تحت المجهر.. لماذا تردت أخلاقيات القائمين على الخدمات؟
> «الأيام» برهان عبدالله مانع:
> تحدث العديد من الفلاسفة عن أخلاقيات الأعمال أمثال جيرمي بنتام، وجون استيورت، وميل، وشكليه، وإيما نول كانط.. والجميع يتساءل لماذا اختلفت المبادئ الأخلاقية التي تحكم سلوكنا كأشخاص تجاه الآخرين؟ وما أجمل كلمات الحق والخير - الرفق والشفقة والوفاء والإنصاف والفضائل الحميدة- وعند القرب من أخلاق المهن نتعرف على دستور ثابت يقوم أفراده بتنظيم وممارسة عملهم، لكن الأخلاق تأمرنا بألا نسرق، ومن يستسلم لذلك الإغراء هو شخص عديم الأخلاق.. ونتساءل أين الإحسان والعدالة واحترام المواطن، ولماذا اختفت الفضائل الملائمة لوظائف المهن، ولأننا افتقدنا كل شيء في غياب حقوق وكرامة وسلامة الموظفين، ولهذا برزت على السطح قذارة هذه الأرض، والمصيبة الكبرى أن البعض يقومون بتشجيع هذه الظاهرة تحت شعار (على كيف)، ولكن حضارة الأخلاق الإسلامية تعتمد على بناء الضمائر في الصدور، فبالضمائر الحية يكون التعامل الودود بين الناس حيث تطمئن النفوس.
وبتحقيقنا هذا طرحنا مشكلة أصبحت شبحا يلاحقنا يوميا، وتساؤلنا هو لماذا تراجعت أخلاقيات القائمين على الخدمات والمهن، وكيف نتجاوز ذلك ولا نقع في الحضيض، وهل نوافق على دفع عمولة مقابل خدمة عامة ملزم موظف الدولة تقديمها لك، وهل عندك الشجاعة أن تبلغ عن طالبي (الرشوة) أو على الأقل تفاديها، ولماذا تفشت هذه الظاهرة التي لم نعرفها من سابق، وأصبحت تحاصرنا في كل الاتجاهات؟!!.
> أ. د. علوي عمر مبلغ، أستاذ الفكر العربي الحديث والمعاصر بكلية الآداب - جامعة عدن يقول في هذه القضية:«من الموضوعات الأكثر إثارة وأهمية تأتي مسألة الرشوة، بدءا بالحديث عن إشكالياتها بمعزل عن الخوض في الأسباب المؤدية لها، بمعنى آخر جرى التعامل في البحث عن آلية علاج هذه المشكلة الشاخصة أمامنا بالبحث عن النتائج وليس الأسباب، الأمر الذي يفسر عدم مشروعية تصويب الحلول.
ومن هنا فإن لدى هذه المشكلة الكثير من الأطروحات التي تجعل الكثيرين يخوضون في هوامشها دون الاقتراب والتعرض إلى حصولها، وبالتالي يغدو الحديث عن معالجة هذه الظاهرة في العثور على ماهية أسبابها، على الرغم من أنها ظاهرة عالمية وتاريخية، ولكن مساحتها أقل بكثير مما هي عليه في عالمنا العربي عموما، والمدن اليمنية على وجه الخصوص، ولذلك فإن من أهم أسبابها على صعيد الذكر وليس الحصر تكمن في الآتي:
1- غياب الوازع الديني في معرفة حجم الأضرار المتعلقة بروادها والخوف من الله.
2- غياب مبدأ الثواب والعقاب.
3- ضآلة الراتب والأجور الشهرية التي لاتساوي شيئا إزاء الصعود الصاروخي للأسعار المحلية وليس العالمية.
4- البطالة والفقر والمرض والمحسوبية وعدم التعامل مع المواطنين بالتساوي.
5- عدم التعامل بجدية من قبل أجهزة الدولة مع متعاملي الرشوة من مسؤولي الدولة، بل الأدهى من ذلك يجري العمل على منحهم أوسمة الشرف والتقدير ومعاقبة الأبرياء.
6- عدم الأخذ بشعار (الرجل المناسب في المكان المناسب) وأصبح موضوع المهارات والقدرات واللقاءات العلمية والخبرات المهنية مصدر إزعاج للدولة، وظلت الثقة من قبل هذا المسؤول أو ذاك للمقربين باتجاه البعد والطابع العشائري - القبلي والقروي والحزبي ما يرجح كفة اختيار المناصب الرفيعة العليا في أجهزة الدولة وفروعها.
7- تعقيد الإجراءات وعشوائيتها في المستوى البدائي مما يجعل من السهولة التعامل بالرشوة.
8- تعطيل إجراءات تطبيق القوانين من قبل القائمين عليها ممن تناط بهم مهمة تطبيقه لعدم الشعور وببساطة من يعمل على محاسبتهم.
9- ضعف دور أجهزة المحاسبة والرقابة الشعبية وكذا الإعلام، بل الأفظع من هذا وذاك أن الرشوة تحظى بجدار سميك من الحماية يجعل من الصعوبة بمكان اختراق وتجاوز هذا السياج».
> الأستاذ عائش علي قادري، مدير ثانوية لطفي جعفر أمان عضو المجلس المحلي لمديرية صيرة أدلى بدلوه عندما طرحنا له موضوع النقاش : لماذا ترددت أخلاقيات القائمين على الخدمات؟ فقال:«لغياب الضمير الإنساني، وضعف الوزاع الديني لدى كثير من الناس القائمين على الخدمات والمهن وليس بالطبع جميعهم فهناك موظفون يؤدون واجباتهم الوظيفية في تقديم خدماتهم للمواطنين بنزاهة دون حصولهم على مقابل تلك الخدمات، فهم يشعرون أن هذا عملهم ويجب أن يقوموا به بأمانة وحرص شديد.
أما البعض الآخر - وهم الأكثرية في وقتنا الراهن - فقد غاب عنهم كما أشرنا سلفا الضمير الإنساني، وأصبحوا كالذئاب تنهش أجساد المواطنين المغلوبين على أمرهم من ذوي الدخل المحدود.
ولهذا يجب أن يصحو عندهم الضمير ويكون الوزاع الديني عندهم قويا، وأن تكون هناك محاسبة لمثل هؤلاء من قبل أجهزة الدولة المختلفة لردعهم عن هذه الظاهرة غير المستحبة، وأن يكونوا عبرة للآخرين الذين يفكرون في هذه الظاهرة.. لأن هذه الظاهرة غير مستحبة وسيئة جدا يجب الحد منها بالوسائل الممكنة، ولكن لا ننسى أن هناك الكثير من الناس يساعدون على تفشي هذه الظاهرة ويقومون بعملية دفع العمولة مقابل الخدمة خوفا من أن لا تقضى لهم الحاجة التي يريدونها.. وأمتلك الشجاعة بأن أقوم بالإبلاغ عن من يطلب العمولة، ولكن بشرط أن تتجاوب الأجهزة المختلفة وتقوم بتنفيذ المسؤوليات التي تقع على عاتقها، وأن تقوم بإنزال أقصى العقوبة على طالب هذه العمولة، حتى يثق المواطنون بأن هناك محاسبة لمثل هؤلاء، ما لم سيكون هناك صعوبة في الحد من هذه الظاهرة السيئة في مجتمعنا».
وعن تفشي هذه الظاهرة أجاب:«تفشت هذه الظاهرة كما قلت من سابق لغياب الضمير الإنساني وكذا ضعف الوازع الديني، وأصبح كثير من هؤلاء يفكرون بأن أخذ هذه العمولة أصبح بالنسبة لهم حقا مشروعا، وأنهم يجب أن يحسنوا من دخلهم المعيشي، ولا يبالون إن كان ذلك قد تم على حساب أناس آخرين قد يكون وضعهم المعيشي أسوأ منهم بكثير.
ولهذا لا يمكن محاصرة هذه الظاهرة والحد منها على الأقل إلا بصحوة الضمير ومعرفة سوء هذه الظاهرة، وكذا مساعدة أجهزة الدولة المختلفة في محاسبة مثل هؤلاء (الجشعين)، وإدراك هؤلاء بأنهم موظفون وملزمون بأن يقوموا بتقديم الخدمات وقضاء الحاجات للمواطنين لأنهم يتسلمون مقابل ذلك راتبا من قبل الدولة، وأما غير ذلك فيعتبر حراما عليهم».
> الأخ سمير يحيى الوهابي ،حرة إذاعي رئيس لجنة التخطيط والتنمية بمحلي التواهي يجيب بالقول: «الرشوة ظاهرة اجتماعية مقيتة تهدد السلم الاجتماعي والتنمية، وهي صورة من الصور الإنسانية الاجتماعية الشيطانية تبدأ بالرشوة منذ ركوبك لحافلة النقل الصباحية وبمبالغ مختلفة تبدأ بخمسين ريالا وتنتهي بالمئات لطالبي الوظائف وبالملايين لطالبي الأراضي!.
وهي حاليا تتخذ ألوانا فليس على سبيل المثال أن يكون بالمقايضة كمبلغ نظير خدمة، فأصبحت تعطى على شكل هدايا وهي تندرج في الأصل في خانة تلك الظاهرة (الرشوة).
وقد تسربت تلك الظاهرة إلى حرم الكليات والمدارس والمستشفيات ولم تعد تمارس في المواقع الخدماتية والاجتماعية، لم نجد أي دور ممارس في كبحها بسبب ضعف الوازع الديني عند المواطن، فتجد أنت اليوم العديد من الظواهر المقيتة وغير الصحية، على سبيل المثال الأوساخ في الشوارع والأحياء السكنية وغيرها التي من أسبابها المواطن غير المبالي بنظافة الحي والشارع ورغم التراكم الثقافي الإسلامي من مواعظ وقرآن كريم وأحاديث نبينا محمد (صلى الله عي وسلم) ودور المساجد والإعلام، فلا نزال نشكو يومياً من هذا الفعل المريض.
فإذا نزلت إلى شارعك وسألت من يرمي القمامة فيجيب أهل الحي لانعلم، وإذا علمت من يرمي القمامة وبلغت عنه البلدية لأقام الدنيا على رأسك وكأن الأمر لا يهمه فما بالك بالرشوة.
فالمواضيع الاجتماعية بكل صورها الاجتماعية تبدأ من المنزل الصغير، طبعاً لو سألت أي مواطن عن رأيه بالرشوة سيكون رده الرفض والمحاربة لهذا المرض.. أما كيف نحاربها فعندما يتجذر عند كل مواطن الوازع الديني قولاً وفعلاً وتعيين قيادات كفؤة في العمل الإداري والمالي والاقتصادي، والشفافية في الإدارة».
> صالح محمود البعيلي يرى أن «الأخلاق هي حزمة مترابطة ومتكاملة من الثوابت يتقدمها الإيمان والعقيدة والوازع الديني والصدق والأمانة والتراحم والتعاون..إلخ من المحاسن بالإضافة إلى الحياء (الحياء من الإيمان) وإن لم تستحِ فاصنع ما شئت.
وهذه القيم لا تتراجع إلا إذا كانت في الأساس مفقودة.. وما نراه حاصلاً ماهو إلا تراجع لسلوك حفنة من البشر مسبقاً يفتقرون للأخلاق وكانوا يصطنعوها. وتراجع هذه السلوكيات مرده في اعتقادي يرجع إلى :
1- الأمية الثقافية وعدم الوعي والإدراك لما قد يلحق بالمجتمع عاجلاً أم آجلاً في شتى مجالات حياته، حيث سيدفع ثمنها باهظاً، (لكنه الجهل ذي خلاك في الناس دون).
2- قبول المجتمع بالعديد من الظواهر السلبية وعدم الجرأة والتردد في القول للمسيء أسئت.
3- غياب المحاسبة ومبدأ الثواب والعقاب».
وحول العمولة وهل يوافق على دفعها يجيب:«أنا أعتبرها غير مشروعة لأنها رشوة وإن اختلفت تسمياتها ومبرراتها من قبل ضعفاء النفوس.
وإيماناً واعتقاداً أن الراشي والمرتشي في النار، كما قال رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلوات والتسليم».
> أما أنور سعيد غانم فيجيب قائلاً:«السبب هو تردي الوضع الاقتصادي والإداري وعدم مراقبة الدولة على المرافق الحكومية وهذا يدل على قيمة الفساد من قبل المسؤولين، وأنا لا أوافق على دفع عمولة مقابل تسهيل معاملتي، ولكن مع الأسف الشديد إن لم أدفع رشوة تلغى معاملتي وسيقوم الموظف بإخراج أعذار كثيرة والسبب في هذا ليس لدينا حكومة كما يقال.
وعندي الشجاعة أن أبلغ عنه وأن أكتب في الصحافة، لكن سأكون قد خسرت معاملتي وخسرت كل شيء، لأني قمت بالتبليغ عنه عند مسؤوله، والمشكلة أن رئيسه متفق معه ولديهم أخطبوط كبير جداً متشعب في كل المرافق بضوء أخضر من الجهات العليا.
والنظام والقانون ليس لهما أي وجود فاعل وإن كانت لدينا حكومة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكانت الأمور تمشي لوحدها كما كانت سابقاً».
> زيد أحمد علي، صاحب مطعم أخذنا رأيه في موضوع النقاش فقال:«قد يعود تردي الأخلاقيات إلى عدة أسباب الأهم منها ضعف الوازع الديني لتراجع أخلاقيات القائمين على الخدمات والمهن وعدم الاستشعار بقدر المسؤولية والأمانة التي يتحملها القائمون على مرافق الخدمات العامة بالإضافة إلى ذلك نجزم أن معدل الدخل الضئيل والمتدني للموظف العام ويتمثل في راتبه المحدود الذي يتقاضاه آخر كل شهر مع وجود ارتفاع هائل في أغلب متطلبات الحياة وبشكل جنوني يعتبران من أهم الأسباب التي عملت على تخلي هؤلاء القائمين على الخدمات عن أخلاقياتهم ومبادئ لابد أن يتمسكوا بها.
أعتقد أن العمل على تجاوز تلك الظاهرة في نشر الوعي لدى أولئك القائمين، ولدى المجتمع وتوضيح مدى الجرم الذي قد يرتكبه كل من يقدم الرشوة أو من يتسلمها.
فيجب أن لا ننجر تحت أي ظرف إلى أن ندفع أي عمولة أو مبلغ خصوصاً ما يعرفه الكل بـ( ابن هادي) أو (حق القات)، فالعمل الذي يتوجب على الموظف تقديمه إلى المواطن أو المراجع لمعاملة ما هو مهمة تندرج تحت واجبات ذلك الموظف.
وعليه أن يقدمها للمواطن بدون أي مقابل، لأنه يؤدي ما كلف به ويندرج تحت واجباته الوظيفية».
وعند سؤاله إن كان يقدر على الإبلاغ عن المرتشي؟ أجاب:
«نعم أنا أملك الشجاعة في الإبلاغ عن هذه الظاهرة المخلة، ولابد لكل فرد في المجتمع أن لا يتردد يوماً ما حين يجد مثل هذه الحالات والإبلاغ عنها حتى نعمل جميعاً من أجل حد انتشار ظاهرة الرشوة».
واختتم حديثه قائلاً:«إن تفشي هذه الظاهرة يرجع للأسباب التي ذكرتها في مطلع هذه السطور فلابد علينا الاستشعار بالمسؤولية والتكاتف جميعاً أفراد وهيئات ومنظمات . بالإضافة إلى المؤسسات التي تتحمل مسؤولية الأمن ومكافحة الفساد من أجل محاصرة هذه الظاهرة السيئة، كما نص على ذلك الدين الحنيف ولابد من محاربتها واستئصالها واستئصال جذورها من منابعها».
> عضو المجلس المحلي لمديرية البريقة محافظة عدن م.محمد عبدالله حسن، أجاب:«لاشك أن أخلاقيات الناس القائمين على الخدمات المرتبطة بالمجتمع قد تناقصت بشكل ملحوظ ، وذلك ناتج عن السلوكيات المتقوقعة على حياتنا بالإضافة بحسب رأيي إلى عدم المحاسبة للواقعين في هذه الأزمة التي أصبحت جزءا من حياتنا وتكون عبرة لمن فكر في الوقوع بها. ولانغفل أيضا بأن هناك موظفين قائمين على الخدمات يخافون الله قبل كل شيء وهم قلة».
وعند سؤاله إن كان يوافق على دفع عمولة مقابل خدمة عامة أجاب:«قبل الشروع في الرد يجب أن نفرق بين عمولة ورشوة إذا كانت هذه الخدمة تقتضي عمله فلا ينبغي أخذ أي شيء أكانت عمولة أو رشوة، لأن الموظف يتسلم مقابل تقديمه الخدمات التي توكل إليه.
كما ذكرنا مسبقاً بأن ظاهرة الرشوة أصبحت جزءا من حياتنا، ولكن من خلال تجربتي المتواضعة في التعامل مع مختلف الشرائح المجتمعية نلاحظ أن هناك بصيصا من الأمل بأن تخف هذه الظاهرة وخاصة متى ما كانت من القضاء.
وأما مسألة إمكانية التبليغ أو المنع فأقول نعم، فهذا يرجع إذا ما توفر المكان والزمان لذلك. يجب أن تتكاتف جميع الأطراف بدءا من المنزل والسلوكيات وبعدها التربية والمدرسة وبعدها القائمين على العمل والقضاء والإعلام، كل هذه يجب أن توظف حتى نقي أنفسنا شر هذه البلية».
وبتحقيقنا هذا طرحنا مشكلة أصبحت شبحا يلاحقنا يوميا، وتساؤلنا هو لماذا تراجعت أخلاقيات القائمين على الخدمات والمهن، وكيف نتجاوز ذلك ولا نقع في الحضيض، وهل نوافق على دفع عمولة مقابل خدمة عامة ملزم موظف الدولة تقديمها لك، وهل عندك الشجاعة أن تبلغ عن طالبي (الرشوة) أو على الأقل تفاديها، ولماذا تفشت هذه الظاهرة التي لم نعرفها من سابق، وأصبحت تحاصرنا في كل الاتجاهات؟!!.
> أ. د. علوي عمر مبلغ، أستاذ الفكر العربي الحديث والمعاصر بكلية الآداب - جامعة عدن يقول في هذه القضية:«من الموضوعات الأكثر إثارة وأهمية تأتي مسألة الرشوة، بدءا بالحديث عن إشكالياتها بمعزل عن الخوض في الأسباب المؤدية لها، بمعنى آخر جرى التعامل في البحث عن آلية علاج هذه المشكلة الشاخصة أمامنا بالبحث عن النتائج وليس الأسباب، الأمر الذي يفسر عدم مشروعية تصويب الحلول.
ومن هنا فإن لدى هذه المشكلة الكثير من الأطروحات التي تجعل الكثيرين يخوضون في هوامشها دون الاقتراب والتعرض إلى حصولها، وبالتالي يغدو الحديث عن معالجة هذه الظاهرة في العثور على ماهية أسبابها، على الرغم من أنها ظاهرة عالمية وتاريخية، ولكن مساحتها أقل بكثير مما هي عليه في عالمنا العربي عموما، والمدن اليمنية على وجه الخصوص، ولذلك فإن من أهم أسبابها على صعيد الذكر وليس الحصر تكمن في الآتي:
1- غياب الوازع الديني في معرفة حجم الأضرار المتعلقة بروادها والخوف من الله.
2- غياب مبدأ الثواب والعقاب.
3- ضآلة الراتب والأجور الشهرية التي لاتساوي شيئا إزاء الصعود الصاروخي للأسعار المحلية وليس العالمية.
4- البطالة والفقر والمرض والمحسوبية وعدم التعامل مع المواطنين بالتساوي.
5- عدم التعامل بجدية من قبل أجهزة الدولة مع متعاملي الرشوة من مسؤولي الدولة، بل الأدهى من ذلك يجري العمل على منحهم أوسمة الشرف والتقدير ومعاقبة الأبرياء.
6- عدم الأخذ بشعار (الرجل المناسب في المكان المناسب) وأصبح موضوع المهارات والقدرات واللقاءات العلمية والخبرات المهنية مصدر إزعاج للدولة، وظلت الثقة من قبل هذا المسؤول أو ذاك للمقربين باتجاه البعد والطابع العشائري - القبلي والقروي والحزبي ما يرجح كفة اختيار المناصب الرفيعة العليا في أجهزة الدولة وفروعها.
7- تعقيد الإجراءات وعشوائيتها في المستوى البدائي مما يجعل من السهولة التعامل بالرشوة.
8- تعطيل إجراءات تطبيق القوانين من قبل القائمين عليها ممن تناط بهم مهمة تطبيقه لعدم الشعور وببساطة من يعمل على محاسبتهم.
9- ضعف دور أجهزة المحاسبة والرقابة الشعبية وكذا الإعلام، بل الأفظع من هذا وذاك أن الرشوة تحظى بجدار سميك من الحماية يجعل من الصعوبة بمكان اختراق وتجاوز هذا السياج».
> الأستاذ عائش علي قادري، مدير ثانوية لطفي جعفر أمان عضو المجلس المحلي لمديرية صيرة أدلى بدلوه عندما طرحنا له موضوع النقاش : لماذا ترددت أخلاقيات القائمين على الخدمات؟ فقال:«لغياب الضمير الإنساني، وضعف الوزاع الديني لدى كثير من الناس القائمين على الخدمات والمهن وليس بالطبع جميعهم فهناك موظفون يؤدون واجباتهم الوظيفية في تقديم خدماتهم للمواطنين بنزاهة دون حصولهم على مقابل تلك الخدمات، فهم يشعرون أن هذا عملهم ويجب أن يقوموا به بأمانة وحرص شديد.
أما البعض الآخر - وهم الأكثرية في وقتنا الراهن - فقد غاب عنهم كما أشرنا سلفا الضمير الإنساني، وأصبحوا كالذئاب تنهش أجساد المواطنين المغلوبين على أمرهم من ذوي الدخل المحدود.
ولهذا يجب أن يصحو عندهم الضمير ويكون الوزاع الديني عندهم قويا، وأن تكون هناك محاسبة لمثل هؤلاء من قبل أجهزة الدولة المختلفة لردعهم عن هذه الظاهرة غير المستحبة، وأن يكونوا عبرة للآخرين الذين يفكرون في هذه الظاهرة.. لأن هذه الظاهرة غير مستحبة وسيئة جدا يجب الحد منها بالوسائل الممكنة، ولكن لا ننسى أن هناك الكثير من الناس يساعدون على تفشي هذه الظاهرة ويقومون بعملية دفع العمولة مقابل الخدمة خوفا من أن لا تقضى لهم الحاجة التي يريدونها.. وأمتلك الشجاعة بأن أقوم بالإبلاغ عن من يطلب العمولة، ولكن بشرط أن تتجاوب الأجهزة المختلفة وتقوم بتنفيذ المسؤوليات التي تقع على عاتقها، وأن تقوم بإنزال أقصى العقوبة على طالب هذه العمولة، حتى يثق المواطنون بأن هناك محاسبة لمثل هؤلاء، ما لم سيكون هناك صعوبة في الحد من هذه الظاهرة السيئة في مجتمعنا».
وعن تفشي هذه الظاهرة أجاب:«تفشت هذه الظاهرة كما قلت من سابق لغياب الضمير الإنساني وكذا ضعف الوازع الديني، وأصبح كثير من هؤلاء يفكرون بأن أخذ هذه العمولة أصبح بالنسبة لهم حقا مشروعا، وأنهم يجب أن يحسنوا من دخلهم المعيشي، ولا يبالون إن كان ذلك قد تم على حساب أناس آخرين قد يكون وضعهم المعيشي أسوأ منهم بكثير.
ولهذا لا يمكن محاصرة هذه الظاهرة والحد منها على الأقل إلا بصحوة الضمير ومعرفة سوء هذه الظاهرة، وكذا مساعدة أجهزة الدولة المختلفة في محاسبة مثل هؤلاء (الجشعين)، وإدراك هؤلاء بأنهم موظفون وملزمون بأن يقوموا بتقديم الخدمات وقضاء الحاجات للمواطنين لأنهم يتسلمون مقابل ذلك راتبا من قبل الدولة، وأما غير ذلك فيعتبر حراما عليهم».
> الأخ سمير يحيى الوهابي ،حرة إذاعي رئيس لجنة التخطيط والتنمية بمحلي التواهي يجيب بالقول: «الرشوة ظاهرة اجتماعية مقيتة تهدد السلم الاجتماعي والتنمية، وهي صورة من الصور الإنسانية الاجتماعية الشيطانية تبدأ بالرشوة منذ ركوبك لحافلة النقل الصباحية وبمبالغ مختلفة تبدأ بخمسين ريالا وتنتهي بالمئات لطالبي الوظائف وبالملايين لطالبي الأراضي!.
وهي حاليا تتخذ ألوانا فليس على سبيل المثال أن يكون بالمقايضة كمبلغ نظير خدمة، فأصبحت تعطى على شكل هدايا وهي تندرج في الأصل في خانة تلك الظاهرة (الرشوة).
وقد تسربت تلك الظاهرة إلى حرم الكليات والمدارس والمستشفيات ولم تعد تمارس في المواقع الخدماتية والاجتماعية، لم نجد أي دور ممارس في كبحها بسبب ضعف الوازع الديني عند المواطن، فتجد أنت اليوم العديد من الظواهر المقيتة وغير الصحية، على سبيل المثال الأوساخ في الشوارع والأحياء السكنية وغيرها التي من أسبابها المواطن غير المبالي بنظافة الحي والشارع ورغم التراكم الثقافي الإسلامي من مواعظ وقرآن كريم وأحاديث نبينا محمد (صلى الله عي وسلم) ودور المساجد والإعلام، فلا نزال نشكو يومياً من هذا الفعل المريض.
فإذا نزلت إلى شارعك وسألت من يرمي القمامة فيجيب أهل الحي لانعلم، وإذا علمت من يرمي القمامة وبلغت عنه البلدية لأقام الدنيا على رأسك وكأن الأمر لا يهمه فما بالك بالرشوة.
فالمواضيع الاجتماعية بكل صورها الاجتماعية تبدأ من المنزل الصغير، طبعاً لو سألت أي مواطن عن رأيه بالرشوة سيكون رده الرفض والمحاربة لهذا المرض.. أما كيف نحاربها فعندما يتجذر عند كل مواطن الوازع الديني قولاً وفعلاً وتعيين قيادات كفؤة في العمل الإداري والمالي والاقتصادي، والشفافية في الإدارة».
> صالح محمود البعيلي يرى أن «الأخلاق هي حزمة مترابطة ومتكاملة من الثوابت يتقدمها الإيمان والعقيدة والوازع الديني والصدق والأمانة والتراحم والتعاون..إلخ من المحاسن بالإضافة إلى الحياء (الحياء من الإيمان) وإن لم تستحِ فاصنع ما شئت.
وهذه القيم لا تتراجع إلا إذا كانت في الأساس مفقودة.. وما نراه حاصلاً ماهو إلا تراجع لسلوك حفنة من البشر مسبقاً يفتقرون للأخلاق وكانوا يصطنعوها. وتراجع هذه السلوكيات مرده في اعتقادي يرجع إلى :
1- الأمية الثقافية وعدم الوعي والإدراك لما قد يلحق بالمجتمع عاجلاً أم آجلاً في شتى مجالات حياته، حيث سيدفع ثمنها باهظاً، (لكنه الجهل ذي خلاك في الناس دون).
2- قبول المجتمع بالعديد من الظواهر السلبية وعدم الجرأة والتردد في القول للمسيء أسئت.
3- غياب المحاسبة ومبدأ الثواب والعقاب».
وحول العمولة وهل يوافق على دفعها يجيب:«أنا أعتبرها غير مشروعة لأنها رشوة وإن اختلفت تسمياتها ومبرراتها من قبل ضعفاء النفوس.
وإيماناً واعتقاداً أن الراشي والمرتشي في النار، كما قال رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلوات والتسليم».
> أما أنور سعيد غانم فيجيب قائلاً:«السبب هو تردي الوضع الاقتصادي والإداري وعدم مراقبة الدولة على المرافق الحكومية وهذا يدل على قيمة الفساد من قبل المسؤولين، وأنا لا أوافق على دفع عمولة مقابل تسهيل معاملتي، ولكن مع الأسف الشديد إن لم أدفع رشوة تلغى معاملتي وسيقوم الموظف بإخراج أعذار كثيرة والسبب في هذا ليس لدينا حكومة كما يقال.
وعندي الشجاعة أن أبلغ عنه وأن أكتب في الصحافة، لكن سأكون قد خسرت معاملتي وخسرت كل شيء، لأني قمت بالتبليغ عنه عند مسؤوله، والمشكلة أن رئيسه متفق معه ولديهم أخطبوط كبير جداً متشعب في كل المرافق بضوء أخضر من الجهات العليا.
والنظام والقانون ليس لهما أي وجود فاعل وإن كانت لدينا حكومة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكانت الأمور تمشي لوحدها كما كانت سابقاً».
> زيد أحمد علي، صاحب مطعم أخذنا رأيه في موضوع النقاش فقال:«قد يعود تردي الأخلاقيات إلى عدة أسباب الأهم منها ضعف الوازع الديني لتراجع أخلاقيات القائمين على الخدمات والمهن وعدم الاستشعار بقدر المسؤولية والأمانة التي يتحملها القائمون على مرافق الخدمات العامة بالإضافة إلى ذلك نجزم أن معدل الدخل الضئيل والمتدني للموظف العام ويتمثل في راتبه المحدود الذي يتقاضاه آخر كل شهر مع وجود ارتفاع هائل في أغلب متطلبات الحياة وبشكل جنوني يعتبران من أهم الأسباب التي عملت على تخلي هؤلاء القائمين على الخدمات عن أخلاقياتهم ومبادئ لابد أن يتمسكوا بها.
أعتقد أن العمل على تجاوز تلك الظاهرة في نشر الوعي لدى أولئك القائمين، ولدى المجتمع وتوضيح مدى الجرم الذي قد يرتكبه كل من يقدم الرشوة أو من يتسلمها.
فيجب أن لا ننجر تحت أي ظرف إلى أن ندفع أي عمولة أو مبلغ خصوصاً ما يعرفه الكل بـ( ابن هادي) أو (حق القات)، فالعمل الذي يتوجب على الموظف تقديمه إلى المواطن أو المراجع لمعاملة ما هو مهمة تندرج تحت واجبات ذلك الموظف.
وعليه أن يقدمها للمواطن بدون أي مقابل، لأنه يؤدي ما كلف به ويندرج تحت واجباته الوظيفية».
وعند سؤاله إن كان يقدر على الإبلاغ عن المرتشي؟ أجاب:
«نعم أنا أملك الشجاعة في الإبلاغ عن هذه الظاهرة المخلة، ولابد لكل فرد في المجتمع أن لا يتردد يوماً ما حين يجد مثل هذه الحالات والإبلاغ عنها حتى نعمل جميعاً من أجل حد انتشار ظاهرة الرشوة».
واختتم حديثه قائلاً:«إن تفشي هذه الظاهرة يرجع للأسباب التي ذكرتها في مطلع هذه السطور فلابد علينا الاستشعار بالمسؤولية والتكاتف جميعاً أفراد وهيئات ومنظمات . بالإضافة إلى المؤسسات التي تتحمل مسؤولية الأمن ومكافحة الفساد من أجل محاصرة هذه الظاهرة السيئة، كما نص على ذلك الدين الحنيف ولابد من محاربتها واستئصالها واستئصال جذورها من منابعها».
> عضو المجلس المحلي لمديرية البريقة محافظة عدن م.محمد عبدالله حسن، أجاب:«لاشك أن أخلاقيات الناس القائمين على الخدمات المرتبطة بالمجتمع قد تناقصت بشكل ملحوظ ، وذلك ناتج عن السلوكيات المتقوقعة على حياتنا بالإضافة بحسب رأيي إلى عدم المحاسبة للواقعين في هذه الأزمة التي أصبحت جزءا من حياتنا وتكون عبرة لمن فكر في الوقوع بها. ولانغفل أيضا بأن هناك موظفين قائمين على الخدمات يخافون الله قبل كل شيء وهم قلة».
وعند سؤاله إن كان يوافق على دفع عمولة مقابل خدمة عامة أجاب:«قبل الشروع في الرد يجب أن نفرق بين عمولة ورشوة إذا كانت هذه الخدمة تقتضي عمله فلا ينبغي أخذ أي شيء أكانت عمولة أو رشوة، لأن الموظف يتسلم مقابل تقديمه الخدمات التي توكل إليه.
كما ذكرنا مسبقاً بأن ظاهرة الرشوة أصبحت جزءا من حياتنا، ولكن من خلال تجربتي المتواضعة في التعامل مع مختلف الشرائح المجتمعية نلاحظ أن هناك بصيصا من الأمل بأن تخف هذه الظاهرة وخاصة متى ما كانت من القضاء.
وأما مسألة إمكانية التبليغ أو المنع فأقول نعم، فهذا يرجع إذا ما توفر المكان والزمان لذلك. يجب أن تتكاتف جميع الأطراف بدءا من المنزل والسلوكيات وبعدها التربية والمدرسة وبعدها القائمين على العمل والقضاء والإعلام، كل هذه يجب أن توظف حتى نقي أنفسنا شر هذه البلية».