قهوة الصباح

> عبدالقوي الأشول:

> لا أدري لماذا سميت تلك المقهى الواقعة في قلب ميدان مدينة كريتر باسم (كشر)، لأنه حسب علمي يوجد فول كشري عند الأشقاء المصريين، وهي تسمية لاتنسب للشاي بأي حال.

المهم أولاد السيد هاشم الوهطي ورثوا اسم ومقهى كشر من والدهم العزيز.

ولأن الصباح لدى معظم سكان عدن كريتر لايبدأ نهاره إلا بشرب شاي كشر، خصوصا عندما تكون الكهرباء (طافية)، بالتعبير المجازي للنادل اللطيف (علي)، الذي يطلق هذا التعليق على من يرتاد المقهى لشرب الشاي، وهو بين اليقظة والنوم، إذ يبادره بالقول الكهرباء طافي (يعني كهرباء الدماغ)، ما يحتم عليه شرب شاي جامد يكون كفيلا بتطيير النوم، ولأننا ممن عاصر العهد مع (كشر).

ربما يوحي لنا طيف الوجوه التي تأتي لتناول الشاي مع الخبز بأشياء كثيرة، عل أبرزها تلك الشكاوى من تضاؤل رغيف الخبز عاما تلو آخر، الأمر الذي يدعوك لطلب أربعة إلى خمسة أقراص فطور صباحي مسألة لا ذنب لأصحاب المقهى فيها بأي حال، لأنها مفروضة عليهم.

أكواب الشاي في تضاؤل مستمر، ما يوحي بضرورة أن تكون طلبية الأكواب القادمة أشد ضآلة في سعتها حتى تتيح لصاحب المحل تقديم شاهيه بعشرين ريالا لزبائنه الكثر، وهو سعر يحسب للرجل، بعد أن تخلت مقاهي المدينة عن هذا السعر تماما.

ربما لأن (كشر) الطيب (أعني السيد جمال هاشم الأستاذ) يدرك أن معظم زبائنه لا دوام لديهم عدا فكرة التحضير الصباحي في مقهاه، وهو حال يتطلب منهم البقاء لفترة أطول في تناول أكثر من كأس حتى تعلن الشمس عن شدة وهجها في سماء المدينة ذات الأجواء شديدة الحر صيفا.

أحاديث هؤلاء متنوعة للغاية، بين هموم تجارة غير رابحة وفواتير كهرباء ومياه لافحة، وحالة تقاعد قسري مبكر، حتى في تلك الأحوال التي يقرر فيها رئيسك العتيد أن لايرى سحنتك في مرفقه.. آخرون يشكون عناء السفر ومشقة متابعات أمورهم الوظيفية في العاصمة صنعاء التي تستلزم منهم (الدفع) (أعني الرشوة) لهذا وذاك لتحرير حاجاتهم، ليس ذلك فحسب، فهناك ركن سميناه نحن (زبائنه) (ركن المجانين)، ولا أجد تعليلا لسر تواجد أعدادهم في ذلك الركن، ربما لأن المكان بعرصاته يوحي لهم بشيء لا نفقهه، وهناك مجانين (نص نص)، المهم أنك تجد الصورة تكتمل في لحظة الذروة على طلب رغيف الصباح من البر الأسترالي، ونوادر الزبائن المغرمين بنكهة شاي كشر.

جمع ينفرط عقده بعد الساعة العاشرة.. حينها يكون بعض المجانين في كامل عريهم في قلب شارع السوق الطويل.. أما أسوياء القوم (أعني من حيث العقل) فكل يذهب في سبيله، ولاتدري إلى أين، فالكل في الهم شرق.

في نهاية الأمر تظل (كشر) جزءا من ذاكرة الناس ممن أدمنوا حب هذه المدينة، بل إنهم لايودون رؤيتها على هيئة أخرى كأن تسبدل من حجارات المرمر العتيق بالسراميك الزلق، فنكهة الشاي من نكهة المكان، وهذا سر ذلك الاشتهاء المفرط لذلك المقهى العريق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى