سافر الآن.. وادفع غدا!

> أحمد المهندس:

> وقبل أن يسيل لعابكم للعنوان.. وتسارعوا إلى مكاتب “الأيام” الجريدة، وتسألوا عن العبدالله الذي قرر أن يفتحها على البحري وفرصة ومزاد للباحثين عن السفر والإجازة والهروب من حر عدن وبيوت الخيسة التي لا يملك أصحابها (كنديشن) إلا حمى ونيسة.. كما بشر وأفادنا الشريف فؤاد في منلوجه الشهير.ولربما استعد بعضكم للوقوف في طابور طويل يذكره بجمعيات زمان والبطاقات التموينية.

أو اعتقد البعض الآخر أنها أحلام صيف.. وضربة شمس أثرت على تفكيرنا لاقدر الله رغم العقال والشماغ الواقي.. لذلك أضيف للمزيد من الإيضاح لمعرفة حقيقة العنوان الذي شدكم لقراءته ما أقصد وأصل الكلام.. بأنني مثلكم انبهرت في البداية بالعنوان الذي نشرته إحدى المجلات الفنية العدنية في صفحتها الأخيرة بالأبيض والأسود قبل أن تغزو الألوان الصحافة وأوراقها.. ويقول بالنص:

(سافر الآن وإدفع غداً.. خطوط عدن الجوية تجعل الرحلات ممكنة للفقير والغني والموظف والتاجر إلى القاهرة ولندن ونيويورك وروما ونيروبي وجدة وأسمرا والخرطوم ومقديشو وبلاد عديدة أخرى).

كيف ذلك - معقولة - سألت وقلت قبلكم هذه الجملة.. ووجدت الإجابة في الإعلان وبقية كلمات نصه:

(إن نظام دفع تولون بالإقساط هو تسهيل الموسم الذي تفتخر بتقديمة للجمهور شركة الخطوط الجوية العدنية بالتعاون مع البنك الأهلي وجريندليز)

حلو كثير..على رأي فناننا السعودي الجميل(محمود) الذي ماكان سيدفع مثل هذه المفاجأة والمناسبة تمر بدون أن يصفق لها تصفيقته الشهيرة.

وأزيدكم شوقاً وأشبع فضولكم لزيادة المعلومات كما أشار الإعلان وأسجل عبارة بلا رتوش أوزيادة أو نقصان:

(لزيادة المعلومات اتصلوا بخطوط عدن الجوية شارع الملكة أروى- عدن أو بوكالات السياحة والسفريات المعتمدة أوبفرع التواهي عمارة لوك تاس تلفون:2687/2561).

وأقفل القوس والموضوع.. لأنكم إن وجدتم شارع الملكة أروى لازال على حاله وإن تغير ناسه وسكانه.. فلن تجدوا عندما تتصلوا هاتفياً مكاتب الخطوط العدنية لزيادة المعلومات والتسابق للمشاركة والحجز في إحدى هذه الرحلات اللقطة غير المعقولة والخيالية في زمن الفضاء المفتوح والقرية الكونية والاتصالات الميسرة عبر تقنية الجوالات والإنترنت.

ولن تجمع معكم (النمرة) وأرقام الهواتف فلم تعد الأرقام الأربعة موجودة وانتهت.. ولن تجدوا أيضاً اسماً أو مقراً للخطوط الجوية العدنية التي انتهت أيضاً من الوجود وأصبحت من تاريخ هذه المدينة الحالمة الجميلة المروي. فما قرأته وسجلته لكم إعلاناً نشرته مجلة (أنغام) الفنية الاجتماعية في الستينيات الميلادية من القرن المنصرم قرأته من خلال أحد أعداد المجلة التي كان صاحب امتيازها ورئيس تحريرها الأستاذ الشاعر/ علي أمان أطال الله في عمره وكانت تتخذ من شارع حمير بالتواهي مقراً لها وتصدر شهرياً.وقد زودني بها زميل حرف ومتابع من عدن ممن يعرف اهتماماتي بفن وأدب اليمن.وبالطبع لم أقصد أن أعيد عليكم نشر الإعلان.. وشد انتباهكم إليه لحجز مقاعدكم على رحلة إجازة صيفية.. وإن كنت أتمنى لكم ذلك وقضاء إجازات سعيدة في الوطن لمن لايملك الإمكانيات ويكتفي ببانيو الحمام بلاجاً ومتعة ذاتية.. والخارج لمن يملك (الزلط) والإمكانيات.

ولكني قصدت أن ألفت نظركم إلى ماشدني في هذا الإعلان الجميل الأهداف والمعنى الذي كان موجهاً إلى كل فئات الشعب اليمني وبالذات لسكان عدن والمحميات فلم يكن السفر والتفكير فيه أيامها مرهقاً ومتعباً للناس.. بل كان كما يشير الإعلان في متناول الجميع (بالهفته) والأقساط المريحة.. وأتحدى أن تكون هناك على امتداد خارطة الوطن العربي وخطوط طيرانه.. شركة طيران عربية أخرى فكرت بمثل ما فكرت وقدمت أيامها خطوط عدن الجوية التي انتهت مع الاستقلال واليمدا واليمنية بعد ذلك.

وبدلاً من أن يكون السفر بالطيران ميسراً مع كل هذا التقدم الذي شهدته شركات الطيران العربية ومنها الخطوط الجوية اليمنية بعد الوحدة.. أصبحت أكثر تعقيداً وتكاليفاً لايستطيع أن يستقلها ويستفيد منها سوى الميسورين.. ولمن باع ذهب (مكلفه) والبقرة والجربة.. ليسافر ليس للمتعة والفسحة ومشاهدة بلاد الله .

بل للعلاج أو العمرة والحج أو الاغتراب الا إرادي والاسترزاق.. فكيف كان السفر في عهد الاستعمار البغيض ممكناً للفقير والغني والموظف والتأجر، كما تشير إعلانات طيران عدن.. وأصبحت لفئة إنسانية واحدة تملك مراهم العصر لتمتطي بساطة وتستمتع بأحداث الطائرات وبمقاعدها الوثيرة.

اعتقد أن من يقرأ هذا الإعلان الآن في عصر إعلانات الكليب والألوان والنيون.. سوف يدهش للفكرة وجمالها، والدور الذي كانت تلعبه شركات الطيران المحلية لإرضاء عملائها من المواطنين والزوار لبندر عدن أو (هاف لندن)، كما كان يطلق عليها زوارها.. لما كانت تتمتع به هذه المدينة من جمال وإمكانيات وتسهيلات وثقافة وضيافة وكرم وفن.. ومظاهر حضارية سبقت العديد من مدن وبلدان المنطقة.

ولن تجرؤ أي خطوط طيران حالية على ممارسة ذلك الفعل الجميل والفكرة أو التجربة.. لأنها لن تضمن استرجاع تكاليف رحلاتها من المسافرين عليها.. لأنها ومعها الحكومة لن تضمت عودتهم ورجوعهم إلى الوطن مرة أخرى، ولن يفيدها الكفيل الحضوري الضامن أو(الجران) المرهون لديها أو البنك الذي تكفل بضمان الرحلات المؤجلة القيمة والدفع. رددوا معي بنشوة وأنتم تضعون مقالي جنباً بعد الفراغ من قراءته، كما فعلت مع المجلة الفنية القديمة التي نشرت الإعلان التاريخي المثير والمفرح لزمن جميل ونيات حسنة وأهداف نبيلة.. والذي يبعث على الحسرة والحزن في هذا الزمن العجيب.. وقولوا مع التنهيدة والألم:

زمان والله زمان؟!

صحفي وأديب سعودي - جدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى