> الوزير الأسبق للنفط والثروات المعدنية لليمن المتحدة السيد صالح بن حسينون وابن أخيه (زين محمد أبوبكر بن حسينون) قتلا خلال معركة جرت بالقرب من فوه - تبعد ببضعة أميال غربي المكلا - على الساحل الحضرمي من اليمن في الرابع من يوليو عام 1994م.

السيد صالح أبوبكر بن حسينون ولد في كوخ مصنوع من القصب والقش نحو عام 1936 (ملحوظة: وفقا لرواية ابنه طارق فإن تاريخ الميلاد 1939) بالقرب من غيل بن يمين في منطقة (حرو)..وهذه المنطقة تدعي كل من السلطنتين القعيطية والكثيرية أنها تمتلكها في حين الواقع يؤكد أن كلتيهما لا تسيطران عليها.

سادة حضرموت ينحدرون من سلالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من خلال عقب السيد أحمد بن عيسى المهاجر الذي ارتحل مع عائلته من العراق إلى حضرموت نحو عام 951م.. وغالبيتهم حضر يعيشون في القرى والمدن والقليل منهم شبه بدو يعيشون بين قبائل الجبال الواقعة بين الساحل الحضرمي ووادي المسيلة.

كتبه في حينه (J.N.ELLIS) ج. ن. أليس

يقال أن هؤلاء الأخيرين انتقلوا للعيش في البادية بهدف هداية تحالف الحموم القبلي إلى الولاء الحقيقي للإسلام.. وهو الهدف الذي لم ينجحوا في تحقيقه على النحو المطلوب.. لكنهم واصلوا بقاءهم هناك كصناع سلام بين القبائل، يطفئون الحروب ويحلون المنازعات التي تنشأ عادة بين الفروع القبلية والعائلات المسلحة وقد تقبول بعض سادة الحموم هؤلاء واكتسبوا عادات وتقاليد غيرهم من الحموم.

لكن الفرع الذي ينتمي إليه السيد صالح ويسمى آل مولى الدويلة، احتفظوا بتميزهم، ونالوا أعلى درجات الاحترام في ذلك المجتمع.. لكن التميز هذا لم يعفهم من معاناة آثار (المجاعة) المشئومة التي حلت بحضرموت في أربعينات القرن العشرين.. نجا السيد صالح من تلك (المجاعة) وما سببته من هلاك لكثير من البشر بمن فيهم بعض أفراد أسريه..(ملحوظة: تفيد مصادر أسرة بن حسينون أن أسرة أبوبكر بن حسينون (والد الراحل صالح) كانت أسرة ثرية تملك مزارع نخيل واسعة ولم تتأثر من المجاعة).. في تلك الفترة جرى تسجيل السيد صالح كطالب بمدرسة أولاد البادية، وهي بمثابة جناح الناشئين للفيلق البدوي الحضرمي، الجيش التابع للمستشار البريطاني المقيم.

بعد تلقيه التعليم الأولي في هذه المدرسة (وقد كان في ذلك الزمن هو التعليم كله).. التحق السيد صالح بالجيش البدوي الحضرمي، وجرى تدريبه ليصبح ضابطا طبيا، وجزء من تدريبه ذاك جرى في بعثة (كيث فالكونر) ومستشفاها المقام بعدن.

لقد قضى السيد صالح معظم فترة خدمته بالقواعد والمراكز الأمامية، وكان معظم من يتلقون العلاج على يديه هم من أهالي الجبال والصحراء الذين كانوا ينظرون إليه باعتباره الطبيب الأوحد.. وفيما عدا زياراته الميدانية لهم فترة وأخرى، كانوا أيضا يتجشمون المشي إليه قاطعين مئات الأميال للوصول إليه لتلقي العلاج، وعلى الرغم من أنه كان في ذلك الزمن يحمل رتبة رقيب أو رقيب أول، إلا أنه تحمل مسئوليات متعددة وفي مناطق متباعدة بكل إخلاص لمهنته الإنسانية.

غداة الاستقلال في عام 1967م اختار البقاء والاستمرار في الخدمة.. وجرى تكليفه بمهام عامة وقيادية مختلفة. أغلب الضباط من رتب مختلفة في جيش البادية الحضرمي فضلوا ترك الخدمة العسكرية وبعضهم تم دمجهم في جيش الجمهورية الوليدة.

نال السيد صالح الترقيات سريعا، بعد أن تحمل مهام القيادة لوحدات ألوية عسكرية في مختلف مناطق الجمهورية. تكللت تلك الترقيات بترقيته إلى القيادة العامة للقوات المسلحة كرئيس لهيئة الأركان العامة.

وفي عام 1979 تم تعيينه سفيرا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لدى الاتحاد السوفيتي في موسكو (ملحوظة: جرى تعيينه في عام 1979 سفيرا لدى أثيوبيا لمدة تقترب من عام وفي عام 1980م تم تعيينه سفيرا لدى الاتحاد السوفيتي) وظل في هذا المنصب حتى عام 1983، حيث عاد إلى عدن ليصبح وزيرا للمواصلات.

بعد الحرب القصيرة الدموية بين مجموعتين قبليتين داخل حكومة الحزب الاشتراكي لعب السيد صالح دورا كبيرا في إعادة الاستقرار والنظام للبلاد، وأضحى بعد ذلك من أبرز القيادات السياسية المعروفة. وتولى منصب نائب رئيس الوزراء وزير النفط والثروات المعدنية. وقد احتفظ بهذا المنصب عندما اتحد اليمن الشمالي مع الجنوبي في مايو عام 1990.

وكانت وزارته أكثر وزارات الدولة نجاحا.. فقد كان يدرس قضايا وموضوعات ومهام وزارته بعناية فائقة، ولهذا فقد كان يوصف أحيانا من قبل بعض المراقبين الغربيين بـ(التكنوقراط) رغم أنه يكره هذا الوصف، فقد كانت وزارته توزع امتيازات الشركات النفطية على قواعد تنافسية.

الاكتشاف النفطي الأكبر في جنوب اليمن، وهو المعروف بحقل (المسيلة) كان في منطقة غيل بن يمين مسقط رأسه ومراتع صباه.

والقبائل في مختلف مناطق استخراج النفط تعرفه شخصيا وتثق فيه وتتعاون معه.

اتضح حينها أن معظم احتياطات النفط والغاز كانت تربض في الجنوب.. وما الحرب التي انتهت قريبا إلا نتيجة لنزاعات تراكمت حول توزيع عائدات النفط ومداخيله.

لقد اختار (بن حسينون) أن يعود من صنعاء إلى الجنوب، وكان أحد أبرز منظمي المقاومة الجنوبية.

وبموته تلاشت تلك المقاومة: فالجنوب افتقد القادة الذين يملكون القدرات و(الكـاريزمـا) التـي يمتلكها بن حسينون.