هجرة الشواذ والمعتوهين الكوبيين إلى أمريكا بإذن الحكومة

> فاروق لقمان:

> لا تزال واحدة من أغرب حكايات العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة وجزيرة كوبا ومعها مجموعة من الجزر الصغيرة التي لا تبعد سوى ثمانين كيلومتراً عن ولاية فلوريدا الأمريكية.

تلك بالذات حدثت خلال عهد الرئيس جيمي كارتر في واشنطن والكوبي فايدل كاسترو. كارتر فشل في الانتخابات وكاسترو أصيب بمرض عضال أرغمه على التقاعد لصالح أخيه راؤول في العام الجاري ويقضي وقته في المستشفى حيث يعد مذكراته كما يُقال. ولو فعل ذلك بصراحة تامة ولم يخف شيئاً هاماً منذ 1959 لجاءت تحفة تاريخية تشبع نهم الشعبين لمعرفة حقائق لا تزال غير منشورة أو معروفة.

في عام 1977 وافق كاسترو الذي كان يمنع مواطنيه من السفر كما فعلت معظم الدول الماركسية في العالم، على السماح لطالبي اللجوء في فلوريدا بالمغادرة للانضمام إلى أهاليهم هناك والاستفادة من العروض المالية الأمريكية لمساعدتهم على الاستقرار. وبالفعل مدته أمريكا والمغتربين بأسطول من القوارب لنقل الراغبين في الهجرة. مائة وخمسة وعشرون ألفاً ركبوا البحر واتجهوا نحو العالم الجديد وفرحت بهم أمريكا والأهالي الكوبيين واعتبروا ذلك نصراً مؤزراً ضد كاسترو ومسماراً أولياً في نعش الماركسية وربما بداية لتقويضه إلا أنهم كانوا يحلمون.

لكن المفاجأة وقعت بعد وصول المهاجرين إذ أن السلطات الأمريكية اكتشفت أن كاسترو رحل إليهم أسوأ الشرائح الكوبية من المجرمين والشواذ والمصابين بالأمراض العقلية والمستعصية والمشرفين على الموت مما أحرج الرئيس كارتر وسلم الشعب الأمريكي مائة وخمسة وعشرين ألف مصيبة ظلت تصارعها لعدة عقود. وبذلك تخلص كاسترو من بعض العجزة والمختلين والشواذ جنسياً وهيأ لهم حق الجنسية وجعل من السياسة الأمريكية نحو كوبا إحدى مهازل التاريخ المعاصر.

وكان كاسترو قبل ذلك قد أنزل على الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1961 واحدة من الهزائم التاريخية عندما دحر غزواً لجزيرته نظمته وكالة الاستخبارات المركزية ودعمته بالسلاح والمال والرجال والنساء المغتربين على أمل أن يقوموا باقتحام الجزيرة عبر خليج الخنازير. وكان الآمال الأمريكية معقودة على الشعب وعناصر من الجيش الكوبي لمناصرة الغزاة والزحف نحو العاصمة هافانا وإسقاط كاسترو الذي كان يقظاً تماماً وانتظر هبوط الغزاة وأغلبهم من عديمي الخبرة العسكرية ثم انقض عليهم وسحق المحاولة البائسة خلال ساعات بينما لم يتجرأ الرئيس كينيدي على دعم عملاءه واستدعاء الطيران لضرب القوات الكوبية. ولم يستطع العودة من الغزاة إلا عدداً ضئيلاً بعضهم اشترى حريته بمال وفير كانت كوبا ولا تزال بحاجة ماسة إليه.

ظلت كوبا حتى اليوم تحيا في قبضة دكتاتورية بالغة القسوة وفي فقر مدقع تحت نظام شيوعي متطرف لا يبدو أن هناك أملاً قوياً في تغييره رغم ابتعاد كاسترو عن السلطة لصالح أخيه راؤول.

فالبطالة متفشية رغم الإعانات الحكومية لأن الرواتب لا تتعدى خمسة وعشرين دولاراً في الشهر وأكثر المواد الغذائية مدعومة إلى حد يثير العجب. خذ مثلاً على ذلك: ثمانية كيلو أرز وثمانية سكر ونصف كيلو ملح وكمية من الاسباجتي - أشبه بالمكرونة - كلها مقابل ربع دولار في الشهر. اللحوم نادرة والأسماك أندر والملابس شبه معدومة إلا في المناسبات الوطنية والأعياد رغم أن كوبا مجموعة جزر زراعية وتنتج أفخر أنواع السيجار في العالم إذ يكفي أن تقول أن السيجار هافاني ليعرف المستمع أنه الأفضل وإن كان أيضاً الأغلى بعد خروجه من كوبا، كما أن الجزيرة واحدة من الأكثر خصوبة وإنتاجاً للسكر. وكانت تدفع لروسيا معظم إنتاجها منه مقابل احتياجاتها من النفط بعد المقاطعة الأمريكية القاسية للجزيرة. وهذا يجرني إلى حكاية أخرى في مسلسل العلاقات بين الجارة العظمى والجزيرة التي يحكمها كاسترو العنيد.

لما ثار كاسترو ومعه أخوه راؤول وطبيبه شيه جيفارا على نظام باتيستا الفاسد الذي كانت المافيا الأمريكية تدعمه مقابل امتصاص خيراته بالجملة والقطاعي، أوهم أمريكا أنه ينشد الديمقراطية الحقة والصالح العام فأيدته.

وبعد تحقيق انتصاره وإعلان الجمهورية كشف القناع عن حقيقته عندما صرح بماركسيته المتطرفة وانتمائه العقائدي للاتحاد السوفياتي قلباً وقالباً. وفعلاً وقفت موسكو إلى جانبه ومدته بالمال والسلاح والنفط إلى حد تزويده بالأسلحة النووية عام 1962 مع القاذفات الروسية التي كان باستطاعتها ضرب أي بقعة في أمريكا لو شاءت. ولو لا صلابة المقاومة الأمريكية بقيادة كينيدي وتعقل نظيره نيكيتا خروتشوف وسحبه للطائرات والرؤوس النووية لشهدنا كارثة ليس لها حدود قبل ستة وأربعين عاماً لو اشتعلت الحرب العالمية الثالثة.

لكن بعدها انتقمت روسيا باشعال حرب فيتنام وتوريط أمريكا فيها حتى النخاع ثم جاء دور أمريكا باستغلال الغزو الروسي الغبي لأفغانستان بإغراق روسيا في الوحل لأكثر من سبع سنوات والآن عادت أمريكا لتعاني من الكارثة نفسها وفي الموقع ذاته وبنفس درجة الغباء.

من الإنصاف لكاسترو أنه بنى كوبا التي كانت علبة ليلية للقمار والدعارة للمافيا ولأغنياء أمريكا وقضى تقريباً على الأمية ونظم الخدمات الصحية حتى أضحت من الأفضل في العالم ويسر للجميع الانتفاع بها وطور الصناعات القليلة رغم أن العجز التجاري لا يزال مخيفاً. صادرات البلاد لا تتجاوز قيمها ثلاثة مليارات دولار مقابل تسعة مليارات من الواردات كانت روسيا تساعدها في تغطية جزء منها لذلك تظل دولة معدمة على كل حال. متوسط دخل الفرد لا يتجاوز أربعة ألف دولار في العام لعدد سكان لا يتجاوز أحد عشر مليوناً.

ولا تزال الولايات المتحدة تحتل شريطاً ساحلياً اسمه جوانتانامو حولته إلى قاعدة عسكرية بداخله معتقل كبير وترفض الخضوع للأعراف الدولية أو حتى إبداء الاستعداد لإعادته إلى كوبا رغم مرور أكثر من مائة عام على احتلالها له مكافأة لها على سحق الاستعمار الاسباني. وتظل كوبا الدولة الماركسية الكاملة في العالم لا تجاريها في ذلك إلا كوريا الشمالية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى