معاً لإعلان عدن محمية تاريخية ..مجمع جبل حديد التاريخي.. من يجرؤ على البيع ؟

> «الأيام» م. إبراهيم أحمد سعيد

>
يقول المثل القديم: «عش ترى العجب»، ونحن في أيامنا هذه نقول: «عش ترى أعجب العجب»، وبدون مقدمات وبعد تصريحات رأس السلطة في المحافظة بأنه لم يبق من عدن سوى البحر ومعسكر طارق- الذي سيتحول إلى حديقة عامة على مساحة 33 هكتارا- وبحسب تصريحات لأحد المسؤولين في العام 2005 بأن «عدن صرفت دفتريا بالكامل».

وعليه يصح تذكر المثل العدني القائل: «إذا أفلس البنيان فتش دفاتره»، ولأن دفاتر السلطة ومصلحة المساحة العسكرية والمدنية لم يعد فيها مايشير إلى وجود موطئ قدم في عدن الوحدوية، ولأن موضة الاستثمار والتنمية إعلاميا على أشدها، فقد صرح رأس السلطة في المحافظة أيضا بأن مساحات جبل حديد ستخصص للاستثمار، وستقام فيها أبراج، وهي العقدة نفسها لدى بعض الإخوة في المنطقة الحرة بعدن، ويأتي هذا التصريح في الوقت واليوم الذي كان فيه رهط من المتخصصين والأكاديميين يناقشون موضوع التعدي على منشآت جبل صيرة التاريخية، وفي الوقت الذي تجاوز فيه التعدي على التكوين الجبلي الكائن أسفل مدرسة أبناء السلاطين الواقعة على إحدى هضاب جبل حديد من الجهة الغربية المطلة على الدكة العسكرية والتي صرفت لأغراض الاستثمار كما علمنا، أو أنها في طريقها للصرف وهي في حوزة أحد النافذين الآن.

ولاتأتي هذه التصريحات من فراغ فقد سبق أن صرح رئيس الوزراء الأسبق بأن المخازن التي كانت تستخدم لخزن السلاح سوف تستخدم كمخازن تبريد وستكون في خدمة الاستثمار والتنمية.. وقبل أشهر قليلة كان هناك تفكير جدي باستخدام جزء من ساحات جبل حديد كموقع ارتباط لنقل القمامة في قاطرات كبيرة بعد تجميعها من الأحياء بواسطة الشاحنات الصغيرة، وقد غاب عن كل هؤلاء أو تناسوا أن هذه الموقع وسلسلة الجبال المحيطة به من ناحية مدينة عدن القيمة (كريتر) هو عبارة عن مجمع يضم العشرات من المعالم والآثار وحكايات وأساطير التاريخ البعيد والقريب..

وهكذا يستمر تجاهل واستغفال الرأي العام، وعدم الأخذ برأي أبناء المدينة والمتخصصين في تخريجات، ظاهرها الدفع بعملية الاستثمار والتنمية، وباطنها استمرار مسلس هدم وتشويه المعالم والآثار التي تحكي حكايات الإنسان في عدن وتاريخ من مروا من هنا .

لماذا كل هذا الضجيج بشأن مجمع جبل حديد التاريخي ؟

أطلقنا عليه تسمية مجمع لضخامته ولكونه يضم عددا كبيرا ومتنوعا من التحصينات والقلاع والأسوار وخزانات المياه وخنادق ومنشآت دفاعية قديمة وحديثة ونقاط مراقبة وحراسة، بالإضافة إلى أشهر نفق للمشاة والمعروف بباب عدن البري (البغدة)، والتي يقال إنها حرفت في عهد عاد بن شداد، وقصر قديم يعرف باسم (مدرسة أبناء السلاطين) والتي يقدر عمرها بنحو مائتي عام، ولعل أبرز وأضخم تلك التحصينات مايعرف بـ(الدرب العربي) الذي سمي لاحقا بـ(الدرب التركي) في منطقة البرزخ الكبير والبرزخ الصغير الذي يقع خلف سينما (ريجل) وحتى خلف محطة العاقل بمنطقة خورمكسر، والخندق الذي يقع أمامها. وجميع هذه المنشآت تنطبق عليها صفة الأثري والتاريخي، حيث تتراوح أعمارها بين مايزيد عن ألف عام -كما هو الحال في (البغدة)- وحتى مائتي عام -كما هو الحال بالنسبة لـ(مدرسة أبناء السلاطين)-، وقد حدث فيها الكثير من التغيير والتطوير لأغراض تعزيز وظيفتها الدفاعية كما فعلت كل الدويلات والدول التي مرت في هذا البلد .

وتشكل المساحات المفتوحة التي تمتد أمام الدرب العربي (التركي) حرما كان يؤدي دور وظيفي في مواجهة الهجمات البرية على مدينة عدن في الزمن القديم، وهو امتداد طبيعي للسبخات والمناطق الضحلة التي كانت تغمر مناطق خور المكسر كما تسمى تاريخيا (خور مكسر حاليا)، وحتى فترة قريبة مضت كانت خالية من آية منشآت، حيث بدأ ظهور أحد الأسوار بالقرب من محطة العاقل (البرزخ الصغير) وتلاها توسعة محطة الكهرباء والمحطة الإسعافية.. وقد دشن العمل بمشروع مبنى مؤسسة المياه والصرف الصحي (أربعة أدوار) ناهيك عن توسعة الطريق، وهو عمل تشكر عليه السلطة المحلية والمركزية.

إن الغرض من ذكر هذه الوقائع هو لفت الانتباه إلى أن التفكير باستغلال المساحات في هذا الموقع يعرض المنشآت التاريخية للضياع، ويصيبها بمزيد من الإهمال، حيث تعرضت أجزاء من الدرب التركي للانهيار بالفعل بسبب أعمال توسعة الطريق، وبسبب التجريف الذي تم مؤخرا لصالح مبنى مؤسسة المياه.كما أن هذه الأعمال ستؤدي إلى حجب الرؤية للمارين من تلك الطريق، حيث سترتفع المباني بأشكالها غير المتوافقة مع محيطها الطبيعي المتمثلة في الجبال البركانية والقلاع والتحصينات التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم.. ناهيك عن تغييب الدرب العربي (التركي) عن النظر تماما. وإذا غضضنا الطرف عن كون هذه المشاريع هي مشاريع للمصلحة العامة ومنشآت عامة، فإنه لايجوز أن تقام على حساب موقع أثري هو في حد ذاته قيمة تنموية واقتصادية.

إن الدعوات والتصريحات المتواترة للتصرف بالمساحات الداخلية بدعاوى الاستثمار وغيره هي دعوات كارثية، لاتقل عن كارثة التفكير في شق الطرقات بعد إسقاطها ضمن وحدات جوار ستأتي على أجزاء كبيرة من الخندق والدرب العربي (التركي) للربط بين مدينتي المعلا وخور مكسر .

من المسؤول ؟

لا نلبث أن نسترد أنفاسنا ونتنفس الصعداء بعد جولات وصولات للدفاع عن موقع تاريخي أو أثري أو بيئي حتى تفتح لنا السلطة المحلية بابا جديدا أكثر مأساوية وغرابة، ولا يسلم المدافعون عن تاريخ المدينة ومقوماتها الطبيعية من العبث من وصفهم بأنهم مشاغبون، وأنهم يعيقون التنمية، وضد الاستثمار والحراك التنموي في المحافظة.

وللتذكير بعدد القضايا التي حاولنا جهدنا لوقفها، وليس آخرها إعادة ترميم الطريق المؤدية لقلعة صيرة التاريخية، فمايزال العمل مستمرا، بالرغم من كل النداءات التي رفعت للمطالبة للعودة للحق واستجلاب فريق متخصص بترميم الآثار للتعامل مع آثار صيرة، التي لاتشكل قلعتها البارزة إلا جزءا يسيرا من مجمع استحكامات ومنشآت دفاعية متكاملة، تعرضت وتتعرض للتخريب اليومي المتعمد، وماتزال تحصينات باب عدن (العقبة) تتعرض هي الأخرى للتخريب بفعل الاهتزازات الناتجة عن عمليات التفجير لاستخراج الأحجار من جبل العر (شمسان)، وهي عمليات غير طبيعية تجاوزت كل المعايير والأسس في منطقة الخساف (علما أن هناك قرارات عديدة لرفع المحاجر والكسارات من المدن.. فهل ننتظر أن تقع كارثة حتى نقتنع بذلك؟!).

وهناك من شرع في حفر نفق في المنحدرات المواجهة لمكتب المحافظة بهدف شق طريق يؤدي إلى منطقة الكسارات بالخساف ومن ثم إلى هضبة شمسان، وذلك لتنفيذ مشروع هضبة شمسان التجاري السكني الذي سيستوعب أكثر من مائة ألف نسمة، وهو إصرار على تنفيذ مشروع أبدت كل الجهات الرسمية في المحافظة اعتراضها عليه، ولأسباب منطقية جدا، وهو الرفض لوثيقة المخطط التوجيهي لمحافظة عدن الذي يحدد المنطقة المذكورة بأنها منتزه وطني، لما تحويه من آثار وسدود ضخمة، ثم إزالة صفة التاريخية عنها بعد إعادة تأهيل أربعة منها من أصل سبعة ماتزال قائمة، ولأهمية الهضبة في حماية المدينة من السيول المباشرة ولدورها الحيوي في تغذية مخزون المياه الجوفية الذي أنقذ المدينة وأهلها في أكثر من كارثة. كما قد يكون من المفيد التذكير بخسارة عدن (المدينة والتاريخ والإنسان والهوية) لعدد من مساجدها ومدارسها ومعابدها وشواطئها وجبالها ومناظرها الطبيعية و... والقائمة لاتنتهي.

قبل أن نخسر المنشآت التاريخية في مجمع جبل حديد !!

بالعودة إلى موضوع هذا المقال (النداء) فإننا نقولها بكل وضوح إذا كان الهدف من المشاريع المزمعة في الساحات الداخلية لجبل حديد ومساحاته الأمامية هي بهدف تنموي ولمصلحة المحافظة والبلد، فإننا نؤكد أن بين أيدينا كنزا من المنشآت التاريخية والأثرية وبحجم غير عادي، ومن السهل تنظيم وترتيب هذه المنطقة الممتدة من جبل حديد أعلى سينما ريجل (والذي يضم أضخم قلعة في عدن) مرورا بالبرزخين (الكبير والصغير) اللذين يضمان الخندق والدرب العربي (التركي) مرورا بالقلاع والتحصينات حتى محطة (العاقل)، ونستمر في الأسوار والتحصينات والدروب على المرتفعات شرقي كريتر (جبال المنصوري وجبل الخضراء بموازاة شارع أروى وحتى العقبة وعودتنا بالقلاع والأسوار حتى مدرسة أبناء السلاطين).. كل ذلك ناهيك عن الأنفاق والمخازن والآبار وخزانات وصهاريج المياه التي تتوزع في مواضع مختلفة من هذا المجمع الضخم.. ولنا أن نتخيل رحلة يقوم بها السائح المحلي أو الأجنبي لزيارة هذه المواقع التي يحكي كل واحد منها حكايات ومراحل تاريخية لأناس مروا من هنا.

لقد حرم أبناء المدينة طوال عقود من التمتع والتفاخر بكل هذه الكنوز التي تحكي تاريخهم وتاريخ من سبقوهم.. فهل جاءت الفرصة لتحقيق ذلك؟.

لقد اندهش السيد المحافظ وأعضاء المجلس المحلي بمديرية صيرة وجميع من حضر ذلك العرض المقتضب الذي تفضلت به الأخت الباحثة الاكاديمية هيفاء مكاوي للتحصينات والاستحكامات العسكرية لعدن التاريخية ولجبل حديد وحقات، وهي التي تحصلت على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف على ذلك البحث الذي يشكل بداية لرد الاعتبار لتاريخ المدينة وأهلها.

نود أن نتوجه بجملة من المقترحات التي تمثل وجهة نظرنا وهي على النحو التالي:

1- اعتبار مجمع جبل حديد شمالا مرورا بالبرزخين جنوبا وحتى سلسلة الجبال الغربية شرقي كريتر وحتى العقبة وعودتنا إلى مدرسة أبناء السلاطين.. اعتبار ذلك مجمعا أثريا تاريخيا يستوجب الحفاظ عليه وفقا للقوانين والتشريعات.

2- السماح لمؤسسة المياه والصرف الصحي بالبناء في الموقع الحالي، مالم يتوفر بديل مناسب، وعلى أن لايتجاوز ارتفاع المبنى عن الدورين، وعلى أن يعاد النظر في التصميم الخارجي للمبنى ونوعية الحجارة، بحيث يتناسب مع المحيط والخلفية الطبيعية والتاريخية.

3- وقف أي تصرف بالمساحات المواجهة للدرب العربي (التركي) واعتبارها حرما ومجالا لرؤية هذا المجمع الأثري التاريخي.

4- استكمال الجهود السابقة لفتح باب عدن البري (البغدة).

5- فتح كافة المواقع والقلاع والحصون بعد تأمينها أمام المواطنين والسياح، وتمكينهم من الوصول إليها للتعرف عليها ومشاهدتها.

6- دعوة الباحثين والمتخصصين لعقد ندوة علمية لإظهار قيمة هذه المواقع.

7- التوظيف العلمي والسياحي والاقتصادي الحقيقي المتجرد من المصالح الضيقة لهذا المجمع الأثري لصالح المحافظة واليمن.

8- توظيف الساحات الداخلية ليس لأغراض بناء الأبراج والمكاتب، بل لأغراض توفير الخدمات والتسهيلات للزوار، وإقامة متحف يحكي تاريخ الموقع، ويمكن بناء مسرح للصوت والضوء وهو الاستثمار الأمثل من وجهة نظرنا.

9- تمكين مكتب الآثار ومكتب السياحة من القيام بدورهما المطلوب في توفير الخبرات العلمية والكفاءات لدراسة متطلبات الترميم وإعادة التأهيل على أسس علمية.

وقبل أن ننهي هذا المقال (النداء) نتوجه إلى السلطة المحلية التي تتحمل المسؤولية المباشرة بهذين السؤالين:

1- هل يوجد في القانون والدستور مايؤكد أو يشير إلى عدم جواز ترك أية مساحات خالية في محافظة عدن، خصوصا شبه جزيرة عدن ؟

2- هل يمكننا الحصول على توضيح من السلطة المحلية بتوجهاتها ورؤيتها لاستغلال وتوظيف هذا الصرح الأثري والتاريخي الضخم؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى