موجز عن الطوائف والمعابد في عدن

> «الأيام» حسين محمد الدحيمي:

> «في فم البركان أو ما كان بركانا في قديم الزمان، وفيها أربعون ألف من السكان من كل شعوب الأرض والأديان، فيها المسلم الذي يصلي إلى الله، والفارسي الذي يصلي إلى الشمس، والبينيان الذي يصلي إلى الأوثان، والمسيحي مكرم الصور والصلبان، والإسماعيلي صاحب الزمان، واليهودي مسبح الذهب الرنان، وفيها من يغسلون ويكفنون أمواتهم، ومن يحرقونهم، ومن يحملونهم إلى برج السكينة لتأكلهم النسور والعقبان» هكذا وصف أمين الريحاني الصورة في عدن عندما زارها في 1920 في كتابه (ملوك العرب).

كل هذه الأجناس جاءت بعد الاحتلال البريطاني لعدن، حيث إن كل المجتمعات الذين كانوا يعيشون في إطار الكمنولث، كانوا يتنقلون ويعملون ويتاجرون في هذه الدول، وكانت عدن مركز جذب، بحكم ازدهار التجارة فيها وتوفر الأمن ونوع من الرفاهية للحياة العامة بشكل عام.

لم يتطرق أحد من قبل لهذا الموضوع، وسأحاول أن أقدم صورة عن ذلك وفق المعلومات المتوفرة لدي، من جانب يأخذ القارئ فكرة عن فترة من تاريخ هذه المدينة، ومن جانب آخر وهو الأهم أريد الآخرين أن يفهموا أن هذا إرث تاريخي للمدينة، ويجب أن نتعامل معه مثلما تعامل معه الآخرون في مناطق أخرى من العالم واستفادوا منه ووظفوه خير توظيف لصالح مدنهم.
اليهود

في البداية سأبدأ بأقدم طائفة، وهم: اليهود، حيث يقول البعض: «إن عددا من اليهود كانوا موجودين في عدن قبل الاحتلال»، ولدي مصدران، مصدر يقول: «إن عددهم عند دخول الإنجليز كان 574 فردا»، المصدر الثاني يقول: «إن عددهم 161 فردا»، بالنسبة للمصدر الأول أنا أشك فيه، نظرا لظروف المدينة والتدهور الذي كان سائدا فيها على مختلف الأصعدة، وكذلك عدد السكان الذين كانوا موجودين في تلك الفترة، وبالتالي يكون المصدر الثاني أقرب إلى الواقع، بعد الاحتلال ارتفع العدد حتى وصل عام 1946 إلى 8000 تقريبا، هاجر معظمهم بعد إعلان دولة إسرائيل عام 48م، وبسبب المصادمات التي اندلعت بعد ذلك بين العرب واليهود بقي منهم 831 حتى الستينات ثم غادروا جميعا بعد هزيمة 5 حزيران 67 لهم معبد، وهو معروف حتى القريب، وواقع في شارع السبيل بكريتر، وهناك مركز ديني آخر قريب من مسجد الشيخ عبدالله، ولست متأكدا هل كان معبدا أم مركزا؟!، كانت لهم علاقات تجارية شخصية طيبة مع السكان طيلة الفترة التي سبقت احتلال فلسطين، البعض يظن أن المركز الذي كان في حافة الشريف يتبع اليهود ولذا أحرق أثناء المصادمات بينما هو لا يتبع اليهود.

الجالية الهندية

ارتبطت عدن بعد الاحتلال بالهند، لهذا هاجر إليها كثير من الجالية الهندية اشتغلوا بالتجارة، وفي مؤسسات حكومية كثيرة وتقريبا كانوا مسيطرين على مفاصل العمل والمؤسسات والبنوك والميناء والاستيراد والتصدير ومكاتب العمل، حتى بداية الثلاثينات من القرن الماضي عندما طالب أهالي المدينة بإنهاء تبعية عدن للهند.. وصل عدد أفراد الجالية الهندية إلى 15.817شخص عام 1955.

الهنود المسلمون كانوا يصلون في المساجد مع المسلمين، ومنهم من بنى المساجد مثل مسجد علي بهاي ومسجد إسماعيل خدابخش.

- الهندوس والبينيان كان لهم معابد في كريتر، هناك أكثر من ستة معابد، أهمها: تيفاني وشيفا والمعبد الواقع في شارع بنين، وفي التواهي معبد يقع على الطريق المؤدي إلى باصهيب بالقرب من مكتب ضابط الميناء القديم، وفي الشيخ عثمان معبدان يقعان خلف ليك لين معظمهم غادروا بعد الاستقلال.

- البهرة: مسلمون وشيعة لهم مساجدهم الخاصة، أشهرها المسجد الواقع في القطيع على طريق العيدروس، والمميز بشكله الجميل، والمسجد الآخر الواقع في شارع الشيخ عبدالله جاء جزء منهم من الهند، والجزء الآخر جاء من صنعاء بسبب الاضطهاد الديني وازدهار التجارة في عدن، ولا يزال كثير منهم يمارسون مختلف الأعمال، وخاصة التجارة. حياتهم تتسم بالنظام والالتزام لعملهم وعبادتهم واستغلال مميز للوقت.
الأوربيون

تشير المصادر إلى أن عددهم بلغ عام 1955م 4.484، وهي النسبة التي ذكرها الدكتور جاد طه في كتابه (سياسة بريطانيا في جنوب اليمن)، لكن ليس هناك تفصيل هل العدد يشمل الجميع عسكريين ومدنيين أم مدنيين فقط.

اشتغل المدنيون منهم بوظائف رسمية ومؤسسات وشركات تجارية، وكان لهم كنائس يتعبدون فيها ويقيمون المراسيم الدينية المختلفة مع غيرهم من الجنسيات الآخرى التي تدين بالمسيحية، وقد تميزت هذه الكنائس بطرازها المعماري الخاص وأهمها: في التواهي: كنيسة فرانيس أوف أسيس، كنيسة المسيح، كنيسة الصخرة، كنيسة كيت فالكونر ميمريل، كريتر: كنيسة القديس يوسف والقديسة ماريا، عدن الصغرى: كنيسة القديس بير.
الفرس

أبقيتُ هذه الطائفة إلى الأخير، لكي أتوسع في بعض المعلومات حولها، حيث إن الكثيرين يجهلونها، حتى في عدن، وهي طائفة منكفئة على نفسها، ولولا المعبد الذي اشتهرت به بجانب الطويلة، والطريقة التي كانوا يتعاملون بها مع موتاهم لما سمع أحد بهم.

الناس يدعونهم بالفرس، وهم طائفة من الفرس يسمون الزرادتش نسبة إلى نبيهم زرادتش، والزدادتشية هي ديانة ظهرت في وسط إيران قبل المسيحية بألف سنة.

مع ذلك فإن هذه الطائفة لا يتجاوز عددها مئة ألف نسمة، موزعون بين إيران والهند وأمريكا الشمالية، ديانتهم تقوم على ثلاثة أركان: 1) الفكر الصالح 2) العمل الصالح 3) القول الصالح.

الجماعة الذين عندنا، جاءوا بعد الاحتلال من الهند، خاصة من دولة كوجرات وسدرات وسيجنيور، ويعود أصلهم إلى بندر كوساه في إيران، كان عددهم في عدن قبل الاستقلال ألف نسمة في عام 1988م لم يبق منهم سوى 8 ثمانية أفراد فقط.

المعبد يسمونه برج، والحقيقة أن لهم برجين أو معبدين، برج الهواء وبرج النار أو برج الصمت، برج الهواء هو المعبد الذي بجانب الصهاريج وهو الذي تقام فيه العبادة، وبرج الصمت الذي على الهضبة، وتقام طقوس الموتى فيه، بنيت هذه الأبراج عام 1866م.

فعندما يموت شخص يحملونه في نعش مصنوع من الحديد إلى برج الصمت، وهناك يترك، تطهره أشعة الشمس وتأكله النسور والعقبان، حتى تبقى العظام ثم تُؤخذ هذه العظام وتوضع في حفرة عميقة- هذه الطريقة تم التخلي عنها منذ خمسين سنة- واستبدلت بالدفن.وعندما يحجون يذهبون إلى الجبل المقدس، ويدعى تشان تشان، ويبعد 72 كيلو متر عن مدينة يزد، وهي مدينة أثرية قديمة اعتبرتها الأمم المتحدة من التراث العالمي، ويعتبر واحدا من بين ستة أماكن مقدسة لطائفة الزرادتش في إيران.

أغلب هذه الطوائف غادرت المدينة، ولم يبق للمدينة إلا أهلها.. هل جرى الاستفادة من كل ما خلفته هذه الأمم لصالح المدينة؟!.. لا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى