا أحواض مائية خاصة بمعالجة المياه العادمة، وتتميز بقربها من البحر.

عملية استخراج عصارة (الطاري) من نخيل البهش
عملية استخراج عصارة (الطاري) من نخيل البهش
قمت بزيارة المحمية بصحبة صديقي العزيز جلال شاجع العتيقي، فلم يكن الطريق بعيداً للوصول إليها، ونحن نسابق شروق الشمس لننظر ونستمتع بجمال المحمية التي يرسمها ضوء الشمس بأشعتها الذهبية على امتداد أبصارنا.

وعند وصولنا لفت نظرنا وجود مواقف للسيارات التي أنشئت لأجلها، وتوقفنا عند بوابتها لنقرأ لافتة إرشادية كتب عليها : «يمنع التعرض للنباتات والحيوانات بالأذى، وعدم رمي المخلفات وبقايا السجائر في أنحاء المحمية من الحرائق، ويمنع أيضا إدخال الشيشة (الأرجيلة) و اللعب بالكرة».

قطاع للمنتجات الحرفية المصنوعة من سعف النخيل
قطاع للمنتجات الحرفية المصنوعة من سعف النخيل
خلال جولتنا لسبر أغوار المحمية التقطنا صورا من جميع جهاتها وزواياها المختلفة التي احتوت على مساحات خضراء، بدت كأنها بساط أخضر، محاطة بالورد وأغصان الشجر، ساعدتها الطبيعة على انتشار العديد من النباتات النادرة ذات الأهمية البيئية والحيوية، وشاهدنا ملاعب للأطفال مصنوعة من جذوع النخيل، وفيها مكان مخصص للمنتجات الحرفية ذات الموروث الشعبي المصنوعة من أشجار المحمية، أيضا برجها المشيد لمشاهدة ومراقبة الطيور، التابع لمركز التوعية بالمحمية.

ملاعب للأطفال المصنوعة من جذوع النخيل
ملاعب للأطفال المصنوعة من جذوع النخيل
وأثناء تجوالنا تعرفنا على نائب رئيس جمعية محمية الحسوة البيئية التنموية، وهو القائم على شؤون المحمية الشيخ هاشم سالم علي، الذي حدثنا عن المحمية مشكورا، وشرح لنا عملية استخراج عصارة (الطاري) من نخيل (البهش) يستفاد منه في علاج بعض الأمراض، ويحتفظ الطاري لمدة 40 يوما ليصبح بعدها (خلاً)، وهناك شاهدنا مشتلاً لإكثار النباتات.

موقع تكاثر الطيور المهاجرة في المسطحات المائية
موقع تكاثر الطيور المهاجرة في المسطحات المائية
وتعتبر المحمية موئلاً طبيعياً للعديد من الكائنات الحية، كالطيور المهاجرة والمستوطنة في المسطحات المائية، وتشير الدراسات إلى أن المحمية يتوافر فيها أكبر غطاء نباتي ملحي مقارنة بالمناطق الأخرى.

فما رأيناه من مشاهد طبيعية لم تمسها اليد البشرية لتشويه بيئتها، تلك الرؤية الجمالية كنا قد افتقدناها من ذاكرتنا مع تلك الضوضاء اليومية التي نعيشها، والتي محت من مخيلتنا كل ما قد يكون له علاقة بنقاء الهواء ونضارة الطبيعة، بعيداً عن تعقيدات الحياة في زمننا الراهن.

استراحة للزوار
استراحة للزوار
ويغطي المحمية قطاعان رئيسان، منها قطاع المراعي الذي يستفاد منه كمراع لـ(الأبقار والأغنام والجمال). ويشكل هذا القطاع منطقة خاصة للبحث العلمي، وتنتشر فيها النباتات الرعوية المهمة، وأنواع الحشائش، والحشرات، أما قطاع النخيل المسمى بـ (نخيل البهش) فيستفاد منه في صناعة الخل، وتستخدم أشجاره في الصناعات الحرفية ذات الموروث التقليدي الشعبي، ومعالجة بعض الأمراض، وتوجد فيها أشجار كـ( المسكيت والعصل )..وتستقبل المحمية حاليا 12 ألف متر مكعب من المياه المعالجة، وتتوافد إليها مابين 180 - 200 نوع من الطيور بشكل يومي منها الجوارح المستوطنة والمهاجرة والمعرضة لخطر الانقراض.

قطاع المراعي
قطاع المراعي
ويستطيع زائرها أن يسترق النظر بالمنظار من على برجها المشيد خصيصاً لمراقبة الطيور وهي تتخذ من موقعها ملاذا آمنا للغذاء والراحة والتكاثر، وليرى من خلاله لوحة شاسعة مغطاة بالأعشاب والشجيرات، أشبه ما تكون بقطعة من الفردوس تجذب ناظريها بجمالية روضتها.

لم تنته رحلتنا الممتعة فعدنا إليها بعد العصر في اليوم نفسه لالتقاط صور بديعة تزامناً مع انحسار الشمس، فالذي يزورها يأتيها لزيارة قصيرة يمكث فيها ساعات قليلة جميلة تمنحه الرغبة في البقاء، ليقضي مستمتعا بوقته واستكشافاً لروعتها، متأملاً السماء بتحنن لتشهقه بعشق الرومانسية، لتنسيه همومه، بعيدا عن الضوضاء والتلوث والازدحام وروتين الحياة، ولتأخذه إلى عالم آخر من السكون والهدوء، لتلازمه في حينها متعة الإنصات لزقزقة العصافير وتغريدها البديع في رحاب الفضاء الفسيح، بجو شاعري ممتع يجعلنا نقضي وقتا جميلا وشائقا وسط هذه اللوحة الفنية البديعة التي هي من صنع الخالق عز وجل، وتمثل مظهرا من مظاهر إعجازه العظيم.

برج لمراقبة الطيور
برج لمراقبة الطيور
وفي الأخير لا يسعني إلا أن أوجه تحية تقدير وإعجاب للجهات التي ساهمت بأدوار كبيرة في إبراز المحمية وإظهارها والاهتمام بها، كما أدعو وسائل الإعلام إلى أن تلعب دورا فعالا في نشر ثقافة الوعي البيئي بين أوساط الناس، وكذلك تعميم مفردات التعليم البيئي في مناهجنا لترسيخ مبدأ الحفاظ على البيئة والتعامل معها بوعي ضمانا لاستدامتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى