بئر علي.. فيروزة الساحل الشرقي.. جزر نائمة في أحضان البحر وبحيرة مطمورة لم تطـأها قدم الإنسان

> «الأيام» ناصر سالمين التميمي :

>
بئر علي، أو كما كانت تعرف قديما بميناء قنا قرية ساحلية صغيرة، لكنها غنية بتراثها وتاريخها الضارب بجذوره في أعماق التاريخ الغابر، وتتبع مديرية رضوم بمحافظة شبوة من الناحية الإدارية، ويسكنها خليط من البشر البسطاء معتمدون في رزقهم على مهنة الصيد التي ارتبطوا بها منذ القدم لإعالة أسرهم، إن بقى بقوا وإن ذهب ذهبوا، وتشتهر بئر علي بكثرة الأسماك ما جعلها تتمتع بميزة اقتصادية لا مثيل لها، وتكتنز العديد من المواقع التاريخية والسياحية التي تسحرك بجمالها الباهر للقلوب، ويأتي في مقدمتها حصن الغراب، وبحيرة شوران، وجزر الحلانية وسخة وغضرين الكبرى والصغرى والبراقة.

فيروزة الساحل الشرقي:

قبل أن تصل الشمس إلى كبد السماء، كانت أقدامنا قد وطأت تراب منطقة بئر علي درة محافظة شبوة وثغرها الباسم، وغصنا بأبصارنا في أعماق شوارعها وحواريها المعانقة لأمواج البحر، شاخصين بأبصارنا إلى البحر لتكتحل أعيننا العطشى بجزرها النائمة في أحضان البحر كطفل لجأ إلى حضن أمه هربا من أي مكروه، عندها امتطينا قاربا وأبحرنا إلى جزيرة الحلانية لنسلم عليها وتفتح لنا حضنها الدافئ، وتمد إلينا أذرعها الرملية المخضبة بنقش الحناء الحضرمية، وتنسمنا هوائها العذب النابع من شواطئها وشعابها الآسرة، وتصافح طيورها البحرية التي استقبلتنا بكل حفاوة وترحاب، فاتحة لنا أبواب الجزيرة على مصراعيها لنجني منها ما نشاء من رونقها الخلاب الذي تحدثت عنه القلوب قبل أن تراه العيون. وتعد جزيرة الحلانية أكبر الجزر المحيطة ببئر علي، وأقربها للساحل وأكثرها شهرة وجمالا وغناء بالطيور البحرية المهاجرة، ناهيك عن بعض الأشجار القريبة والشعاب الفسيحة التي تحكي عن قصص الأزمنة الغابرة، والمؤهلة للاستثمار السياحي.

حصن الغراب

ينتصب حصن الغراب غرب بئر علي على بعد ثلاثة كيلو مترات تقريبا، شامخا، صامدا صمود الأبطال في ساحات الوغى تلتف حوله الجزر النائمة في أحضان البحر كحبات لؤلؤ، وضعت على طبق من حرير بهدوء، ويحكي عن حقب تاريخية لا تزال أطلالها باقية إلى اليوم من مبان ونقوش ومخازن للحبوب، شاهدة على كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها الدول اليمنية القديمة ذات العمق التاريخي الذي يجسد قوة وأصالة الإنسان اليمني عبر مراحل التاريخي القديم والمعاصر.

ويعد حصن الغراب من أمنع الحصون وأصعبها مرتقى وأغزرها صيتا، وأكثرها شهرة لتعدد ما يدور حوله من أحداث تاريخية تحكي عن الحقب السحيقة لاتزال حتى اليوم في عالم النسيان وطي الكتمان بحاجة إلى من يزيح عن وجهها النقاب.

شوران بحيرة لم تطأها قدم الإنسان

قبل أن نختتم جولتنا في بئر علي قررنا الصعود إلى أعلى جبل شوران للتفكر والتمتع بمناظر بحيرة شوران التي حاكتها أيادي الخالق، رغم علمنا بخطورة الطريق المؤدية إلى رأس الجبل، وسماعنا الكثير من الخرافات والأساطير التي تحكي عن هذه البحيرة، إلا أننا عزمنا على تسلق الجبل حبا في التفكر في جمال البحيرة الأخاذ، غير آبهين بخطورة المكان ووعورة الطريق.

وبدأنا نصعد إلى الأعلى رويدا رويدا في طريق ملتو ووعر شديد الانحدار، كأننا ثعبان حاول أن يتسلق إلى شجرة في يوم عاصف، تارة يلتف وتارة يتمدد.. وحال وصولنا إلى قمة الجبل بعد أن أنهكنا التعب، وأصيب مرافقي بالإعياء أثناء محاولتنا الصعود إلى القمة بدت أمامنا البحيرة ذات المياه الزرقاء، كأنها فتاة عذراء جميلة في عنفوان الشباب، لفت على خصرها قلادة ذهبية لا يمل أحد من النظر إليها.

وقد كتبت في مقال قديم عن هذه البحيرة في صحيفة (الفرسان) بتاريخ 6/ 9/2004م العدد (71) تحت عنوان: (بحيرة شوران.. كنز مطمور)وهناك وجدت نفسي مضطرا لإعادة المقال بكامله لعل وعسى أن تعمل الجهات ذات الاختصاص على كشف خفايا هذه البحيرة وإزاحة الغموض عنها، ومما جاء في المقال:«تقع بحيرة شوران على حافة بحر العرب، شرق منطقة بئر علي بمحافظة شبوة، وهي عبارة عن جبل بركاني على شكل دائري، تتوسطه بحيرة، وتأتي إليها المياه من البحر عبر أخدود في باطن الأرض.

ولايزال الغموض والجدل يدور حول حقيقة هذا التكوين الإلهي، فقد ذهب البعض إلى أنه شق بإرادة الإنسان، منذ زمن بعيد، والبعض الآخر يظن أنه فتح بفعل عوامل التعرية، وعندما تحدث عملية المد تزداد نسبة المياه فيها، وفي حالة الجزر تقل شيئا فشيئا. وتوجد على حافة هذه البحيرة أنواع عديدة من الأشجار النادرة والغريبة في شكلها، ويروي الزائرون حكايات وحكايات أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة.

عند اقترابك من جبل شوران يتراءى لك أن مهمة الصعود إلى رأس هذا الجبل ستكون سهلة، ولكن تتفاجأ بما لم يكن في الحسبان من وعورة الطريق، وعندما تبدأ بالصعود تصاب بالإعياء والدوران والخوف من الانزلاق، وإذا رميت بحجر إلى مياه البحيرة، فإنها لا تصل إليها مهما كان حجم الحجر، وهذا بحد ذاته يعتبر معجزة في زمن قلت فيه المعجزات.

هذه البحيرة لاتزال مطمورة، وتروى حولها الأساطير والخرافات، وتعد هذه من أهم الأماكن السياحية في بلادنا التي يحرص السياح على زيارتها للتفكر بجمالها والتمتع بمنظرها الخلاب الذي حاكته الطبيعة من خيوط السحر والجمال.وتخفي هذه البحيرة في بطنها الكثير والكثير من الأسرار التي لم يتم الكشف عنها وحتى وقتنا الحاضر، لذا وجب على الجهات ذات الاختصاص، لاسيما وزارة السياحة والبيئة أن توجد عنايتها إلى هذه البحيرة التي أذهلت عقول الناس».

فمن لم يصدق ما قلناه عليه أن يحزم أمتعته، ويذهب لزيارة هذا المكان الساحر، والطبيعة الآسرة التي قلما تجدلها مثيل في أي بقعة من بقاع العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى