(قصة قصيرة).. الحي الدامي

> «الأيام» ياسين علي العولقي:

> جنبات الحي وأزقته بدت راكدة والبرك الموحلة تفشت في الأرجاء بعد هطول أمطار غزيرة بعد طول انتظار.. والأطفال بدأوا في الخروج من مكامنهم ليرسموا ابتسامات الرضى مهللين وفرحين بعد أن داعبت زخات المطر أجسادهم البريئة.

شيوخ الحي وشبابه بدأوا يتوافدون إلى المسجد لأداء صلاة العصر، وليرفعوا أكفهم للمولى حمدا وثناءً بأن أسبغ عليهم نعمة القطر.. نساء الحي بدأن في تفقد منازلهن.. الكل عمَّه دأب ونشاط بعد هذا اليوم الماطر.. من هنالك لاح رجل في بداية عقده الرابع.. أصلح من عمامته واستعد للنزول لتفقد أرضه البور التي أصابها جدب طال أمده.. تلك الأرض التي طالما شهدت مقاطعات وتخاصما بينه وبين جاره في الأرض المجاورة له.. جن جنونه فور رؤيته لأرضه البور لاتزال جدباء يابسة لم يصلها تدفق قطر السماء، بينما العكس هناك، فأرض جاره مشبعة وغارقة في سيل ملأها إلى الأذقان.. أدرك سبب ذلك حينما رأى سدا منيعا نصبه جاره الغيور لكي لاتصل المياه إلى أرضه، فاحت رائحة الغضب والانتقام منه، جنون الانتقام لم يبارح مخيلته، هرول على الفور عائدا إلى داره وشرر الغضب يتطاير من مقلتيه.

دفع الباب بقوة وأدخل يده إلى سردابه القديم وانتزع منه بندقيته الآلية التي أكل عليها الدهر وشرب، وأخذ يتفقد مخزن بندقيته ووجد بداخلها رصاصة وحيدة قابعة لسنوات.. جعل بندقيته على أهبة الاستعداد لمجرد لمسة خفيفة على الزناد تخترق رصاصته جسد جاره الغيور، خرج مسرعا وأخذ يركض وسط البرك الموحلة.. فجأة انزلق وفقد السيطرة على جسده وهو متأبط بندقيته.. سقط ومع وقع سقطته لامس الزناد شيء ما وانطلقت تلك الرصاصة ليختلط الدم بلون المستنقع، حينها تهافتت جموع المصلين إلى مصدر الصوت، ووجدوا الرجل غارقا في دم موحل .. حينها فقط أدرك الجميع السر.. نعم سر عزوف المطر عن السقوط في حيهم الدامي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى