رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الشهيد جعفر عيدروس محمد:الميلاد والنشأة:الشهيد جعفر عيدروس محمد من مواليد (الوهط) في 4 مايو 1936 ومن أبرز مزايا مدينة الوهط أن سكانها جبلوا على الهجرة وحب العلم ولذلك قلما تجد بيتا وهطيا يخلو من خريج جامعي، كما جبل أهل الوهط على عشق القضية الوطنية والقومية والإسلامية، بل أن عددا منهم التزموا بالفكر الاشتراكي العلمي. كان للوهط مركز مؤثر في السلطنة اللحجية، إذ كان السلطان يتم اختياره من أحد بيوت السلطنة الخمسة، إلا أن العملية تصبح مبتورة مالم يباركها «منصب الوهط».

تلقى جعفر عيدروس تعليمه الابتدائي في المدرسة المحسنية العطرة الذكر بمدينة الحوطة حاضرة السلطنة اللحجية، والتحق بعد ذلك بسلك التعليم، وفي العام 1954 شد الشاب جعفر عيدروس الرحال إلى مصر ضمن الطلاب الذين ابتعثهم الاتحاد اليمني للدراسة هناك، حيث أكمل دراسته الثانوية هناك عام 1958.

جعفر عيدروس في بلاد أنور خوجة:

فتحت تيرانا ذراعيها لجعفر عيدروس لتلقي دراسته الجامعية في جامعتها في دولة ألبانيا، تلك البلاد الجبلية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها (28.700) كيلومتر مربع، وتعتبر واحدة من دول البلقان واختطت نهجا شيوعيا مواليا للصين التي دخلت صراعا عقائديا مع موسكو، فأنشأت لها فلكا خاصا بها ضم ألبانيا، وكان من أبرز قادة الدولة آنذاك أنور خوجة ومحمد شيخو وتخرج جعفر عيدروس في كلية الاقتصاد بجامعة تيرانا وحاز على درجة البكالوريوس عام 1963.

دمشق تفتح ذراعيها لجعفر عيدروس:

تفخر الوهط أن كوكبة لامعة من أبنائها كانوا من خريجي الكليات الحربية في عدد من البلاد العربية وغير العربية، وكان منهم جعفر عيدروس محمد الذي أنهى مشروعه المدني بدارسة الاقتصاد في ألبانيا، وشرع في مشروعه العسكري عندما التحق بالكلية الحربية في دمشق، حاضرة سوريا القومية الشقيقة وتخرج فيها برتبة ملازم أول عام1966.

جعفر عيدروس في أسرة تحرير «العمال» بعدن و«الجمهورية» بتعز:

عاد جعفر عيدروس إلى أرض الوطن وأشهر قلمه في صحيفة «العمال» الناطقة باسم اتحاد النقابات الذي كان يعرف باسم «مؤتمر عدن للنقابات» A.T.U.C وعرف اختصارا باسم «المؤتمر العمالي» وأصبح جعفر زين من الأقلام الرشيقة في تلك الصحيفة العمالية.

خلال الفترة 1968/67 ، فترة استقرار جعفر عيدروس في لواء تعز، وهي الفترة التي اكتوت بنار الصراعات الداخلية في الجنوب الذي كان محفوفا بالمخاطر.. شغل جعفر عيدروس خلال تلك الفترة منصب رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» التعزية.

جعفر عيدروس مديرا عاما في عدن:

يلاحظ من سيرة الشهيد جعفر عيدروس أنها كانت بين حل وترحال في المقاعد، سواء أكانت مقاعد الوظيفة أم مقاعد الطائرات، وقد كان رحمه الله «كريشة في مهب الريح لا تستقر على حال» ويعزى ذلك إلى طبيعته النضالية. عاد جعفر عيدروس إلى عدن في العام 1969 ليشغل منصب مدير عام المؤسسة العامة للملح، إلا أنه عاد إلى مربع الصحافة عام 1972، حيث عين محررا في صحيفة «14 أكتوبر» والتحق بعد ذلك بدورة أجهزة الإعلام في المدرسة العليا للعلوم الاشتراكية في مارس 1983، وتفرغ بعد ذلك لدراسة المراجع الموجودة لدى قسم الصحافة والإعلام بسكرتارية مجلس الوزراء وكتابة سلسلة من المواضيع السياسية الهادفة التي تبين أن الجبهة الإعلامية هي إحدى الجبهات الفاعلة للمخططات المعادية.

جعفر عيدروس والبرنامج الإذاعي العطر الذكر «خبر وتعليق»:

في العام 1974 انتقل جعفر عيدروس إلى وزارة الإعلام وعين بوظيفة رئيس تحرير في قسم الأخبار في الإذاعة المركزية وكمعلق سياسي وحرر البرنامج المشهور «خبر وتعليق».. في العام 1980 عين جعفر عيدروس نائبا لمدير عام الإذاعة بالنيابة، بالإضافة إلى مهام عمله الأساسي رئيس تحرير ومعلقا سياسيا للإذاعة، وكلف بتقييم محتوى البرامج السياسية والأخبارية يوميا وتحليل مضمون الإعلام المضاد ووسائل مكافحته وتحديد الاتجاهات الرئيسة للتعامل مع الأحداث المحلية والعربية والدولية.

جعفر عيدروس وحضور متنوع داخليا وخارجيا:

كان لجعفر عيدروس حضور حافل في المنظمات والمؤتمرات والدورات المهنية الآتية:

- في العام 1977 شارك في الدورة الرابعة للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب المنعقدة في عدن.

- في العام 1979 شارك في المؤتمر العالمي حول الصحافة في بلدن عدم الانحياز في بغداد، حاضرة العراق الشقيق.

- في العام 1982 حضر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر.

- على امتداد فترة عمله في الإعلام قام جعفر عيدروس بزيارات استطلاعية وحضور دورات تأهيلية في كل من الصين الشعبية وألمانيا الديمقراطيةGDR والاتحاد السوفيتي USSR.

- في العام 1981 انتخب جعفر عيدروس عضوا في المجلس المركزي لمنظمة الصحفيين اليمنيين الديمقراطيين إلى جانب عضويته في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، كما كان رحمه الله يحمل البطاقة الدولية لمنظمة الصحفيين العالمية في براغ.

جعفر عيدروس مع آخرين في تعديل الرواتب:

من ضمن أوراق جعفر عيدروس وجدت مذكرة رفعتها وزارة العمل والخدمة المدنية بتاريخ 31 مايو 1978 إلى مدير عام الإذاعة بشأن تعديل درجات ورواتب العاملين في الفئة الأولى، وهم على النحو التالي:

جمال الدين الخطيب- مدير الإذاعة، محمود إبراهيم عيسى -مهندس استديوهات، جميل محمد صالح مهدي- معد برامج، أحمد محمد الجحدري -مدير برامج، أبوبكر سكاريب -مدير الإدارة، واثق أحمد شاذلي -رئيس قسم الأخبار، عبدالرحمن ثابت -معد برامج، جعفرعيدروس محمد -رئيس تحرير، أحمد عبدالله فدعق -رئيس تحرير، عبدالقادر سعيد هادي -معد برامج، جميل محمد أحمد - رئيس تحرير، عبدالله عبدالغفور عبدالعزيز- مهندس، سعيد ناصر التريمي- مذيع، عبدالغني عبدالقادر - مراقب فني، محمد عبدالله عمر -مساعد تحرير، فيصل أحمد عثمان -مراقب فني.

جعفر عيدروس يخلف ورثة شم الأنوف:

يعتبر جعفر عيدروس محمد أحد شهداء أحداث 13 يناير 1986 المؤسفة، الذي لقي ربه وهو في إستديو الإذاعة وخلف وراءه سجلا ناصعا من الأعمال والمشاركات الإيجابية على مستوى الوطن أو خارج الوطن، كما خلف أرملة كانت في ربيعها الـ 34 وستة أولاد الذكور منهم اثنان هما مالك وإياد.

تحصل أسرة الشهيد جعفر عيدروس على معاش شهري قدره 13 ألف ريال فقط، وتسكن في منزل جدها في الوهط بعد أن أخرجت من بيتها في مدينة الشعب ولم تنعم كما نعمت أسر الشهداء، وتمثلت النعمة في سيارات ومساكن ودرجات خاصة ورواتب من التأمينات ومن منظمة مناضلي الثورة، ومع ذلك ظل أفراد الأسرة شم الأنوف ولم يطرقوا أبواب المسئولين إلا مرة واحدة عندما ترأس الأستاذ سالم صالح محمد اللجنة الرئاسية المكلفة برصد حالات التظلم بعد أحداث الحراك السلمي في الجنوب، لأن ما زاد الطين بلة هو أن والدهم الشهيد حصل عام 1997 على وسام 30 نوفمبر من الدرجة الأولى، إلا أن الوسام لم يشبع لهم حتى اللحظة جوعا ولم يروِ لهم عطشا.

الشهيد م. محمد سعيد عزعزي:

الميلاد والنشأة:

الشهيد المهندس المعماري محمد سعيد عزعزي (الدغيش) من مواليد الشيخ عثمان يوم 9 نوفمبر 1942 وهو نفس عام ولادة شخصيات عامة واجتماعية معروفة بل وفي نفس مكان ولادته (قسم ب) SECTION B في الشيخ عثمان منهم: محمود عبدالله عراسي وأحمد محمد قعطبي والمغفور لهم بإذن الله عبدالله شرف سعيد وأحمد عمر حيد ومحمد ديريه. قبل أن يكمل محمد سعيد عزعزي العام الأول من عمره انتقل والده سعيد عزعزي إلى رحمة ربه ونذرت الأرملة الصابرة نعمة بنت سلام العزعزي إسدال جناحيها على طفلها في بيت والدها سلام العزعزي الذي استضاف ولادة حفيده محمد في بيته، صرفت الأرملة الصابرة النظر عن أي فكرة أو عرض مقدم لها بالزواج من آخر لأنها توكلت على ربها أن يمدها بالعون على تربية وحيدها محمد، فأدخلته الكتاب (المعلامة) ومن بعدها المدرسة الابتدائية فالمتوسطة فالثانوية الفنية أو ما كان يعرف بالمعهد الفني (Technical Institue) بالمعلا الذي تم بناؤه على نفقة رجل الأعمال الفرنسي المشهور انتوني بس(A.BESS).

تميز المعهد الفني بتفرده آنذاك عن أي ثانوية فنية في عموم المنطقة من حيث تخصصاته المختلفة (ميكانيكا وكهرباء وهندسة مدنية..إلخ)وطاقم تدريسه وتجلى مستوى الدراسة فيه أنها كانت تتوج بالجلوس لامتحانات (سيتي آند جيلدز)(City and Guilds) وهي شهادة تعادل شهادة الثقافة العامة (GCE) وكلتا الشهادتين بريطانية وتمنحها جامعات أو معاهد عليا بريطانية متخصصة كما أن كلتا الشهادتين من المستوى العادي(O Level)، أما المستوى الأعلى أو (Advance level) فينسب لشهادة الثقافة العامة بتصنيف الشهادة على النحو الآتي:(GCE- O Level) أو(GCE- A Level) أما الثانوية الفنية فمستواها الأعلى (H.N.C) وتفصيلها (Higher National Certificate).

العزعزي يحمل الـ«سيتي آند جيلدر» إلى إدارة الأراضي:

تنفست الأرملة الصابرة والأم المجاهدة نعمة بنت سلام أن ترى وحيدها محمد قد حصل على شهادة «سيتي آند جيلدز» البريطانية عام 1961 وهي حصيلة سنوات دراسته في قسم البناء بالمعهد الفني بالمعلا وحمل شهادته إلى إدارة الأراضي بعدن (لايزال المبنى قائما بجوار المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي م/عدن)، وعين بوظيفة رسام هندسي(Draughtsman).

العزعزي والتكتل الشبابي في الشيخ عثمان:

كانت فترة الستينات(وهي فترة المجايلين لمحمد سعيد عزعزي) فترة خصبة من حيث تكوينات المجتمع المدني (أحزاب ونقابات ومنظمات مرأة وجمعيات متنوعة ونواد رياضية ومنتديات ثقافية) وغيرها، وكان المناخ الاجتماعي صحيا ونقيا، وكانت العلاقات أخوية قائمة على الأخذ والعطاء والتي أملتها العلاقات بين الآباء على الأبناء.

شرع محمد سعيد العزعزي (أبو العز) في خلق تكتل شبابي من أبناء جيله، وكانت النواة الأولى لهذا التكتل مكونة من المهندس بحري محمد ديريه محمد وأحمد عمر حيد (فلتة زمانه) وكوكبة من المهندسين والمثقفين والشعراء والفنيين منهم: أمين محمد سيف وفضل حسن يحيى وعبدالحميد الأصنج وسعد حكيم ومحمد عبدالباري وصالح ياسين ورياض عنتر ومحمد علي حبيشي ومحمد ياسين زريقي وياسين أحمد طه وعلي الأسود. تم الاتفاق على تسمية التكتل (شلة العز) وهو دليل على إجماع الشركاء على حب محمد سعيد عزعزي وباعتبار معد هذه الحلقة من شهود العصر، فإن محمد سعيد عزعزي كان دمث الأخلاق باسم الثغر واسع الصدر خدوما وكريما.

حضور في نقيل ثرة بلودر ودور فاعل في شوارع عدن:

كانت (شلة العز) تنوع نشاطاتها، فعلى سبيل المثال كان البعض من أفراد الشلة يقطعون الطريق من عدن إلى مكيراس مرورا عبر نقيل ثرة بالدراجات النارية أو يقضون ليلة على ساحل الغدير أو فقم أو غيرها من الفقرات، وكان أفراد الشلة يتبادلون الزيارات مع شباب تلك المنطقة.

كما جنح أفراد الشلة إلى تنظيم البعث، لأن العديد من أفراد هذا التنظيم كانوا على علاقة حميمة بأفراد الشلة، بل أن بعضهم مرتبطون بصلة قرابة، منهم على سبيل المثال محمد النكاع، كما ارتبط أفراد الشلة بعناصر وطنية ونقابية ورياضية معروفة في منطقة التواهي منهم: عبدالقوي طمبش ودرهم نعمان وآخرون أمثال حسن عيسى وعبده علي عثمان ولم يمنع ذلك امتداد علاقاتهم مع قوى سياسية ووطنية أخرى لأن الأهداف واحدة وإن تعددت الوسائل.

ينشط أفراد (شلة العز) في الجانب الاجتماعي وتواصلوا مع تجار لدعم الأسر الفقيرة خاصة في موسمي فتح المدارس أو الأعياد، وحصرها في الطلاب الفقراء، ووظف أفراد الشلة هامشا كبيرا من وقتهم في الموسم الانتخابي والتحرك لدعم المرشح الذي لا تتوفر لديه الإمكانيات، ومن المرشحين الذين دعمهم أفراد (شلة العز) الشخصية الاجتماعية المعروفة والمتواضعة محمد علي سكاريب.

أفراد الشلة تتفرق بهم أيدي سبأ:

تفرقت أيدي سبأ بأفراد الشلة، حيث غادر محمد سعيد عزعزي إلى بلغاريا والديريه إلى يوغسلافيا والأصنج والحيد إلى مصر، وغادر آخرون إلى بلدان عربية وبلدان في أوربا الشرقية من خلال منح قدمت لهم من حزب الشعب الاشتراكي أو تنظيم حزب البعث أو اتحاد الشعب الديمقراطي.

عاد محمد سعيد عزعزي إلى عدن وعين مديرا لقسم الصيانة بوزارة الإسكان عام 1974 ومثل بلاده في العديد من المؤتمرات العربية والإقليمية في مجال الإسكان والتنمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر في مؤتمرين عقدا في الهند ومصر عامي 1977 و1978 على التوالي، وأسهم بفعالية في تنفيذ البرامج الاستثمارية لقطاع الإسكان في محافظة عدن، وشارك بحكم مسئوليته القيادية وتراكم خبرته في إنجاز وإنجاح مشاريع الوحدات السكنية المختلفة من خلال قيامه بالإعداد والإشراف على أعمال التصاميم المعمارية والإنشائية لعدد من المشاريع السكنية من ناحية والإشراف على تنفيذها حتى توزيعها على المستفيدين من ناحية أخرى.

الباشمهندس عزعزي يتوارى مع زوجته وطفلتيه والأم تغرق في بحر من الدموع:

غادر الباشمهندس محمد سعيد عزعزي إلى بلغاريا في العام 1978 لمواصلة الدراسات العليا في مجال تخصصه (الهندسية المعمارية) بهدف نيل شهادة الدكتوراه من جامعة صوفيا بمنحة دراسية من منظمة الأمم المتحدة مصطحبا معه زوجته السيدة حياة حسين بازرعة وطفلتيهما سالي وسارة. تلقت والدته آخر رسالة منه في 5 يوليو 1981، وأفادها أنه قد قام بشحن أثاثه عبر الزملاء، طالبا منها تجهيز شقته في حافون بالمعلا وأنه يتمزق شوقا لها.

وزارة الإسكان والموقف اللا أخلاقي:

تابع الأقارب آناء الليل وأطراف النهار كل الجهات المعنية لمعرفة سبب عدم وصول ابنها وزوجته وطفلتيه.. الخارجية اليمنية وسفارتها في صوفيا ومنظمة الأمم المتحدة طرقت أبواب السلطات المعنية في بلغاريا وجاء الرد سلبيا «أنه غادر بلغاريا».

اقتنعت وزارة الإسكان أن الرجل غادر بلغاريا وقامت بوقف راتبه وسحب شقته وحرمت والدته من المعاش الذي يعينها على مواجهة أعباء الحياة وتقلباتها.. أما الأم المكلومة فقد سدت شهيتها من الطعام ومن أطايب الحياة، وقضت أيامها بين حزن وبكاء وآهات حتى التحقت بولدها وزوجته وحفيدتيها في سبتمبر 2002م.

طوي ملف محمد سعيد عزعزي وكأنه مواطن من جزيرة واق الواق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى