أحلام.. دفتر البريد

> محمد عبدالله الموس:

> قالت إحداهن: مثل البريد. هي تقصد الآلية من منظور الأطفال، وأنا ذهبت إلى أبعد، فالعشرة الريالات التي حصلت عليها من زميلتها هي في الأصل (العواف) أو (الجعالة) جمعته مع زميلاتها لدى زميلتهن، وحملن في أيديهن ورقا كرتونيا، وتتابعن في طابور أمامها، حيث تؤشر بقلم على قطعة الكرتون، وتدفع لكل منهن العشرة الريالات خاصتها، وحين سألتهن بفضول: أيش تعملوا؟ قالت: مثل البريد.

حالهن مع العشرة الريالات كحال أهلها مع ما يقبضونه من خلال دفتر البريد فـ (عشراتهن) تطير مع أول زيارة للكشك، كما يتطاير في الطريق إلى البيت ما يقبضه أهلهن من فتات إعاشة كرواتب (فائضين وفاضيين) ومعاشات تقاعد، وإعانات الألفي ريال، التي تستخدم للدعاية الحكومية أكثر من كونها لإعانة الفقراء.

تشتهر دفاتر البريد منذ زمن بعيد بوصفها دفاتر للتوفير، لكن التوفير في ظروفنا أصبح من الماضي، وربما لاتفهمه أجيال اليوم، لا مصطلحا ولا ممارسة، لأن ما يحصل عليه الناس لايسد الضروريات حتى، ناهيك عن التوفير، وعلى الرغم من ذلك فإن دفتر البريد في بلادنا أشهر من نار على علم، وكثيرا ما نسمع مواطنا في عدن يسأل جاره أو زميله: هل حصلت على دفتر البريد؟ الأمر الذي يوحي بأن دفتر البريد أصبح فرض عين على كل مواطن ومواطنة يعمل في مؤسسات الجنوب دون النظر إلى أجل التقاعد، فحتى سنن الطبيعة أصبحت مقلوبة، فقد سمعنا بذاك الابن الذي يقول لوالده: حين ترجع من دوامك مر على البريد هات معاشي!.

الأخطر أن لاتلوح في المدى المنظور معالجات لتزايد أعداد العاطلين عن العمل الخريجين في مختلف المستويات والتخصصات، ولانعتقد أن يصبح كل هؤلاء عساكر أو على المعاش المبكر قبل أن يؤدوا عملا. إنه من التحديات الكبيرة التي تواجه المحليات، صحيح أنها لاتملك القدرة على المعالجات بسبب تحجر المركز، فتأسيس شركة مثلا يتطلب أن يتم في صنعاء، لكنها مع ذلك تواجه المعضلة، وإذا كنا اليوم نصرخ من نتائج الضيم الذي أصاب المتقاعدين، وخليك بالبيت الذين يصرخون من (تفاهة) رواتبهم، فإن المدى المنظور سيشهد صراخ العاطلين الذين لا أجور لهم.

أمر البطالة التي تتزايد عاما بعد آخر دون أن نتنبه لها، هي حالة رسمية يمنية بامتياز، إذ لايجري التنبه إلى المعضلات منذ وقت مبكر، ولايتم الالتفات إلى المصائب إلا بعد أن تتفاقم، ففي دول المؤسسات يجري الاستعداد حتى للظواهر الطبيعية الكارثية، ونحن نعاني من مشكلة الكهرباء والماء والبطالة ونفور الاستثمار وتدني الخدمات وغير ذلك مما يستحيل حصره، لدرجة أن يخيل لأحدنا أن لا شيء في حياتنا لانلمس فيه خللا، وهو ما يتطلب النظر إلى الأمر بعيدا عن الوعود المتلفزة ودفاتر الإعاشة والإعانة عبر البريد.

ونختم مع الأطفال كما بدأنا، فقد سأل أحدهم طفلا: ماذا تحلم أن تصبح في المستقبل؟ فرد ببراءة: متقاعد، ومعي دفتر بريد!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى