حتى لاتضيع الفرصة الأخيرة

> د. هشام محسن السقاف:

> تنتهي حروب البسوس في اليمن كما تبتدئ، والخاسر الأعظم هو الشعب اليمني، وقطرة واحدة.. واحدة فقط من دم مواطن أو جندي هي بكنوز الدنيا. فما بالنا وشلال الدم اليمني يتوقف ليتفجر من جديد، منذ صبيحة الثورة اليمنية في مطلع الستينيات الماضية من القرن العشرين.

ولايختلف شمال الوطن عن جنوبه في جريرة الدم النازف، الحرب المتصلة الأسباب أو المتقطعة وإن كان لنا كيمنيين دخل في تفجيرها فإن للآخرين دخلا ومداخل لتفجيرها أيضا، فالعامل الدولي محسوس وملموس في مشاعل النار والاستقطاب والاحتقان، سواء في الداخل الشطري من قبل الوحدة أو بين الشطرين، ولانستيطع أن نغض الطرف عن التأثيرات والعوامل الدولية بعد الوحدة المباركة أيضا، لكننا لانعفي أنفسنا البتة من المسئولية، حيث كان بالإمكان أن نفوت على تجار الحروب المحليين فرصة إيقاد حرب هنا أو هناك، وإنهاء حالة اللا سلم/ اللا حرب التي سادت طويلا، باغتنام فرصة تاريخية لاتعوض ببناء الدولة العصرية ابتداءً من الثاني والعشرين من مايو 1990 الذي فتح أفقا يمنيا واسعا لم تشهده هذه الأرض من قبل، وإذا كانت الديمقراطية الليبرالية تمثل عند الآخر (الغربي) آخر مراحل التطور المثالي- كما يذهب فوكوياما- فإنها بالنسبة للمجتمع اليمني تمثل مفاتيح الدخول إلى العصر المتطور باتفاق كل الأطراف، وبالاستعداد الفطري لكل فئات الشعب اليمني التي سأمت من حالات الاحتراب الداخلي والاحتقان المستمر.

ويخطئ من يظن أن القبيلة تقف عائقا أبديا في وجه الإصلاحات، وإنما العائق الأبدي مكشوف الوجه واليد واللسان- إذا جاز التعبير- هم الفئات الطفيلية ولوبيات الفساد والاتجار غير المشروع الذين يشكلون عقبة كأداء في طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة منذ فجر الثورة حتى اليوم، وما جاءت بعض التكتلات القبلية بتشكيلها مجالس أو هيئات أو ما شابه ذلك إلا كحالة اجتماعية وسياسية أفرزها وضع عام عنوانه الرئيس ضعف الدولة- كما يبدو- وانشغالها بحروب داخلية، وتقلص فعالية المؤسسات المدنية الأخرى كالأحزاب (معارضة أو حاكمة) ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، وعدم اتساق مشروع الإصلاحات الذي لاح جليا في أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة في وضع يمني ملتبس تشتعل براكين الغضب والحرب في جنوبه وشماله، مما عرقل سير إصلاح مفاصل الدولة التي ينخرها الفساد وإفلاس فئة المستشارين المحيطة بصانع القرار من إتيان رؤية مساعدة للخروج من واقع الأزمات المتلاحقة، واستمرائها العيش الرغيد في واقع الأزمة نفسها، وقتل اللحظة التاريخية التي لاحت في الأفق غير مرة بإحداث تغيير جوهري لصالح الدولة والمواطنين.

لقد شخص الوضع السياسي والاجتماعي أحد الوجوه السياسية والحزبية البارزة بقوله: إن حركة المطالب في المحافظات الجنوبية والشرقية- وهي عادلة بسقوف المطالب الحقوقية التي يطالب بها المواطن اليمني في كل مكان- كان بالإمكان أن تشكل اصطفافا وطنيا داعما لبناء دولة يمنية جديدة تضع الفاسدين والمفسدين وفئات الضغط المختلفة تحت طائلة المساءلة القانونية والعدلية، ومن ثم إلى خارج دائرة الفعل والتأثير الذي من خلاله تمارس الابتزاز والنهب والفوضى العارمة وإلغاء الدولة، إذا التزمت هذه المطالب بحدها القانوني والوطني الذي لايذهب إلى حد القطيعة والمطالبة بالانفصال، وكان بالإمكان- أيضا- أن تكون هذه الحركة بامتدادها الجماهيري الوطني في كل ربوع الوطن نصيرا لصانع القرار السياسي باتخاذ إجراءات سياسية جريئة بقوة القانون وبزخم المطالب العادلة للجماهير، وبشرعيته التي لايمن عليه أحد بها بعد انتخابه من قبل كل المواطنين اليمنيين، وسنجد أن الحرس القديم بكل هيلمانه ونفوذه الذي تشكل وامتد كالسرطان على مدى زمني غير قصير لن يستطيع الصمود والمقاومة، ومن ثم تعريض السلم الاجتماعي للخطر بقوة الإرادة السياسية المدعومة من الشعب كله، وسوف نفتح صفحة أخرى من صفحات تاريخنا اليمني المعاصر، تتسم بأكبر قدر من العقلانية والتوجه إلى المستقبل وإخراج اليمن من نفق الحروب الداخلية المستمرة.

لكن ما حدث- للأسف- قد جاء على صورة غير مسبوقة بتفجر الحرب المدمرة في صعدة للمرة الخامسة على التوالي بعد أن تم التوصل إلى اتفاقية الدوحة، وارتفاع سقف الشعارات في المحافظات الجنوبية من بعض قادة الحراك إلى حد الانفصال، وسد المنافذ على التلاقي الحقوقي المطلبي المشروع دستوريا مع محافظات الشمال في الوطن الواحد، والعودة بالتاريخ قسرا إلى لحظة قد تجاوزها شعبنا اليمني بإرادته الحرة، وتضييع فرصة تحالف وطني واسع يدعم الإرادة السياسية في معركتها ضد الحرس القديم.

أما الآن وقد توقفت الحرب المدمرة في صعدة، واتجهت الدولة بشكل جاد إلى محاصرة ومحاسبة الأطراف والفئات التي تريد تأبيد الأزمة في الوطن، فإن قنطرة العبور إلى يمن جديد خالٍ من الحروب والفتن والفساد هو إصلاح منظومة الدولة بما هي مؤسسات قانونية، وإحلال الديمقراطية مسلكا حرا توافقيا لبناء الدولة التي طال انتظارها منذ الثورة اليمنية حتى الآن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى