قصة قصيرة.. من زعل فاطمة ؟

> «الأيام» منصور نــــور:

> الجوع والنكد وحر الصيف، جمع الناس ووحد همومهم وجعل سليم وبعض ركاب الحافلة يتحدثون عن معاناتهم المشتركة إضافة إلى ارتفاع الأسعار وقرب شهر رمضان .. حديث سليم دفع بفاطمة للمشاكة في مائدة النقاش الساخن، رغم تدهور حالة الحافلة ومقاعدها المصدّأة القذرة، وانتهى الحديث بتعارف سليم وفاطمة الذين نزلا معا في إحدى المواقف للحافلة، وقد تبادلا أرقام هاتفيهما (الجوال).

تكررت الاتصالات بينهما واعتاد سليم على مقابلة فاطمة، مستغلا عودتهما من مقري عملهما وركوبهما إحدى الحافلات العاملة على نقل الركاب، وكانا يجلسان جوار بعضهما يتبادلان الأحاديث مع إضافة بعض منكهات الاشتياق والمحبة، وإذا ما وصلت بهما الحافلة إلى آخر محطة لرحلتيهما يترجلان عنها ويفترقان عن بعضهما.

استمرت لقاءاتهما بتلك الطريقة مع الاتصالات الهاتفية التي كانت تفرح فاطمة كثيرا عندما تصلها رنة (التحية) من قبل سليم أو رسالة تحمل حروف العديد من النقاط المشتركة بين فاطمة وسليم، وكانت تزعجها وتقلقها أكثر وتشعرها بالخوف عندما يرن هاتف فاطمة بعد التاسعة مساء، وقد قالت فاطمة لسليم (عندما أكون في المنزل وبجواري أبي وأمي أو إخوتي لا أستطيع أن أجيب على مكالمتك، ولهذا أجعل هاتفي الجوال في وضع (صامت)..من خلال نبرة صوتها كان سليم يحس كم تحبه فاطمة ؟

وكانت ضحكتها البيضاء أجمل من كل نغمات الرنين وشدو الطيور، وبالمقابل كانت كل مفردات الحب في قاموس وضاح اليمن، ومعلقات امرئ القيس قد استنفدت في رسائل هواتفهما وأحاديثهما، الخالية تماما من المواد الكيميائية والصناعية الحافظة، وذات يوم قررا فيه اللقاء بعيدا عن أنظار حيهما الشعبي، واتفقا أن يلتقيا في مكان بعيد، ومن هناك يستقلان إحدى الحافلات لتنقلهما إلى إحدى الحدائق العامة.

وفي المكان الذي اختاراه كانت فاطمة، قد سبقت سليم بعد أن اتصلت به واستقلت إحدى الحافلات في تلك اللحظة، وحضر سليم ولم يرَ فاطمة إلا عندما أشارت إليه بيدها ليصعد على الحافلة، وهناك تفاجأ سليم بأربع عشرة امرأة مبرقعة تحول بينه والجلوس بجوار فاطمة، فجلس بعيدا عنها على المقعد الذي خلف سائق الحافلة، وبدأت الحافلة رحلتها، وكان سليم حانقا من السائق، لأنه الوحيد الذي باستطاعته رؤية جميع ركاب الحافلة بواسطة المرآة المستطيلة (40×17سم) المثبتة أمامه، ولم يكن سليم يجرؤ على الاستدارة إلى الخلف ليمعن النظر في عيون حبيبته، وعندما طلب من السائق إيقاف الحافلة، ونزل منها معتقدا أن فاطمة ستلحق بالنزول بعده، ولكن الحافلة واصلت سيرها مبتعدة بفاطمة التي لم تلحظ نزول حبيبها أمسك سليم بجواله، وحاول الاتصال بفاطمة، ولكن جوالها في تلك اللحظة كان أيضا صامتا، توقفت الحافلة في آخر محطة لها ونزل جميع الركاب وفاطمة تبحث عن سليم، وعندما لم تجد له أثرا، أخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها، واكتشفت أن سجل المكالمات التي لم يتم الرد عليها قد امتلأ برقم المتصل سليم .. سليم .. سليم، ورسالة تلقتها للتو منه يقول فيها :«أخشى أن تكوني زعلانة مني !!- التسليم بتاريخ 21/7/2008م»، وعادت فاطمة إلى بيت أبيها مسرورة في غاية السعادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى