العلقمة .. تتمنى استبدال مرارة العلقم بأطباق الحلوى المرجوة !!

> «الأيام» محمد العزعزي:

>
مفتتح: تجذر الحنظل في العلقمة بالشمايتين محافظة تعز فلم تجد من ينهض بها، فهذه العزلة منفية في الأرض الخراب.. يعيش أهلها بلا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات ومدارس بلا أثاث وعجز في المعلمين والجهل يحاصر أهلها الطيبين والمرض يفتك بهم فمن لهم ؟!

في زمن التشطير كان الفرد يرعب دولة أما اليوم فيتجرعون القهر والنفي الإجباري ويشربون من حفر الملح ويرحلون بين الشتاء والصيف خلف الإبل بحثا عن لقمة عيش كريمة.. على هذه الأرض نبت الصالحون، واليوم يعيش أهلها عصر ما قبل الأنبياء!.. من أطفأ البسمة في عيون أهلها؟ ومن وزع المعلمين من مدارس أطفالها وتعمد أن يتركها خرائب؟.. فمن يكشف تلك الأيادي الآثمة التي عبثت بساحات العلم وزرعت الشوك في طريقهم؟.. كان الأجدر بالسلطات أن تمدهم بكتاب وحبة (أسبرين).. الوجوه الكالحة لفحتها الشمس وامتلأ الأفق بؤسا وتعاسة فمس رغيف الخبز ويغمسونه بإدام الدمع حتى لفهم الحرمان ممزوجاً بطعم المر المتأصل في تسمية بلادهم.. لقد نال منهم الضر والكفاف فالأرض تنبت الأشواك في طرق الترحال ولم يرحمهم أحد فمايزالون يحملون مرضاهم فوق الأكتاف بجيوب خالية من المال، ومن دمائهم يصعد الشهداء.. ولم تصل التنمية والحداثة إليهم فالأسفار تمنحهم العذاب في الجبال القاسية فبأي آلاء الطبيعة يمزقون؟ ويدمدم الندم في ساحاتهم فتباً لهذا المنفى المسلط كالسيف على رقابهم.. فهل آن الأوان أن ينظر إليهم ويعادلهم الأمل ويمنحهم الأمان؟!

سبب التسمية:

سميت العلقمة نسبة إلى جدهم علقمة الذي قدم من بلاد الرافدين وسكن منطقة بعيدة عن التجمعات الحضرية فاستقر بها.. وفي الصحاح ورد ذكر العلقمة بمعنى العلقم أي شجر الحنظل والقطعة منه علقمة وكل مر علقم، وقال الأزهري:«هو شحم الحنظل ولذلك يقال كل شيء فيه مرارة شديدة كأنه العلقم وطعامه العلقم»، وقال بن دريد:«العلقمة اختلاط الماء وخثورته»، وقال الجوهري:«العلقم شجر مر»، وقال الأعشى:

نهار شراحيل ابن طود يريبني

وليل أبي ليلى أمر وأعلق

وقالت امرأة من العرب:«صغراها مراها والأمران الفقر الهرم».

أشهر القرى:

تتناثر في هذه العزلة قرى بعيدة عن بعضها البعض ولها مدلولات تاريخية وأهمها: الخبل الشامي والخبل اليماني وقرى وادي تب الأعلى والأوسط وقرى وادي تب الجبل وقرية شريرة السفلى والشريرة العليا وقرية الخليج قرب راسن وقبيلة المزحاجة.. وينقسم الخبل إلى شامي نسبة إلى جهة الشمال واليماني نسبة جهة الجنوب.. وتقول العرب (جنوب وشمال) أي الشام واليمن .. معنى «تب» الخسران والهلاك وتقول العرب تبت يداه أي هلكت يداه (العين). وتب الرجل إذا شاخ وكنت شابا فصرت تابا واستتب الطريق ذل وانقاد (الصحاح) ..قرية الدمدم: تعني روابي سهلة من الأرض ودمدم الله عليهم أي أهلكهم (جمهرة اللغة) ودمدم أي أرجف وغضب والدمدمة الأرض الواسعة.

التضاريس :

سلاسل جبلية تحيط بالعزلة من كل الاتجاهات جبل جرداد وجبال الوازعية وجبال راسن وبني محمد البذيجة وجبال الأحيوق. قال سالم أحمد علي : تقع العلقمة بين الجبال العالية والأودية العميقة وأكبرها وادي الخبل ورافده ووادي تب وتلتقي الوديان بوادي تب الذي ينتهي بالمجزاع جنوبا وتنتشر المدرجات الجبلية ذات التربة الخصبة .

السكان :

قال الشيخ سلطان المحمدي: يبلغ عدد السكان نحو (8000) نسمة أغلبهم من المهاجرين، وقال فؤاد محمد سالم: يعتمد العلقميون على حياة الرعي والترحال.. وهناك نوع من الاستقرار لسكان القرى المزارعين وهناك البدو الرحل وتوجد حرف يدوية بسيطة.

الزراعة :

قال أحمد علي إبراهيم (مسن) : تعتمد الزراعة على الأمطار وهي لا تكفي حاجة الغذاء ويعتمد الغالبية على شراء القمح المستورد يصل إيجار الكيس الواحد إلى ألف ريال بالسيارة ثم ينقل مرة أخرى بالحمير والجمال وعلى رؤوس النساء إلى المنازل في الأماكن الوعرة .

أهم المزروعات :

أنواع الحبوب الغذائية والفواكه كالمانجو والنخيل وتنتشر حرفة رعي الإبل لمسافات طويلة بحثاً عن الماء والكلأ، وتربية النحل التي تعتمد على الترحال بحثاً عن مراع جيدة كما تنتشر تربية الأبقار ورعي الأغنام والماعز وأنواع الدواجن .

التعليم:

مازالت العزلة بعيدة عن عصر العلم وتوجد خمس مدارس للتعليم الأساسي طاردة للتلاميذ لعوامل الفقر وانعدام الكادر التربوي والكتاب المدرسي والوسائل التعليمية، وقال فهد محمد: «تباع الكتب بالتجزئة وبلغ سعر الواحد 300 ريال»، وبازدياد الفقر يتسرب الطلبة إلى العمل لمساعدة الأسر المعدمة وأهم المدارس هي : مدرسة الأنوار بشريرة وبها فصول دراسية إلى الخامس ومدرسة الخير بالدمدم إلى الصف التاسع ، وقد كانت ثانوية فأغلقت الصفوف الثانوية بسبب نقل المعلمين وتفريغ المدرسة من معلمي مواد التخصص مما اضطر الطلبة إلى السفر فجراً إلى مدارس العزل المجاورة ثم العودة مساء أو الانقطاع عن الدراسة خاصة الإناث وحرمانهن من التعليم، ومدرسة التقوى بالخبل إلى الصف التاسع والنور بالمزحاجة إلى الصف الخامس والإحسان إلى الصف السادس، وسبب نقل المعلمين لاعتبارات غير تربوية أدى إلى تردي التعليم وانعكس سلباً على المتعلمين وأثر في إقبال الطالبات على التعليم .

ضنك الامتحان :

مصدر مسؤول قال : «من المتوقع أن يتقدم لامتحان هذا العام 2008م 24 طالباً وطالبة واحدة ولايوجد بالعزلة مركز امتحاني ، ويذهب الطلبة إلى عزل مجاورة في راسن والكويرة برحلة ضنك يومية ترهق الطالب فمن يحل هذه الإشكالية ؟!».

الصحة:

غابت فترعرعت الأمراض ويلجأ الناس للتداوي بالأعشاب والكي بالنار، فالعزلة لا يوجد بها أدنى مستويات الرعاية الصحية وتنعدم الوحدات الصحية العاملة للإسعافات الأولية والتمريض والولادة، قال المواطن محمد سالم : «إذا مرض مواطن نسعفه إلى تعز أما الحالات البسيطة فيتم إسعافها إلى الظريفة البعيدة عن العلقمة والبعض يسعفون إلى البرح بتعز أو إلى مستوصف الشقيرة في المشاولة العليا، ويتكبد المواطنون خسائر فادحة، كما تنتشر أمراض الحميات والملاريا والتيفوئيد والأمراض المزمنة والأمراض الوبائية وداء الكلب والكلى».

المياه:

بعتمد الأهالي على المياه السطحية وتخزين مياه الأمطار في البرك والسقايات كما تجري غيول قصيرة تستغل للشرب وتحمل النساء الماء على الرؤوس وعلى ظهور الحمير وقبل ثلاث سنوات حفرت الدولة بئراً وكانت دعاية انتخابية لم يتم الاستفادة منها حتى الآن، كما بنت خزانا وإلى الآن لاتوجد شبكة أنابيب إلى القرى ومعظم مياه الشرب مكشوفة وملوثة لاتصلح للاستخدام الآدمي ومنها تكثر الأمراض وينتشر البعوض المسبب «الحميات».

الكهرباء :

لا توجد، ووصلت الأعمدة إلى الظريفة ولايوجد تيار ومازال الناس يعتمدون على الإضاءة بالفوانيس و«القماقم».

المواصلات :

قال فؤاد محمد سالم : «تعاني العزلة صعوبة بالغة في الطرق والمواصلات ولا توجد اتصالات ومازال الأهالي محافظين على حياة البداوة ومعزولين عن العالم وهناك طرق وعرة وبدائية شقها الأهالي زمن التعاونيات فترة الرئيس الحمدي إلى البوكرة ويدفع الراكب 1500 ريال وفي حالات المرض يضطر المواطن إلى استئجار سيارة (إنجيز) بمبلغ 15 ألف ريال إلى تعز وإلى التربة 30 ألف ريال ذهابا وإيابا، ويعتمد السكان على الجمال والحمير في الحال والترحال في مواصلاتهم إلى المناطق المجاورة ذات المسالك والدروب الوعرة محفوفة بالمخاطر».

وقال محمد سالم : «لانعرف ام تلفزيون وام ستلايت وام عرططة».

«الأيام» التقت بالمعمر أحمد علي إبراهيم (90 عاما) فقال: «لم تصل ام نورة إلى بلادنا ولا عرفنا خيرها وأنا وحدوي من قبل أيام ام وحدة وكنت أذهب إلى الجنوب أيام ام سلاطين والاستعمار بعدها قامت ام جمهورية بعد كفاح جبهة ام تحرير والجبهة القومية وكنت أنزل إلى ام مضاربة ولا أحد يكلمنا وقبيلة ام علقمة عرفت ام وحدة قبل قيامها من زمان..كنت أمشي يومين بلياليهما واليوم ما أقدر أمشي، زاد ام تعب وام فقر وام جوع».

إجمال القول :

إن هؤلاء الناس بحاجة إلى وحدات صحية مجهزة بمختبرات والأدوية والكوادر المؤهلة للتخلص من الحميات والأمراض المزمنة، وتوفير المعلمين وإعادة فتح المدارس الثانوية التي أغلقت، وإدخال الوسائل الحديثة وحفر الآبار ومد شبكة أنابيب المياه إلى المنازل وشق الطرق وربط شبكة الإنارة وسرعة معالجة هذه الإشكاليات بإيجاد الخدمات المختلفة لتدخل المنطقة وأبناؤها حيز التحضر أسوة بشقيقاتها التي تحظى بأقل القليل من الخدمات، ويتوجب على الدولة والسلطات المحلية النزول الميداني المكثف لإنقاذ هذه المنطقة من الحرمان والعزلة وتوفير وسائل الاستقرار بالتنمية حتى يستبدل العلقم بقليل من الحلوى على شفاه البؤساء والمرضى والمحرومين من أبناء شعبنا القابع في عزلة منعزلة تحجبهم عن رؤية بصيص من نور، وإلى هؤلاء نتوجه بالتحية. وناشد الأهالي محافظ تعز ومحلي الشمايتين وضع الحلول العاجلة وتوفير الضروريات والمستلزمات الحياتية لأبناء العلقمة كونها استحقاقاً لابد منه، وفرضاً واجباً يمكن الجميع من مساعدة المحرومين منها ردحاً من الزمن للخروج من نفق المعاناة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى