كل السنة تموز.. وأيام حداد

> المحامية/عفراء خالد حريري:

> هل تموز / يوليو يوم النصر فيه ويوم هزيمة المواطنة، وكانت هي عروس البحر والآن تلبس ثوب الحداد، كانت هي أم البحر أصبحت قطرة فيه، والآن تبينا أنها ستصبح دمعة في محيط، وستهوي في عمق أعماقه، ولن تتمكن حينها سوى أن تكون دمعة تنساب من عيون أهلها، والآن هي دمعة تذرف فتمسح قبل أن تصل إلى الوجنات/ هكذا تبدو عدن في يوليو القاتم الأسود (عدن التاريخ، الحضارة، المدنية)، ولهي عليك والشجن أيتها العروس.. إن طال هذا الصمت والسكون، سيفنى كل شيء وسنفني نحن!. فكيف سنقبل أن يقتل التاريخ بالهدم وبالتحطيم المتعمد وتستبدل معالم جغرافيا الأرض والمكان بمعالم هوية محددة غير معلومة التاريخ، وقد تم ذلك وبموجب فتوى؟!. إنه هو العبث لكل ما كان من نظام وقانون منذ ما قبل الاستعمار (ولا أجرؤ أن أقول البغيض، لأنه وضع أسس النظام والقانون الذي ترعرعت في ظله، وأشتاق إليه، مبتدئا بحركة السير ومرورا بكل الأنظمة الأخرى وانتهاءً بالاعتقالات). فحين يحترمك الغريب شيء، وحينما ينتهك حقوقك ابن وطنك شيء آخر، مختلف الذوق والدلالة (في القول والفعل). وهو ذلك التشويه لكل ما فيها من أثر وآثار لتاريخ مدينة كانت وطنا، هكذا يبدأ تموز في اليوم السابع منه عام 1994، بموجب فتوى يا أمي تساقطت الأقنعة مع كل شبر أرض نهب، ومع كل حق سُلب، مع كل شرف وذمة باعها صاحبها بحفنة مال، مع كل أثر هدم، مع كل كرامة أهينت، مع كل مبادئ سحقت، مع.. مع.. ضائع كله ياأمي، آه كم أخطأتِ أنت وأبي في حقي بأن المبادئ قيمة والكرامة قيمة والحق قيمة والعلم قيمة والوطن بتاريخه وجغرافيته وأهله يجب أن يكون واحدا موحدا ليضيف إلى رصيد قيمنا السابقة قيمة أسمى وأرقى بريادة حب الوطن، وفي تموز الانتصار تم الاستيلاء على مسكن الأسرة بكل مقتنياته حتى الشخصية (الخاصة) والذكريات، وقد دفعتما قيمته النقدية لخزانة دولة هذا الوطن. وعلى مدار الأعوام في تموز/ يوليو لفقت تهم الانفصال بعد إلغاء صفة الانتصار، ومحقت حقوق المواطنة وبعثرت جغرافيا الأرض وفقا للتقسيم الإداري للبسط على الثروة وما يمكن أن يتبرع به النظام من مشاريع باسم محافظات الجنوب لمناطق الشمال، ولايتبقى لأهل تلك المناطق سوى الصدقة، وإن طالوا مد البحر باتجاه الشمال لمدوه، وحطمت الجبال والأبنية القديمة لعدن التاريخ ليستبدل كليا ولنبيعه في مولات وماركت وميني ماركت ليباع التاريخ فيها، ويصبح مجرد صورة وشقق مفروشة ليعرض في فليم وثائقي كوميدي ساخر مدفوع الأجر سلفا بعنوان (كانت هنا مدينة)، وتتصدق علينا الدولة ببعض مشاريع، وليتها هبة بالفعل وصدقة بل مخصخصة وفقا لفتوى.

وفي تموز توالى سقوط القيم من أجل الفساد، حتى الفضيلة لم يعد لها معنى وقيمة وإلا لما اضطروا لإنشاء هيئة للدفاع عنها، ولولا الملامة والحياء لبعض من لديهم ذكرى وسوف يموتون بلا شك، لأن العمر بحلاوته ومره يفنى، لأصبحت ثورتي أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر مجرد تواريخ هامشية، وسيمتد تاريخ الثورة اليمنية على الانفصال، فقط من تموز، مثلما تغير نظام المستعمر بعد استقلال تشرين الثاني وسيادة قانون نظام حرف الشين (شيوعي، اشتراكي، شمولي) وحرف الشين غالي الثمن، فقد جرعنا شعارات تجذرت فينا انتماءً وقيما (لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية)، ومع ذلك فنحن الانفصاليون، فتغير ذلك، وعوضا عن استقلال أصبح استقبال لنصر تموز، حتى مفاهيم أمريكا كالديمقراطية بمبادئها وقيمها العشوائية والمشقلبة ولدت في تموز، هذا هو الوطن يا أمي وأبي، هناك يبدأ تاريخه وجغرافيته وهذه القيم فيه، فلماذا لم تعلماني قيم وأخلاق تموز وأبنائه وخلانه وأصحابه وأهله ومبادئ ديمقراطيته ومجتمعه المدني ومؤسساته واتحاداته ونقاباته ومجالسه ولجانه وهيئاته الوطنية والتضامنية والأهلية والقبلية والعمومية والدفاعية والحقوقية، حيث يكون دخلي أكبر من دخل أهلي أجمعين.. وهلم جرا!! لأن دخلي غير ثابت ومنقوص، تلتهم صدقة الفقر الذي صرفت ميزانيته في إستراتيجية التخفيف منه ربعه وثلثه، بينما مازلت متهمة بالعمالة والجاسوسية على هذا الوطن!!.

ولأنني كنت أحلم في تموز أن أخلع ثوب الحداد عن العروس وأشتري لها ثوب زفاف أبيض وباقة ورد وفل وياسمين، وأحلم بجني المصباح أن يحافظ على بقايا التاريخ وبعض الجغرافيا وشيء من سيادة النظام والقانون وحفنة من حقوق المواطنة، كما يؤرقني الآن في تموز أني عرفت القيمة الحقيقية للإنسان، فهي المحسوبة عدا وكما بمفردها بمجملها بأوراق البنكنوت حتى إن لم يكن له غطاء ذهب، فيكفي أن ثمنه يقدر بأرصدة وبأعداد وبأرقام، وبعد الأرق والحلم وجدت بأنه لم يعد لي وطن، وأي وطن هذا، رائدي في الحب الممتهن لكل منظومة الأخلاق والقيم!! فلا جدوى للندم على الوطن، فمن منا لم يسحقه تموز بفتواه، تموز أن يخترق أحلامي ولحمي وشحمي وعظامي فكل سنة تليها سنة، تموز كل أيامي، ومبادئه وأخلاقه وقيمه فوقي وتحتي وخلفي وأمامي، وأخشى ما أخشاه أن يفرض في تموز أمر أو قرار ما بتعميم قيم وأخلاق تموز، والبقاء على وطن تموز في قعودي وقيامي، ويقتصر الخطاب والخطب على فتوى تموز لفيد هذا الوطن، فيستولي على مناسك إسلامي وصلاتي وصيامي، وما هي أيام السنة سوى تموز، وما جاء به شهر تموز حزن فوق أحزاني، فماذا تبقى غير رحمة ربي، فرحماك رب الكون- يا الله- أعطني كوخا في جهنم ولاتجعلني في تموز أفقد بعد وطني إيماني!!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى