الجوكي

> «الأيام» سالم العبد:

> لم تكن تلك هي المرة الأولى التي ترجُّ فيها الدهشة والاضطراب جموع المشاهدين، وهم يتابعون بعيون جاحظة الحصان الأرجواني بعنفوانه الصاعق متجاوزا بقية الخيول برشاقة مذهلة ومرح مستهتر، فقد سبق أن ألهبوا أكفهم تصفيقا في جولات سباق مثيرة لنفس الجوكي المثير للغط وحصانه الأرجواني الغريب والعجائبي، حيث حصد فيها الجائزة الكبرى، وكأنه يمرح في مروج تحت أرضية أفقها أيضا أرجواني!!.

صمت البعض ممن يوجهون مناظيرهم المكبرة الأنيقة عبر الشرفات المريحة عن أي تعليق، محتفظين برصانة باردة، يراقبون بعيون غائمة الجوكي المستثار، يتقافز بفروسية مثيرة للضحك على صهوة الحصان، طائرا في الهواء يتشعلق باللجام المشدود كالوتر.. ولما رأوه ينحني كفار قارض على ظهر الحصان العريض الأملس مكشرا عن أسنانه الحادة صرفوا مناظيرهم بهدوء واكتفوا بإطلاق زفرات مكتومة!!.

في الجولة السابعة بدأ الجوكي أسرع من حركة مناظيرهم، فتجمدت أكفهم بتشنج قاهر، واخترقت أنظارهم في التماعات مرعبة ظهر الحصان العريض وهو ينطلق كالرصاصة متقدما الأحصنة اللاهثة، وقبل أن تزعق صفارة الحكم المترهل بوجهه الممتلئ الناعم معلنة الفوز، انهاروا على مقاعدهم، وهم يؤرجحون رؤوسهم بيأس مشفق، وأحنوا جباهم يتهامسون بنفاد صبر مكتوم.

لاحت من على البعد القروح التي نخرت ظهر الحيوان الجميل وكمية الدماء النازفة من ظهره، وكأنها مشهد قرباني وثني، في حضرة آلهة جهنمية شرهة وعابثة!!.

ثم انبرى رجل ذو شعر فضي كثيف ليقطع الهمس بعبارة باترة: مذبحة لعينة!! لن نسمح بقرض حصان آخر. فيما صهل الحصان الأرجواني بقوة موجعة، رافعا قائمتيه الأماميتين في الهواء، ثم دق الأرض بحوافره الهائجة مارقا كالسهم خارج المضمار، وعلى جنوبه طبقة قرمزية داكنة، تماهت مع لحظات الغروب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى