منطقة السواء بأي ذنب قتلت؟!

> «الأيام» محمد العزعزي:

>
مولد كهربائي
مولد كهربائي
تعب البداية.. منطقة السواء في مديرية المعافر بتعز تستمد من الجبال أحلامها فطال الليل في الزمن المميت، وأشرف على نهب آثارها القديمة واختنقت الطفولة، فلم نمدهم بجرعة دواء والشاحبات الوجوه صلبن على جدار الفجر، وفي المنحنيات الوعرة ظهرت الدماء فاستسلم الناس لطرق الموت وغاب ومض أعمدة الكهرباء ومن رأسها نزع الضوء ليزيد الظلام ومازالت البرك تستقبل دموع المساء فتسقيه البشر، حتى فاض الصبر بالرحيل، وذبل زهر الليمون، واختفت عناقيد العنب وحبات القهوة من تلك القرى غير الآمنة، فارتد صمت الأزمنة، وأسدل الليل أستاره فأمم الضوء، وتحتفل الضياح بهلع السنين الأماكن.. المساكن.. السكان يستجيرون بالرماد المستحيل، ويؤرخون لمرحلة الجوع على صخر الضجر وضمان الفقر، قطع الأمل بصراخ الأطفال المصابين بالحمى، ومشوا على جراح الحاضر بخطوات نحو الآخرة، وتعطر الناس بزعفران الصلاة استعدادا للقدر وذل الأمر، وتبقى السواء بالزمن غير السوي في عزلة معزولة على جبين الوطن تعاني الجرح والجوع والجمرات وسكرات الموت.

نبذة تاريخية

تزخر السواء بالمواقع الأثرية التي تنتمي إلى عصور مختلفة، وهي منطقة وسطية تربط عدة عزل من كل الاتجاهات وكانت تعرف قديما بطريق الحرير والبخور، فتحمل القوافل البضائع من عدن إلى مدينة الصلول، ثم تعيد تصديرها إلى الحجاز وحضرموت والمخا.وأشهر المعالم الأثرية حصن القدم الذي كان عاصمة دولة المعافر، وتنتشر فوقه المدافن وإلى جواره السدود الأثرية القديمة، ويحيط بالحصن سور دمرت معالمه وبقيت البوابة الممر الوحيد إليه والصعود إلى أعلاه عبر درج بعدد أيام السنة، بني الحصن من أحجار جلبت من خارج المنطقة ذات ألوان متعددة وأحجام ضخمة.

التضاريس

تبدأ السواء بسهل زراعي خصب على طريق تعز - التربة، ثم تتدرج الأرض بالارتفاع غربا فتزداد وعورة، وأشهر الجبال (الكعبين، ضمدان، حصن القدم، عرد، منيع) والعزلة عبارة عن هضبة عالية مقطعة الأوصال بالأودية ذات التربة الخصبة، وتنتهي بحواف حادة من كل الاتجاهات نحو أودية عميقة وسهول واسعة بالعزل المجاورة، كما تكثر التلال والآكام والجبال القافزة التي استغلها الإنسان لإقامة المدرجات الزراعية، وتبعد أقصى قرية تسمى (الشرف) عن طريق الأسفلت بـ 12 كم بطرق شديدة الوعورة تربط القريشة المكارسة حتى النشمة، ويحدها من الشرق الخيامي والضبيعة، وغربا المشاولة، وشمالا العفيرة، وجنوبا بني شيبة والصافية.

أهم القرى

المشرعة، جاعمة، المسراق، قحفة المانح، الشرف، الموقعة، العارضة، القريشة، العبن، مقيبرة، نقابة، الحجر، العنية، صناحف، الوجد، المشرقة، صراحف، خد النسرين، العبلي، العرجب، الجدية، البطن، المخضاب، القشيب، الكردينة، الصيرة، الشعب، عرد، الهوب، نقاربة، بريدة.. وغيرها.

معجم الأماكن

المعافر: نسبة إلى معافر بن أد، ومعافرية ثياب يمنية، ومعونة المعافر الذي يمشي مع الرفاق فينال فضلهم (الصحاح)، وعفراء أرض بيضاء، والعفر من ليالي القمر (المحكم). السواء: استواء الأرض والعدل واستقامة الأشياء وتعني الوسط، واستواء القمر ليلة 14 من الشهر. مشرعة: مورد الماء والطريق الأعظم والرماح. جاعمة: الطمع وأكل اللحم والنوق المسنة والناقة جعماء (الصحاح). الشرف: مجاز المجاز وبعير ذو سنام (المحكم). القريشة: الرماح وكسر العظم وقرش من القروش أي المال والقرش سمك (تهذيب اللغة). الموقعة: النصال المضروبة بالمطرقة. العارضة: عرضهم على السيف أي قتلهم، وعلى النار أحرقهم. مقيبرة: تصغير مقبرة (الصحاح). الحجر: مكان النجاة ونسبة إلى الصلاة في حجر الكعبة (تهذيب اللغة). العنية: الإبل. الوجد: الحب. العبلي: نسبة إلى عبلة (الصحاح). الجدية: لون الوجه. المخضاب: البنان المخضبة، والشعر المخضب بالحناء. الشعب: الطريق والنهر. الصيرة: رأس الجبل. عرد: انحرف وبعد ونجم غاب (الصحاح). المشجب: مكان تعليق الثياب ونشرها وتعني الحزن والهم (المنجد).

السكان:

قال شرف عبده سيف أحد مواطني المنطقة:«يبلغ عدد السكان 38000 نسمة يتوزعون على مركزين انتخابيين، وتشتت الثالث بين المجارد والنشمة، والإناث أكثر من الذكور، والغالبية من الأطفال والشباب، وانخفاض نسبة كبار السن، وتنتشر الأمية ويزداد الفقر ويهاجر الأبناء إلى المدن للحصول على فرص عمل لمساعدة أسرهم».

الزراعة:

صادق علي مهيوب: «يعتمد الأهالي على الزراعة الموسمية وأهمها زراعة الحبوب الغذائية كـ (الغرب، الذرة الصفراء، الدخن)، والبقوليات والفواكه كالمانجو، والنخيل، والرمان، والحمضيات وأهمها الليمون الحامض، حيث تتميز المنطقة بزراعته منذ القدم، وتغطي المنطقة %40 من أسواق المحافظة.. وفاكهة (العط) والجوافة، وكان يزرع العنب وانقرض المحصول في الأعوام الأخيرة لقلة المياه وأمراض النبات، وكانت هذه العزلة تشتهر بزراعة البن في المدرجات والأودية، وتناقص عددها لانعدام الإرشاد الزراعي، كما تزرع الخضار بأنواعها بواديي محجر والعنية لقربهما من طرق المواصلات وسهولة التسويق وتوفر المياه».

النبات والحيوان:

يربي الفلاحون الأبقار ونستطيع القول إنه في كل بيت بقرة، كما يربون الأغنام والماعز لتوفر المراعي الجيدة، وتربى الدواجن.. وتنتشر أنواع الأشجار كـ(القرض، العسق، الخدش، الطلح، العلب، السمر، والضبا)، والشجيرات مثل (الإبكي) التي تستخدم في علاج الجروح، والصباريات بأنواعها والبرشوم الشوكي، وتستقبل المنطقة رعاة الإبل والنحل من المشاولة والوازعية ومناطق أخرى.

المياه:

يوجد مشروع مياه للشرب دائم التعثر، وانتظم مؤخرا، وتقدر العدادات 1700 وشكا المواطنون من ارتفاع الأملاح والجير في الماء المسبب لأمراض الكلى والمسالك البولية، وعلى الرغم من أن المشروع أهلي لايعرف المشتركون موقفه المالي فلا توجد حسابات بشفافية وآبار احتياطية ومضخات وتجديد الشبكة ويشرب عدد كبير من الناس من الكرفان المكشوفة، وتجلب النساء الماء الملوث فوق رؤوسهن وعلى ظهور الحمير. وعزا مواطن سبب ذلك إلى اتساع دائرة الفقر، فلا يستطيعون الاشتراك في المشروع، ويستخدم آخرون مياه السدود وبعضها أثرية قديمة وأهمها سد المعر والعنية والمجارد.

الكهرباء:

قال المواطن عبداللطيف أحمد :«وصل التيار منذ أشهر إلى القرى القريبة من مركز المديرية كالبطنة، ومعظم القرى محرومة، ومازالت تعيش في ظلمة وظلام في عصر الضوء، ويعتمد السكان على الفوانيس و(القماقم) في الإضاءة».

وقال مواطن آخر رفض ذكر اسمه:«من المؤسف أن يصل محول الكهرباء إلى قرية الحجر ذات الكثافة السكانية العالية منذ ثلاث سنوات ولم يتم تركيبه حتى الآن لنستفيد منه، وهو معرض للأتربة والغبار وعبث الأطفال.. أما أعمدة الكهرباء فمرمية على الطرقات تحتاج من يكرمها بالوقوف، وقالوا لنا احفروا الصخر إذا أردتم الضوء، ففعلنا ذلك وضحكوا علينا مرة أخرى، وقالوا ادفعوا 2000 ريال وستخصم من الاشتراك ودفعنا 100 ألف ريال وحتى اليوم لم تصل الكهرباء، وتحتاج معجزة لتصل مساكن المواطنين».

وتساءل الأهالي هل كهرباء المعافر حكومية أم ملكية خاصة؟.

وناشد الجميع الأخ وزير الكهرباء وضع حل عاجل وسريع لإيصال التيار ومحاسبة العابثين.

الزكاة:

قال المواطن (أ.م.ع) :«مازالت قرانا يطبق عليها نظام الإمامة! بل أشد وطأة وأمر، في العصر الجمهوري تغير من (المخمل) إلى العدول كمندوبين لمصلحة الواجبات الذين يتبعون العشر، فإن لم يجدوا مزارعا ينطبق عليه النصاب جمعوا عشرة مزارعين لكي يدفعوه نقدا دون تقييم واقعي لحال هؤلاء الفقراء، وإن رفض أحدهم نفذوا عليه العسكر، وأجرته لا تقل عن ألفي ريال مضافا لها غداء وقات والمواصلات».

وقال المزارع محمد الحالمي: «يتعرض المزارع لجبايات صيفا وشتاء تحت مسمى واجبات القطاف ويرسل مكتب الواجبات بالنشمة عسكر أشكال وألوان على المزارعين، وتفرض عليهم مبالغ كبيرة، ومن يتأخر تضاعف له الخسارة دون سندات رسمية وياويل الفقير».

سد أثري
سد أثري
الضمان الاجتماعي:

قال صادق علي (عامل): «توزيع الحالات بالقطارة وتذهب لأقلية غير مستحقة ولو وجدت لجنة حقلية حقيقية لاتضح أن غالبية الفقراء لايحصلون على إعانة الضمان، كما لاتوجد معايير عادلة في التوزيع ويضطر البعض إلى بيع أغنامه من أجل الحصول على إعانة الضمان الاجتماعي الذي لايكفي مصروف طفل ليوم واحد وأكثرية الفقراء لهم الله».

الصحة

عاصم أحمد غالب (جامعي عاطل) قال: «البلاد تعيش في حالة مرض، وتنتشر الملاريا بين الكبار والصغار، فالعام المنصرم حصدت أرواح عشرة أطفال، كما تنتشر البلهارسيا والتيفوئيد والحميات المختلفة، وعيب أن تبني الدولة مرفقا جميلا يسمى الوحدة الصحية التي ماتزال مغلقة منذ ثلاث سنوات حتى اليوم، وتحولت إلى سكن خاص لمواطن، والمفترض أن يكون لكل خمسة ألف مواطن وحدة صحية، وتحتاج القرى إلى بضع وحدات صحية للعناية بصحة المواطنين، ونسمع بالتلفزيون أن الدولة قضت على الملاريا.

وفي قرانا مايزال الفيروس يعشعش يحصد الأرواح ولايوجد تحصين وعند المرض يتم إسعاف المريض إلى النشمة ويضطر آخرون إلى نقل المرضى إلى تعز أو التربة، وأجرة السيارة تصل إلى 30 ألف ريال ذهابا وإيابا (إنجيز) وترتفع الوفيات بين النساء لعدم توفر قابلات، وتحتاج المنطقة إلى مراكز تأهيل نسوية ودورات ولادة وتمريض».

التربية:

قال درهم غالب وعبداللطيف شمسان: «تعاني المدارس عجزا في الكادر والوسائل والكتاب المدرسي وارتفاع الكثافة الطلابية في قاعات الدرس ما أفشل العلمية التربوية والتعليمية بأركانها المتعددة، وتردت المعارف، وغاب التدريب للارتقاء بمهارات المتعلم العقلية والحركية.

وماتزال القرى بعيدة عن عصر العلم ومخرجاته، فالتربية تراوح مكانها بالمزيد من التخلف، وتسرب الأبناء فلا تنمية بلا تربية، والمؤشرات مخيفة ستؤدي حتما إلى الفراغ، وتوجد في قرى القريشة والمكارسة ثلاث مدارس أساسي ثانوي هي البطنة والأنوار والعبلي، وتتسرب الطالبات إلى المنازل وتحتاج المنطقة إلى مدارس سوية إضافية لاستيعاب الطلبة».

الطرق

السواء غير سوية بطرقها البدائية التي تغلق في موسم الأمطار ويصلحها الأهالي على نفقتهم ومنذ أعوام مضت جرفت السيول نقيل المحراضة، وماتزال العزلة معزولة عن محيطها المحلي والعالم، وبعيدة عن عصر الاتصال والتواصل، فالطرق قديمة تم شقها زمن التعاونيات عهد الرئيس إبراهيم الحمدي وعبدالله عبدالعالم، ومن بعدهما لم تر طرق وأظهرت عوامل التعرية المختلفة سوء الإهمال، وفي هذا الصدد قال شرف عبده سيف: «فرحنا لاعتماد إعادة شق طريق وادي محجر القريشة بطول 10كم أثناء الانتخابات 2003، لكنها توقفت وتعاني القرى العزل والانعزال».

وقال عاصم أحمد: «دشن الأخ الرئيس حجر الأساس للطريق واعتمدت المبالغ المالية واستلمها المقاول الذي باشر العمل وانتهى الشق والتوسعة قبل أن تبدأ، واختفت المبالغ أدراج الرياح».

وفي السياق ذاته قال درهم غالب (تربوي): «تعتبر طريق النشمة السواء العليا مرورا بنقل المحراضة وانتهاء بالمشاولة ذات أهمية استراتيجية تربط أماكن مرتفعة الكثافة السكانية، وفي حال إعادة شق وتأهيل طريق نقيل المحراضة لتصل منطقة حاموراء الغنية بمعادن النحاس والحديد فتضاف إليه أهمية اقتصادية». وأكد عضو المجلس المحلي للمعافر أن هذه الطريق من المشاريع المتعثرة.

رموز اجتماعية:

أنجبت تلك القرى النائية رموزا اجتماعية يشار لها بالبنان ساهمت في بناء الوطن في كل المجالات، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عبدالولي محمد الحاج من رجال التعاون وعبد الغفور البراق إعلامي وكاتب ومثقف رحمه الله والشيخ طه البركاني رجل لاينسى بمرور الزمن والقاضي العلامة عبدالله المصنف رحمه الله والشيخ قائد محمد ناصر الذي سجن في حجة إثر انقلاب 1948م رحمه الله والشيخ مهيوب الحجري وفؤاد عبدالقادر كاتب وأديب ومثقف وأحمد عبدالله المصنف التربوي الفاضل والرجل الزاهد والشيخ سلطان سعيد البركاني الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام وسيف سعيد عبده وعلي محمد مهيوب ساهم في ثورة سبتمبر وفك حصار صنعاء والأستاذ الجامعي مشهور عبده محمد.

قبل الخاتمة:

الأجسام النحيلة تحمل وجوها كالحة أرهقها الإهمال والغلاء، فاقترن الحزن بالفجيعة ويركض أهلها بسوء السبيل نحو سجادة النجاة في موكب خارج الزمن وتسأل الموءودة بأي ذنب قتلت؟!!

خاتمة التعب:

في ذلك الطريق الذي يؤدي إلى الجبال الخضراء شاهدنا محول كهرباء يقطر دما، ومقابر وحصونا تبكي ملء الكفين إهمالا، وأعمدة خشبية احتضرت قبل الولادة، وامرأة تمشي مرفوعة الهامة تحمل حزمة حطب، وطفل وخلفها ثلاثة أبناء، وطريق تحمل قنابل تفجر العابرين عليها، وقرى تسقى ناسها من كريف ماء ملوث، وأرض واسعة تضم المظلومين والجائعين والمنفيين.. أما آن للمعافر أن تسقط المخافر؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى