ماذا يجري في موريتانيا؟

> د. عيدروس نصر ناصر :

> من السابق لأوانه الحديث عن ملامح المرحلة القادمة من الحياة السياسية الموريتانية، فقادة الانقلاب العسكري الذي نفذ صبيحة السادس من أغسطس لم يتحدثوا بعد عما ينوون عمله خلال المرحلة اللاحقة سوى التأكيد على إجراء انتخابات حرة في أقرب فرصة ممكنة، لكن المؤكد أن حكم الرئيس سيدي ولد عبدالله قد صار في عداد الماضي.

ما جرى في موريتانيا يوم الأربعاء السادس من أغسطس الجاري يبين أن الديمقراطية في بلداننا العربية ماتزال تصطدم بالكثير من العراقيل والموروثات المنتمية إلى الماضي الأحادي، والحادث لم يكن مجرد انقلاب عسكري خطط له مجموعة من العسكر الراغبين في الاستيلاء على السلطة، بل لقد استفحلت الأزمة السياسية بين الرئيس والبرلمان والأحزاب السياسية مما أدى إلى خروج أكثر من 48 من أعضاء مجلس النواب والشيوخ من حزب الرئيس ووقوفهم ضد سياساته وضد حكومته.

المؤيدون للانقلاب يبررون تأييدهم بأن الرئيس قد تجاوز صلاحياته وجمد المؤسسات الدستورية وبدأ ينيط بعض المهمات بأقربائه، وألغى دور البرلمان، والمعارضون للانقلاب يرون فيه تعديا على الحياة الديمقراطية وسلبا لسلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيا، وإلغاءً لدور البرلمان والأحزاب، ولدى كل من الطرفين حججه ومنطقه، لكن الأكيد أن الحياة الديمقراطية في موريتانيا لم يكن طريقها معبدا بالورود، وأن الديمقراطيين الموريتانيين بحاجة إلى مزيد من تكريس الثقافة والسلوك الديمقراطيين حتى تكون المؤسسة المدنية وليس العسكرية هي من يحمي الديمقراطية.

وعلينا أن نلاحظ أن تجربة ولد محمد فال في العام 2005، الذي أطاح بالرئيس ولد الطايع إذا ما تكررت هذه المرة على يد الجنرال ولد عبدالعزيز فإنها سوف ترسي تجربة لم تشهدها بقية الجيوش في البلدان النامية ولا غير النامية، وهي انتزاع السلطة من رئيس يتهم بمعاداة الديمقراطية وتسليمها لرئيس جديد منتخب عن طريق الديمقراطية، مع الفارق أن الرئيس المطاح به هذه المرة، ولد الشيخ عبدالله قد جاء عن طريق الانتخابات، وهذ الفرق بينه وبين ولد الطايع الذي أطاح به انقلاب ولد محمد فال, من الواضح أن القوى الديمقراطية في موريتانيا لم تستطع أن تؤصل الممارسة والثقافة الديمقراطيتين، واليوم تقف الحياة السياسية في موريتانيا أمام خيارين: إما أن يفي الانقلابيون بما أعلنوا عنه في اليوم الأول لانقلابهم بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت، وتسليم السلطة للمدنيين والحفاظ على المؤسسات الدستورية القائمة، وترك الحياة السياسية لتأخذ مجراها بالوسائل المدنية. وإما الإمساك بالسلطة كما فعل ولد الطايع، وكما يفعل معظم القادة العرب الذين جاءوا بانقلابات عسكرية، وإن بملابس مدنية، وهذا ما سيصيب التجربة الديمقراطية الموريتانية في مقتل، وبالتالي إحباط كل تطلع نحو استزراع هذه النبتة في وطننا العربي بالتحجج بأن أرضنا العربية لاتصلح للديمقراطية.

بمناسبة مرور خمسين عاما على صدور العدد الأول من «الأيام» تستحق «الأيام» وناشريها ومحرريها كل التحية والتقدير للدور التنويري والدفاع عن الحقيقة بمهنية وحيادية وموضوعية لاتخفى على كل ذي بصيرة وعقبى الاحتفال بالعيد المئوي.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى