كوميونات الكفاية وكارتلات الكفاف .. سيناريوهات مستقبلية محتملة

> «الأيام» مساعد عبدالله بن ناجي :

> المقدمة:استطاع الإنسان بما أودع الله فيه من الطاقات والقدرات أن يسخر الأرض بمكوناتها ومكنوناتها لسد حاجاته الحياتية تبعا لنوع الحضارة التي ينتمي إليها وأيدلوجيتها التي تحكمه.

وبغض النظر عن صحة تصورات هذه الحضارة أو تلك من فسادها, ومن سلبياتها أو إيجابياتها، وفيما إذا هي من الحضارات ذات صبغات خدمية صرفة بكافة صورها أو بنائية للأفراد بكافة أجناسهم، فإن المبدأ الأساسي في كل الأحوال وقياسا على المقتضيات المنهجية كان بتركيز الفكر وبذل الجهد لتحقيق الهدف، فصارت نتاجاتها من العجب- مهما آلت إليه من الخراب والدمار- بحيث يقصدها السائحون والباحثون عن الفنون في شرق الأرض ومغربها، حيث الأهرامات والسدود وقنوات الري والجسور والجبال المنحوتة والمدرجات المستديرة والقلاع المحكمة والقصور الشامخة وتتملكهم الدهشة والرهبة لما يشاهدون.

وبطبيعة الحال شكلت الحضارة الغربية امتدادا لهذه الحضارات فبرعت في فنون الإدارة، وعبقرية التنظيم، وفي الصناعات الاستخراجية والتحويلية والخدمية (قطاع الفنادق والبنوك.. إلخ)، وفي تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتحسس عن بعد ونوازل الهندسة الوراثية، وبخاصة الجينوم البشري والترسانات العسكرية.

عقلاء هذه الحضارة لا يكتمون حقيقة أنها قامت على تراث أمم وحضارات أخرى، ويعترفون بأنها وإن هي صناعية إلا أنها من جذور زراعية على غرار حضارات الرافدين والهلال الخصيب وسد سبأ وأرض الكنانة.

هؤلاء أنفسهم أو من أبنائهم أو حفدتهم ما فتئوا يقيمون الأوضاع ويقلبون الأمور بمناطير تفاؤلية، وأحيانا تشاؤمية، تحاكي شعورهم تارة بالزهو والاستعلاء، وتارة بشعور التقصير، وعقدة الذنب، كل على حسب مرئياته وزاوية نظره وبعد أفقه الأيدلوجي.

في أعتاب الألفية الثالثة تكتوي الأمم المغلوبة على أمرها بنار النفط والغاز في غذائها وملبسها ومسكنها وتتقهقر التكنولوجيا أمام هذين العملاقين فيزداد لغزهما تعقيدا وغموضا.

تقييم أسعار النفط وبدائله:

عكفت المعاهد المتخصصة، والمراكز البحثية لديهم منذ وقت طويل على تقدير قيمة البرميل معمليا، كونه يمثل عصب حضارتهم، وإيجاد البديل يعتبر عاملا حاسما من عوامل الهيمنة والبقاء، فوجدوا أن تصنيعه يكلف 260 $U(قبل تدني صرف الدولار).

دوائر صنع القرار لم تكشف هذه المعلومة المحايدة, لأنها تثير الدول قبل الشعوب وتضرب اقتصاد السوق بأكمله في مقتل, فشددت على استمرار البحوث، حتى لدى الشركات النفطية الكبرى، وهذا بديهي وله ما يبرره.

لكن القرار ولو لم يفلت من أيديهم لبعض الوقت، إلا أنه ثبت بالملموس أن التكنولوجيات المعقودة عليها آمالهم بإفراط منذ البداية لم تعد تسعفهم، نعم هناك خيارات أخرى مثل طاقة الرياح، الحرارة الجوفية، الإشعاع الشمسي، التحويل الحيوي والطاقة النووية وغيرها كثير إلا أن عهد الطاقة الرخيصة ولَّى في حسرة إلى غير رجعة.

إذن ارتفاع أسعار النفط وما ترتب عليه من موجات الغلاء الأخرى ظاهرة لها دليل موضوعي - ذاتي- تقني ولا تتعلق بما يروج له في الإعلام بعض الخبراء بالعوامل الجيوسياسية ولا مضاربات السوق ولا نقص المخزونات الاستراتيجية ولا احتياطيات الدول إلا بنزر يسير جداً.

هبوط صرف الدولار يلقي بظلاله أيضاً على السعر العملي والمعملي للطاقة، فما السعر المتصاعد يوماً عن يوم منذ 2003م إلى %500 إلا نصف السعر الافتراض له دون حساب تدني الصرف الذي يقدر بـ %30 تقريباً.

والآن ما هو السعر النهائي لبرميل النفط؟

بحسب الدراسات والاستقراءات والاستنباطات المنصفة لجيوش الخبرة والجدارة لديهم ثبت أن سعر البرميل لا يقل عن 350 $U ومن رضي فله الرضا ومن سخط فلا يلومن إلا نفسه.

تصريحات الخبراء ومدراء الشركات العالمية وبعض أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تؤكد ملامسة سعر البرميل سقف 250 $U مع نهاية هذا العام.

والسؤال كم سيكون سعره في العام القادم؟ والجواب دون شك عند من لا يغمطه حقه فالبترول بدأ ينطق بلغة تفهمها كل الأمم وآن لها أن تعقل

الفوائض النقدية ومسؤؤلية الاستحقاق:

لا شك أن الفوارق في سعر البرميل لإجمالي المبيعات من النفط لدولة معينة إذا تم احتسابه مثلاً خلال عقدين من الزمان بمتوسط حسابي عادل فإن الأرقام الناتجة ستكون ولا شك فلكية، لكنها في الحقيقة ليست ضائعة إنها في أرصدة الشركات الاستثمارية والدول الصناعية، أما الدول النامية والمتخلفة فليس لها من هذه العوائد إلا ما يحفزها لمزيد من المغامرات الخاسرة.

وكما ذكرنا في سياق الحديث أن عقلاء الحضارة يقرون بمظلومية دول العالم الثالث وما على دول كهذه إلا أن تفوق من سباتها فلا زال لديها متسع من الوقت والخيارات المؤكدة للتعويض عما فات.

الشركات العابرة والاستكشافات الجديدة:

سجلت شركات الاستثمار النفطي المباشر في العقدين الأخيرين العديد من الاكتشافات الجديدة في بلدان ذات احتياطيات سابقة كالسعودية والكويت وإندونيسيا ونيجيريا وغيرها وفي أخرى لأول مرة ومنها اليمن وعمان ومصر والسودان، فما على الأرض أكثر من ذلك.. تزود العالم الثالث اقتصادياً الدول الصناعية بما مقداره %30 من حاجاته النفطية وتمتلك %80 من احتياطيات النفط العالمية، لكن المردودات مخيبة للآمال حتى الآن، فالناتج المحلي الإجمالي لمعظمها لم يحقق الطفرة المتوقعة بل زاد من انتكاساته وهشاشته واستعادت ذاكرة المواطن المغبون زمن الملح المستخلص من ماء البحر، الذي كان مردوده يجلب الأساطيل البرية من اليابان وإيطاليا في اتفاقيات مقايضة.

هناك أشكال ما يعرف بالترتيبات التعاقدية بين الدول والشركات وتشمل:

- اتفاقيات المشاركة في الإنتاج:

تسيطر على %50 من العقود المبرمة بين الشركات الأجنبية والدول النامية وهذا الشكل من أشكال التعاقد يوجد في ليبيا والسودان و(العراق) وقطر والصين وإندونيسيا وفيتنام.

- عقود الامتياز والمشاريع المشتركة:

وهما شكلان سائدان في الجزائر وفنزويلا وروسيا والبرازيل.

- عقود الخدمة:

وهي من أقل الأشكال شيوعاً ولكنها تحتل أهمية خاصة في كل من الكويت وإيران، وقد أدخل في العراق المحتل هذا النوع من التعاقد بحجة الإسناد الفني وتطوير الحقول وتحديث المعدات ولا يخفى ثقل الأعباء على اقتصاده المنحوس!

أما المكسيك والسعودية فتحظران الاستثمار الأجنبي المباشر حظراً تاماً.

ومهما تغيرت الأسباب فالموت واحد فلم تتغير مستويات الحياة المعيشية للشعوب ولن تتغير وغنى الأغنياء سببه التكنولوجيات وفقر الفقراء سببه (سوء الطالع والتبعيات البسيطة والمركبة).

فبالنظر إلى مستوى دخل الفرد في الدول النامية بالنسبة للنائج الإجمالي، فهناك تفاوت عريض ضمن هذه الشريحة من الدول وفي أدناها لا يساوي أكثر من %4 من دخل الفرد في الدول الصناعية.

المسؤولية تقع الآن على عاتق الدول المعنية باتخاذ القرار في اتباع سياسات ترضي ضميرها وشعوبها فيما يخص المراقبة والمتابعة لنشاط الشركات العاملة لمنع تدهور عطاءات الحقول المكتشفة بسبب الضغط المتواصل على المكامن ووقف الحفر العشوائي وبتوجيه الأرباح المستخلصة في مشروعات أخرى لا إلى إعادة تحويلها إلى موطن الشركة الأم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرى المالتوسيون ومناهضو التقدم التكنولوجي المفرط (التشاؤميون) من زاوية رؤية حادة أن التوازنات البيئية في منظومتها الكاملة لن تتحقق إلا بتوقف العمليات التكنولوجية الجائرة برمتها، وغني عن البيان أن التأثيرات من قبل الشركات المتعددة الجنسيات على البيئة لا تحصى ولا تعد وهذا مدخل آخر على هذه الشركات لدفع التعويضات جراء عملياتها المدمرة. على أن (التفاؤليين) لديهم - هم أنصار التكنولوجيا - يوحون أن هذه العمليات لابد منها فإن الحضارات لا تقام إلا على انقاض حضارات أخرى وأمم أخرى ويجب إحلالها بالثقافة والمثل والأخلاق واللغات الغربية على طريق التحول الديموغرافي القسري للثقافة والسياسة والاقتصاد.

الخاتمة والحلول:

في ضوء ما تقدم وفي إطار هذه العلاقات الاستخفافية لا يمكن للدول المتقدمة أن تتوقف ولا المتأخرة أن تتقدم إلا أن يشاء الله، لكننا نسمع عن حوار (الحضارات) وما على الدول الفقيرة إلا إدراج بند تقييم استثمارات النفط والغاز والمواد الأولية ضمن مطالباتها، لكنها لن تقطف الثمار بجدارة إلا بإتقان السيناريو الآتي:

- طالما لديها احتياطيات فلتجرب الاستقلال الذاتي جنباً إلى جنب كالهند والصين.

- البدء فوراً بتوجيه العوائد إلى التنمية الزراعية وهذا ما أقرته القيادة السياسية في اليمن في غير مناسبة.

- إيجاد البدائل المناسبة للطاقة كالغاز مثلاً في نفس الوقت لفترة كافية من الزمن وإدخال بدائل أخرى إن أمكن وبعقود استثمار عادلة.

- عدم الدخول في استثمارات لمدخرات سيادية حتى يمكن السيطرة على الوضع الحالي.

- إشراك السلطات المحلية في تكثيف الرقابة المالية والإدارية والفنية على أنظمة الشركات العاملة.

-التركيز على تكثيف العمالة والكفاءات والحرص على التوسع في تدريبها وتأهيلها.

أما السيناريو الآخر (كلمة سواء) فيتعلق بالشركات ودولها:

- عدم تكثيف رأس المال وترشيد الاستهلاك.

- دراسة جدوى مشروعات أخرى في البلد المضيف تساهم في بقاء الأرباح فيه.

-تطبيق ضوابط الحفاظ على المنظومة البيئية بكلياتها كما هو الحال في البلد الأم والتعويض العادل إذا ما تم الإخلال ولو بجزء من جزئياتها.

- المساهمة في التوزيع العاجل للثروة على غرار البلد الأم ما لم فالقائمة السوداء (تجربة الترويج).

ولن تتوصل قمم الدول الثماني G8 اليابان ولا الدول الفقيرة في مالي ولا الدول الإسلامية D8 في ماليزيا المنعقدة حالياً إلى نتائج عملية تذكر إلا إذا التقت على صعيد واحد وأجندة واحدة.

جيوفيزيائي- هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية

مكتب وزارة النفط والمعادن م/شبوة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى