الامتحانات وسيلة للتقييم.. فلماذا بالغش نهدم التعليم؟

> «الأيام» محمد العزعزي :

>
ظاهرة الغش وتسريب أسئلة الامتحانات.. تعد من الظواهر الشاذة والخطيرة التي من شأنها تقويض أركان المجتمع بأسره. أمام هذا الداء الوبيل يتوجب على الجميع أن تتضافر جهودهم المخلصة لمعالجة آثارها المزمنة للحد في انتشارها ضمانا لبناء جيل متسلح بالعلم والإيمان والاعتماد على الذات.. من هذا المنطلق ونظرا للفوضى العارمة التي ما انفكت تطالعنا بين الحين والآخر، وتنعكس سلبا على العملية التربوية التعليمية في بلادنا.. ونظرا لما يتطلب هذا الجانب المهم والخطير من تكثيف للضوء استطلعت «الأيام» آراء العديد من أرباب الشأن والمتخصصين في هذا المجال.. لنكشف معا جوانب القصور المسببة لهذا الإهمال.. وبتوجيه الأسئلة كانت هذه الإجابات:

> مصطفى شرف الأديمي رئيس لجنة أساسي بدأ بالقول: «قال تعالى «إن خير من استأجرت القوي الأمين» والتسريب ناتج عن عدم المبالاة وفي لحظة ضعف الضمير ويدل على سفاهة العقل، ويفترض الدقة عند اختيار رؤساء اللجان بعيدا عن الوساطة، ولا أستطيع الجزم كيف تم التسريب، ويتحمل المسئولية من قام بها، فالاستقامة مهمة فمن لايؤدي حق الله كيف سيؤدي حق الناس؟!.. إن الغش ظاهرة سيئة تؤدي إلى الأمية المركبة والتخلف والفراغ العلمي». وأضاف: «الاعتماد المالي لايكفي، ومن غير المعقول أن أستلم 2000 ريال ثم أستأجر سيارة إلى راسن بعشرة آلاف ذهابا ولابد من تقييم للمراكز».

> سليمان علوان محمد كليب رئيس مركز 26 سبتمبر بالزكيرة قال: «المركز بعيد عن التربة، والتسريب قد يأتي من ضعفاء النفوس، وضعف الجوانب الأمنية وعدم اهتمام التربية بالجوانب المالية وإعداد المعلم، وقد يأتي إما ضعفا أو قسرا أو بانعدام وسائل المواصلات، فلانستطيع التبليغ وقت الحادثة والتدخل، وهنا قد يتهم بريء وتحدث الجريمة بمكان آخر».

وأضاف:«الغش جريمة، وينظر الطلاب له على أنه حق مكتسب بالإغراءات المالية، وعدم إعداد المعلم ينعكس على أدائه العلمي ويؤثر على الطالب، ويدل على سوء الإدارة المدرسية والتعليمية والمنهج وعدم ملائمة المنهج للمناطق حسب احتياجاتها وضعف الإدارة التربوية والتخطيط، فلا توجد واحدية المعلومات الإدارية من أسفل إلى أعلى».

واختتم قائلا: «ورقة الأسئلة يبنى عليها وطن ومستقبل جيل، والحلول هل ستطبقها الدولة؟ وإجابتي عن السؤال بهذا السؤال».

> منير بجاش الأصبحي (مركز وادي عرفات) قال: «تسريب الامتحانات جريمة لاتغتفر، والآن أنا في مبنى المجمع الحكومي (12) ليلا انتظر الأسئلة الجديدة بعد تسليمنا المظاريف القديمة.. ويعتمد الطلبة على الغش كليا دون مذاكرة ومشاركة ولي الأمر وعدم إعطاء رؤساء اللجان مبالغ مالية تكفي الملاحظين وأجور المواصلات، فمن غير المعقول إعطاء (4) آلاف لمنطقة تبعد 45 كم وفي أماكن وعرة وانعدام الحماية الأمنية بالمراكز!! والليلة الماضية لم يحصلوا على طقم للإبلاغ بعد اكتشاف التسريب».

> عبدالرقيب عباس نعمان قال: «ضعف الإمكانات المادية جعل ضعفاء النفوس يأخذون مبالغ مالية من أولياء الأمور والطلبة.. وتفشي الغش وهو آفة خطيرة لانعدام الكادر بالمناطق النائية، والأهم أن تصرف الدولة نفقات الامتحانات مثل الانتخابات».

> طلال المحمدي (مركز شمسان بدبع) قال: «لايوجد غش في الثانوية، وليس لدي فكرة.. وأنتظر الأسئلة الجديدة ولا أعلم كيف تم التسريب، فأنا سمعت ولم أر.. المعايير الفنية لرؤساء اللجان الامتحانية سؤال يطرح على من كلف مدير التربية ورئيس قسم الامتحانات».

> عدنان مجاهد علي (مدرس مواد فلسفية) قال: «تم تسريب الأسئلة، والأسباب تكمن في ضعف لجان الامتحانات وتدني تحصيل الطلبة، وأهم المعايير لرئيس اللجنة الشعور بالمسئولية والقيام بواجباته، وأن يكون لديه ضمير، وتوفير التكاليف المالية بما يكفي».

ثم توجهت «الأيام» للأخ شائف الدكام مدير المديرية، فأجاب قائلا: «أولا أشكر «الأيام» على متابعتها والاهتمام بقضايا المواطنين، وأردف قائلا: «تم الاجتماع بمدراء المدارس قبل بدء الامتحانات وبعد اجتماعنا بالأخ المحافظ، وأكدنا توجيهاته بعدم الغش والتسريب كونهما جريمة غير مقبولة في هذه المديرية التي كانت في الطليعة من حيث صرامة الإجراءات بين 2006/2004.. أما التسريب فلم يثبت، ولا أستطيع أن أجزم أنه تم في الشمايتين وحدها، وهناك معلومات أولية تفيد أن تسريبا تم في حيفان وحيالة والتعزية وصبر، وهذا يرجع للجهات المسئولة، ونحن قمنا بإحالة المتهمين إلى المحافظة لاتخاذ الإجراءات والتحقيق معهم ولم تأت معلومات إدانة حتى الآن.. أما كيف حدثت ومن المسئول فالكل مشارك.. الآباء واللجان.. رغم التشديد، لكن الفكرة سكنت عقول الناس، فالغش أخذ مساحة، وإن حصل في مركز فهو فشل لرئيس اللجنة وللطالب.. وعلى رئيس الامتحانات أن يختار وفق اعتبارات ووفقا لتقييم سنويي لإخراج المديرية بصورة جيدة، والاختيار عائد على التربية وتكرار الأسماء متعمد، وهذا غير مقبول.. فالعملية إنسانية، وعند تسلمنا البلاغ واتهام أشخاص أرسلناهم إلى تعز، وعلى الجميع أن يشارك في إيجاد جيل صالح معتمد على الذات، والعيب أن يستمر الخطأ».

وفي هذا الصدد انتقلت «الأيام» للأخ عبدالجبار بني غازي مدير مكتب التربية بالمديرية الذي قال: «تسريب الامتحانات في معظم المحافظات سببه ضعف المنهج والإدارة المدرسية والكادر التعليمي ما أدى إلى الإحباط، حتى أصبح النجاح هم الطلبة لارتباط الوظيفة بالشهادة، أما عملية التسريب فلا نستطيع الجزم، وإن حدث ذلك فالمتهمون محتجزون لدى التربية بالمحافظة من عدة مديريات، والتحقيقات ستكشف عن ذلك، وأعتبر المسئول الأول رؤساء المراكز الامتحانية.. والغش أصبح مرضا وتدميرا للعملية التعليمية والقضاء وعليه بعدم رفع قبول الطلاب بالجامعات وربطه بالمعدل، ولو وجدت لجان اختبار قبول أفضل من المعدلات.. وعن المعايير لرؤساء اللجان فالأقدمية والنزاهة والخبرة والنزعة الوطنية وتقديره لعمله والعمل بشرف المهنة.. أما المبالغ المالية التي رصدت فهي أجور نقل لافتقارنا لها في المرحلة الثانوية، وكانت تفرض على الطالب تحت مسميات مختلفة، وهذا العام تكرم المحافظ بدعم ميزانية التربية بالمحافظة والمديريات، أما المرحلة الأساسية فاعتمدت المبالغ السابقة للجان، ولم تعتمد أجور مواصلات، ورؤساء لجان الأساسي مظلومون، 4080 ريالا لاتكفي شربة ماء.

وأضاف قائلا: «عندما نتأكد من وجود غش نثبتها بمحاضر رسمية وترفع إلى اللجنة العليا للامتحانات، وهي تضع الضوابط.. وتسريب الامتحانات جريمة وإخلال بالسكينة العامة وخيانة وطنية تحال إلى جهات الاختصاص.

واستبدلنا الأشخاص المحالين إلى المحافظة، والتسريب ليس أول مرة يحدث في اليمن، ويجري في العديد من الدول، وفي مصر تسربت الامتحانات.. أما الشمايتين فالظاهرة جديدة، والسبب التنافس على التوظيف وليس من أجل العلم، فالتنافس على الشهادة».

واختتم قائلا: ما حدث لايؤثر على العملية الامتحانية ونطالب بمساواة لجان الأساسي بالثانوي، وندعو لجان المطابع السرية أن تتخذ نمط البريد للحفاظ على الورقة وتغليفها بالبلاستيك فقد تكون المضاريف المشوهة ناتجة عن سقوط أو عرق، وبلغ المخصص المالي هذه العام (160) ألف ريال لرؤساء اللجان بمعدل 4000 للواحد». وفي اتصال هاتفي لاحق استطرد قائلا:

«نتمنى من المسئولين بوزارة التربية أن يحذوا حذو «الأيام» التي تفقدت أعمال الاختبارات حتى وقت متأخر من الليل، فالمسئولون لم يصلوا إلينا حتى الآن».

وفي وقت متأخر من الليل التقت «الأيام» الأخ صالح علي سلال رئيس قسم الامتحانات وقال: «التسريب حدث من ذوي النفوس الضعيفة، وبعد إبلاغنا قمنا بجمع رؤساء اللجان واستقبلنا المظاريف ورحلناها إلى تعز للتربية، والمسئول الأول من وجه مظروفه مشتبه فيه، فهو من يتحمل المسئولية.. ومن معايير رئيس اللجنة أن يكون قادرا على التعامل مع الوثائق والطلبة والأمانة والإخلاص.. وعند الإخلال نبلغ الجهات المختصة لجنة النظام والمراقبة.. ورصدت مبالغ مالية لكن لم نتسلم شيئا، ولانعرف كم المبلغ.. والتسريب يحدث من أصحاب النفوس الضعيفة، وضعيف الإخلاص والدين.. ونحن نرشح رؤساء اللجان، لكنهم هذا العام فرضوا علينا أشخاصا، وأتوا بالأسماء فزكيناهم، والناس الجيدون يتهربون من المسئولية ويرفضون ترؤس اللجان لأنهم لايرغبون بالخسارة من جيوبهم، ومسئوليتي تنتهي باستلام رئيس اللجنة المظروف سليما وبحالة جيدة، ويتحمل مسئولية ما حدث من اختراق الامتحانات أناس لايعون المسئولية».

على الصعيد ذاته التقت «الأيام» الأخ الدكتور عبدالكريم شمسان المحاضر في جامعة تعز بالتربة، وعرضت عليه مشكلة التسريب والغش، فقال: «تسريب الامتحانات يفسر انعدام الروح المسئولة عند تربية هذا الجيل، والكل هنا يتحمل المسئولية ابتداءً بالأسرة ومرورا بذوي الاختصاص وانتهاءً بالمسئولين.. أما العوامل فكثيرة ولايمكن حصرها بعجالة، وأهمها عدم تحمل المسئولية من قبل الجميع وذوي النفوس الضعيفة للحصول على المال، وانتشار الأمية، والتركيز من المجتمع على حصول الأبناء على الشهادة.

ويركزون على الكم وليس على الكيف، بدليل أن المتسابقين على الوظائف هم من ذوي الشهادات وليسوا من ذوي الخبرة والمهارة العالية.

كما أن إهدار الطاقات بعد عملا منافيا للحقائق الموضوعية باعتبار أن الأمم لاتعرف إلا من خلال طاقاتها البشرية وعقولها المفكرة.

وللأسف فإن مجتمعنا اليمني والعربي تتفشى في أوساطه ظاهرة الغش وبالأخص في قطاع التربية والتعليم، ويعتبر هذا الغش المشين تآمرا على العقل البشري برمته، ونحن في جامعة تعز والجامعات اليمنية الأخرى نجد أن من يرغب بالالتحاق بالجامعات هو المؤهل ومن ذوي الأرقام 30%-20 فقط، ولكن نجد أن 70% يدخلون الجامعة وهم لايجيدون الكتابة مما أدى ذلك إلى إفرازات ومخرجات هزيلة قريبة الشبه بما ترفده الثانوية العامة من إعداد هش، وأن ينتبه ذوو الشأن، فالكارثة قادمة، ونؤكد هنا على أن الأسرة والمجتمع والمسئولين تقع عليهم مسئولية الحفاظ على مستقبل أجيالنا الواعدة، وهذا لايعفي دور الأبوين من الإهمال لأبنائهم، لكون تركيزهم الأساسي يكون على صحة وأجساد هؤلاء، بينما يتركون الجانب الأهم المتمثل في العقل والعلم، وإعطائهم الجرعات التحصينية لأدواء ووباء الغش الذي حتما سيلغي ذاكرة الإنسان».

خاتمة

إن فقدان الضمير وغياب الانتماء واحترام مسئولية إنسانية الإنسان ونزع الثقة بالآخرين واللهث وراء المال الحرام أمراض قاتلة لاتأتي إلا بمثل هذه النماذج الضحلة التي تعتمد في مسارها على مبدأ الغش والتسريب، لكونها افتقدت تماما إلى التربية والتعليم الحقيقي.

وكادت أن تنعدم تماما وأفرزت مثل هذه الأشكال الباهتة التي ماانفكت تضر بمستقبل أبنائنا وبناتنا في ظل غياب الضمير، فمتى نفهم ونعيد النظر في سياسة إرساء ثقافة تعليمية معاصرة تعتمد على بناء الذات والخلق والإبداع!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى