حكاية الثلاث الأصابع

> عصام محمد مقبل:

> الحضارات تتغير بحسب الحقب الزمانية، والإنسان يتغير معها، فلا يبقى هو هو في كل العصور، بل يختلف باختلاف الزمان والمكان والحضارة التي عاش فيها.

وببساطة الحضارة هي خروج عن الوحشية والخشونة إلى التهذيب ودماثة الخلق، أما الإنسان غير الحضري- البدائي- كما يقول الفيلسوف (هوبس) إنسان ساذج متوحش خال من الآداب، أمي لا اجتماعي.

والحضارة تؤثر في ثقافات الناس وفي عاداتها وتقاليدها وملبسها ومشربها وحتى في طعامها.

وقرأت عن رحلة ابن دحلان حين أرسله الخليفة العباسي عام 910م، فوجد البلغار يعيشون كالحيوانات، فقبل الأكل تمر الخادمة بوعاء به ماء يقومون بغسل وجوههم وأفواههم وأنوفهم فيه، وتنقل الوعاء من واحد للآخر ويضيفون قذارة فوق قذارة دون قرف أو غثيان، واحتاج البلغار إلى تسعة قرون لكي يكون لهم سلوك حضاري.

وبعد عدة قرون تطور الأوروبيون عموما، ورأيناهم أكثر رقيا في تناول الطعام، وأصبح عندهم من العيب تقطيع المكرونة بالسكين، بل عليك لفها على الشوكة وتكون الملعقة عاملا مساعدا.

ورأينا الفرنسيين من العيب عندهم أن يأكل اثنان من طبق واحد، ولكل واحد شوكته وسكينه وطبقه الخاص (انظر الطهطاوي - تخليص الإبريز).

والكوريون والصينيون على قدر ما هم شعوب أنيقة راقية محترفة لطيفة، لكن من عاداتهم أكل الكلاب والقطط، والكوري يفضلها طازجة فيشتريها هو ويقوم بذبحها هو وقد يطبخ القط على (دست الضغط) علشان المرق يكون دسما، أو يأكل القط المطبوخ بالفحم مع الرز بالشطة. وممكن تحلي بشوية حشرات من بائعها المتجول.

وإذا لم تستطع التعامل مع العيدان في المطعم الياباني استعمل الملعقة بشرط ألا تضعها على المائدة أو في الطبق، لأن ذلك لايكون إلا في حالة الوفاة.

والصينيون لهم طقوس عند شرب الشاي، فيجلسون على ركبهم أثناء الشرب وينقرون نقرا خفيفاً على المائدة بثلاث أصابع دليلا على الإعجاب وكل إصبع له دلالة معينة.

وفي مصر يقابلك الجرسون في المطعم بمنتهى الحفاوة والترحيب الحار، وهذا حصل مع ولدي عمرو العام الفائت، فقال لي ولدي: يا بابا الجرسون يبدو أنه يعرفنا، قلت له: لا هذا زي اجتماعي ورقي.

وفي بلدنا أكلات جميلة ولذيذة وخدمات راقية في المطاعم، فموجود الزربيان، المندي المخبازة، وغيرها من الأطعمة، لكني قبل أيام شاهدت جرسونا يهرش جسده بالأصابع العشر واستخدم الثلاث الأصابع نفسها، التي استعملها الصيني للنقر، في هرش جسده ومناطق حساسة وعميقة في جسده، وقدم لنا وجبتنا!.

إنها الحضارة تطورت، تحورت، تبدلت.. حتى أصبحنا لانفرق بين الأدب وقلة الأدب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى