عدن.. ذاكرة الشرق والغرب وخصوصيتها التاريخية

> هشام عبدالعزيز ناشر :

> تنفرد مدينة عدن بخصوصية تاريخية يندر أن تجدها في المدن الأخرى, الأمر الذي يجعل إعلانها محمية تاريخية ضرورة لابد منها، فعدن- على ما يبدو- عاصرت تاريخ جنوب شبه الجزيرة العربية من البداية، أي منذ أن دخلت المنطقة العصر التاريخي، بل ربما يمتد نشاطها- رجوعا- إلى قبيل التاريخ, طالما أن الحديث متدوال عن وصول سفن الفراعنة- مبكرا- إلى جنوب البحر الأحمر، وطالما أصبح مؤكدا وجود بقايا أثرية ذات تأثيرات أفريقية في محمية صبر الأثرية، التي انتشرت ثقافتها على طول الساحل الغربي حتى شرق عدن، وتعود إلى العصر البرونزي.

الخصوصية التاريخية لعدن تكمن في إنها عاشت تاريخ اليمن كله، فهي مدينة سبأية، مدينة أوسانية وقتبانية، وكذلك حميرية، ثم أخذت دورها المميز في العصور الإسلامية وصولا إلى عصر الدويلات المستقلة، فهي سوق وميناء وفرضة لليمن، بل وبلاد العرب عند الكثير من المؤرخين العرب والمسلمين.

وهو ما جعلها مطمعا للغزاة والحركة الاستعمارية في المراحل اللاحقة، ومع ازدياد نشاط مينائها وعلو شأنها أصبحت تحتل مكانة في الخارطة العالمية في التاريخ المعاصر .

إن الخصوصية التاريخية لعدن تكمن-كذلك- في بقائها مدينة حية منذ النشأة الأولى لها حتى اليوم، ورغم تعرضها للدمار والتخريب في بعض المراحل، إلا أنها تميزت بنهوضها من جديد، فلم تندثر و لم تنتهِ، كما اندثرت الكثير من المدن التاريخية- عواصم الممالك اليمنية القديمة على سبيل المثال- بل ظلت تؤدي دورها بذات الأهمية في كل العصور رغم اختلاف ماهية هذه الأهمية باختلاف طريقة تعامل الحاكم معها.

من هنا لايستبعد أن تكون عدن- على غرار مدينة طروادة في تركيا- عبارة عن عدة مدن قامت الواحدة على أنقاض الأخرى، وتؤلف بمجموعها مراحل عدن التاريخية منذ القدم، وليس أدل على ذلك من رؤية المؤرخ الجليل عبدالله محيرز حول صهاريج عدن، فهو يرى أن صهاريج اليوم قامت على أنقاض صهاريج قديمة، إذ إن تعرض المدينة للإهمال من قبل السلطان الحاكم لليمن كأن يؤدي إلى إهمال صهاريجها، فتدفن الصهاريج بفعل ما تحمله مياه الأمطار والسيول من حجارة وطمي، وعندما تتحسن أحوال المدينة ويعود اهتمام الحاكم إليها يتم بناء صهاريج جديدة على أنقاض الصهاريج القديمة، وهكذا.

إن إعلان عدن محمية تاريخية يصب في خانة الحفاظ على جزء مهم من تاريخ اليمن، لاسيما أن المدينة لاتزال تحتوي على آثار غاية في الروعة والأهمية، بل إن بها ما يمكن الاستفادة منه اليوم، والعارف ببواطن المدينة وزواياها يدرك أن كل جزء فيها يحكي تاريخا يمكنه أن يثري الأجيال القادمة إلى ما شاء الله، كما أنه يمكن أن يشكل ركنا اقتصاديا مهما من خلال ما يعرف بالاقتصاد السياحي، الذي تشكل السياحة الأثرية حجر الزاوية فيه، فعدن ليست مجرد شواهد ومعالم عتيقة، ولكنها تحفة فنية يمكنها أن تجذب الكثير من عشاق الآثار والسواح الذين يجدون متعتهم في مناطق ومدن تحتوي على القليل من الآثار وذات أهمية أقل من أهمية آثار ومعالم عدن.

إن الكثير من شعوب الغرب والشرق تختزن في عـدن تاريخ وذكريــات لا حصـر لها، ومع قليل من الاهتمام والحمايــة لتاريخها يمكن أن تصبح عدن واحدة مــن أروع المدن الأثرية والسياحية فــي المنطقــة. لنتسلح بالشجاعة والمسئولية، ونعـلن عدن محمية تاريخية، لما فيه من فائدة عظيمة، ليس لعدن فحسب، بــل ولليمن كله.

مدرس التاريخ القديم/ جامعة عدن

المسئول المالي للجمعية اليمنية

للتاريخ والآثار - عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى