إلى حفيدات بلقيس وأروى:لننتبه كيف سنحقق ما نريد؟

> المحامية عفراء الحريري:

> أضحت قضية المشاركة السياسية للمرأة بإشكاليتها وتصنيفاتها المختلفة في موعد قرب الانتخابات من أكثر القضايا التي تحتل مكانا بارزا في الخطاب السياسي سواء أكان على مستوى الأحزاب (معارضه ، حكومية ، مابين هذا وذاك) أم على مستوى منظمات المجتمع المدني وكذلك في الخطاب السياسي النسائي ، وفي قرب مواعيد الانتخابات تصبح من أكثر القضايا التي يحتدم حولها وعنها الجدل والخلاف وتتعدد حولها الرؤى والتناقضات ، فلدينا نظام الكوتا ، القائمة النسبية ، الترشيح المباشر، التعيينات المسموحة بالقرار الجمهوري أو الملكي .. وغيرها من الأنظمة الانتخابية التي ربما تناسب أو لا تناسب الواقع اليمني.

والمشكلة ليس في اختيار النظام أو ما هو النظام المناسب والأكثر ملاءمة للمجتمع اليمني بمختلف تياراته السياسية. إن المشكلة الغائبة التي ينبغي ألا تغيب عنا نحن النساء هي مدى اتفاقنا حول ما يلائمنا وما نريده نحن ليس كجنس (إناث) فحسب بل ما نريده في إطار النوع اجتماعي، وهل اتفقنا على كلمة سواء دون إملاءات الذكور في الأحزاب وفي السلطة وفي مرفق العمل وفي منظمات المجتمع المدني وفي بيت الأسرة؟.

فعلى الرغم من تعدد زوايا الاهتمام بقضايا المرأة بين نساء ونساء ومن نساء إلى نساء في القضايا التي تدور حول المساواة الاجتماعية والاقتصادية واختلافهن حولها إلا أن الإنصاف في القضايا السياسية ينبغي ألا يحدث خلاف فيه فيما بيننا نحن النساء ويتحتم علينا الاتفاق حولها بغض النظر عن إملاءات الذكور في الأحزاب وفي أي مكان آخر!

لأن عدم الإنصاف بين الرجل والمرأة في اقتسام السلطة وصنع القرار على جميع المستويات هو شأن ذو أهمية بالغة جدا من جميع الزوايا لأنه لايمكن لأي مجتمع أن يخطو خطوة للأمام بدون استثمار كل طاقاته البشرية رجالا ونساء ، عوضا عن أن نختلف نحن النساء في زاوية الجانب السياسي شأنه شأن الزوايا الأخرى ، ينبغي ويتحتم علينا أن نتفق في هذه الزاوية على الأقل ، كي نتمكن من الاندماج في برامج التنمية التي تهمل بشكل أكبر في فترة الإعداد للانتخابات.

فالاتفاق وإن كان بشكله البدائي والصغير فيما بيننا نحن النساء خلال هذه الفترة سيجعلنا نتعرف عن قرب على القضايا التي تعرقل انخراط المرأة في جميع مجالات الحياة وأولى هذه القضايا هي اختلافاتنا النسائية الخالصة، التي تكمن دائما في الأنا / لماذا هي وليس أنا؟ والعكس صحيح.. إن هذه الجزئية الصغيرة هي التي تعيق مشاركة النساء بأساليب فعالة في صنع المستقبل.

ولقد أكدت خبرتي المتواضعة ومعرفتي بالأخريات وعلى رأسهن نساء لهن باع وصيت وفي سنوات قليلة ودقة الاستماع إلى الأخريات ومراقبة الأساليب والسلوكيات على مدى سنوات في النشاط الحقوقي للمجتمع المدني أنه لا يمكن تعبئة فئات المجتمع وشرائحه المختلفة في ظل غياب التكاتف النسائي وإيماننا نحن النساء بقضايانا في كل المجالات وفي ظل عدم مشاركتنا في هموم هذا المجتمع وفي وضع برامج نتفق عليها بيننا، ونختار أسلوب العمل فيها من أجل مصلحة المجتمع.

وبالتالي فإن أي نظام انتخابي وبأي مسمى حتى وإن تم فرضه دستوريا فهو سيصبح فاشلا، لأن الاختلافات الذاتية فيما بين النساء، ولا أقصد الاختلافات الطفيفة العادية ، بل والكبيرة أيضا التي تشمل (الأنانية ، الحقد ، النميمة ، الغيرة ، المصالح الشخصية ...الخ) تلك الاختلافات التي جعلت من الرجال في كل مكان تستفيد منها في تسيير دفة القيادة لصالحهم بتحويلهم عجلة القيادة إلى الاستغلال الأمثل في كيد النساء على بعضهن البعض ما لم تكن خلف استغلال دفة القيادة كيد امرأة أخرى.

وهذه الاختلافات وهذا الكيد النسائي هو الذي أعاق تمكين المرأة من الدفاع عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب حقوقها المدنية والسياسية، فالمشاركة السياسية للمرأة ليست معضلة، نوع النظام الانتخابي والنسبة التي يجب أن تحصل عليها المرأة ، بل هي مشاركة التكاتف والجهود المتضافرة وإيثار الجماعة على الفرد واتفاق الرؤية ومعرفة ماذا نريد نحن النساء معا باختلاف انتماءاتنا السياسية، لأن قضايا المرأة كتلة واحدة لايمكن تجزئتها أو فصلها عن بعضها البعض وفقا لبرامج الأحزاب والتيارات والطوائف والمدن والأرياف وهذه المشاركة الحقيقية هي أهم الركائز الأساسية للديمقراطية، كما أن نموها وتطورها يتوقف على مشاركتنا في اتفاقنا وتوحدنا أمام جميع فئات المجتمع، ويعد ذلك الاتفاق والتكاتف وتوحيد الرؤى ضرورة وظيفية لأي نظام سياسي قائم.

فإذا نظرنا إلى الذكور وهم الذين يحوزون القوة السياسية دائما بغض النظر عن انتماءاتهم ومناصبهم ومواقعهم ونفوذهم نجدهم أثناء الانتخابات والتحضير لها في أدائهم أكثر فعالية لأن ثقافتهم وخطابهم ومشاركتهم تركز على ذواتهم المتوحدة والمتكاتفة والمتفقه علينا نحن النساء لأنها ترتكز على ثقافة قيمية هم من وضعها بدون أن يختلفوا عليها أو على تسميتها أو على نوع نظامها وتصنيفها ويستخدموننا نحن النساء في مسألة الرهان الديمقراطي على مستوى الداخل والخارج ، ويخطئ وتخطئ من يظن أو تظن أن وضعية المرأة في الخطاب السياسي للتيارات المختلفة في المجتمع اليمني تختلف عن بعضها البعض.. لا على الإطلاق، لأن مشروع الإصلاح السياسي الذي ينبغي أن يطرح يجب أن تصبغه وتضعه النساء جميعا عبر ممثلاتهن من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال كي تحتل المرأة في المشاركة السياسية موقعا مهما في جميع المشروعات. وأدرك أن هناك العديد من الوثائق والأطروحات التي وضعت من بعض النساء والمنظمات الحكومية وغير الحكومية وتناولت الدور الذي ينبغي أن تقوم به المرأة وحقها في المشاركة السياسية والنسبة المطلوبة للتمثيل ونظام الكوتا .. وغيره إلا أن تلك الأطروحات لم تقر بالدور الجوهري للمرأة في الحياة العامة كقضية واحدة لايمكن فصلها وتجزئتها ولم تشر إلى أن القضايا التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام هي كيف تكون رؤيتنا لقضايانا نحن النساء واحدة بدون تحسس أو تمييز أو مفاضلة بين امرأة وأخرى من حزب لآخر؟ لذلك ظلت وستظل جميع الأطروحات وخاصة المتعلقة بالنسبة %15 أو%30 أو %100 أو بالكوتا أو بغيرها حبيسة لمجموعات نسائية عن أخرى وبعيدة عن أغلبية النساء من العامة وحبيسة برامج حزبية وتيارات خاصة بقيادة ذكورية وجميعها - أي الأطروحات- لم تتطرق للسياسات والآليات التي تضم النساء جميعهن وتوحدهن ، كما تجاهلت الأسباب الرئيسية المتعلقة بالاختلافات والخصومات النسائية والكيد.

كل ما ذكر سلفا تدفع بدورها إلى التمييز ضد المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا كما تعيق وتعرقل وتعطل أن تولى قضية المشاركة السياسية للمرأة حقها بنفسها لأن ثقافتها وخطابها ومشاركتها ظلت مقتصرة ومحصورة وحبيسة ذاتها وخلافاتها وخصوماتها وكيدها مع ولبنات جنسها. وما لم يتم التخلص من تلك النزعات التي تنتقص من حق المرأة وتتجاوزها ستظل الأنظمة الانتخابية (النسبة والكوتا ..وغيرها) حبرا على ورق ما لم توضع قضية المرأة ككل لا يتجزأ في سياقها عندما تعترض امرأة على امرأة وتحرمها من ممارسة حقوقها وتحصر نفسها في انتمائها وولائها لحزبها أو لغيره وليس لقضيتها.

وينبغي أن ندرك أن التشريع ليس وحده كافيا لتشجيع المشاركة السياسية للمرأة أو لإصلاح أوضاع المرأة ما لم ننتبه إلى أن وضع المرأة وبعدها عن قضاياها وتفرغها لذاتها ومصالحها الشخصية للكيد والنزاعات والاختلافات هي انعكاس للواقع الاجتماعي للمرأة، ذلك الواقع الذي أدى إلى تراجع أوضاعهن ومكانتهن وصورتهن حيث لم تتفق النساء فيه بعد، بشكل أو بآخر، على كلمة سواء فيما بينهن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى