تشغيل أكبر مختبر في العالم لكشف أسرار تكوين الكون

> جنيف «الأيام» بوريس كامبرلنغ:

>
تم أمس تشغيل أكبر مختبر لتسريع تصادم الجزيئات في العالم قرب جنيف بهدف كشف أسرار تكوين المادة والكون. وتم صباحا ضخ حزمة أولى من الجزيئات في (نظام تصادم الجزيئات) قامت بدورة كاملة في نفق الحلقة التي يبلغ طول محيطها 27 كيلومترا على عمق مئة متر تحت الأرض على جانبي الحدود الفرنسية السويسرية.

وقال مدير المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) روبرت إيمار إنه «يوم تاريخي» للبشرية التواقة لمعرفة «نشأتها ومآلها، وما إذا كان للكون الذي نعيش فيه نهاية». وتهدف التجربة الضخمة في مسرع تصادم الهادرونات إلى إحداث تصادم بين بروتونات تسير باتجاهين متعاكسين، وهو تصادم سينجم عنه نشوء جزيئات أولية يعرف العلماء بوجودها، لكن لم يتسن لهم مشاهدتها.

وسيعيد هذا التصادم خلال جزء من ألف من الثانية تكوين الظروف التي سادت في الكون بعيد الانفجار العظيم قبل أن تتحد الجزيئات الأولية للمادة لتكوين نويات الذرات. ويمكن أن تكشف التجربة عن جزيئات يطلق عليها العلماء اسم الجزيئات (الفائقة التناسق) التي يعتقد أنها تكون المادة السوداء في الكون، والتي لايعرف العلماء عنها شيئا، رغم أنها تشكل 23 % من الكون، في مقابل 4 % من المادة العادية. أما النسبة الباقية، أي 73 %، فهي مكونة من الطاقة السوداء التي تعتبر مسئولة عن اتساع الكون. كما يأمل العلماء أن تكشف التجربة عن المادة المضادة التي تكونت منها كمية مساوية للمادة عندما حدث الانفجار العظيم قبل 7،13 مليار سنة، والتي اختفى معظمها منذ ذلك الحين. وستجرى هذه التجارب من خلال أربعة أجهزة رصد تم تثبيتها حول الحلقة الرئيسية.

بدأت التجربة بعيد السابعة والنصف صباحا بتوقيت غرينتش بضخ الحزمة الأولى من البروتونات، وهي جزيئات مركبة من عائلة الهادرونات. وبعد أقل من ساعة من بدء التشغيل، كانت الحزمة قد قامت بدورة كاملة في الطوق، وحققت بذلك الهدف الرئيسي للعلماء في اليوم الأول. وتبعت هذه الخطوة ضخ حزمة ثانية في الاتجاه المعاكس بداية بعد الظهر.

وبتوجيه من قطع مغناطيسية عملاقة هي موصلات فائقة للطاقة تم تبريدها حتى 5،271 درجة مئوية تحت الصفر، قريبا من درجة الصفر المطلق، سيتم تسريع الحزمتين تدريجيا حتى سرعة قريبة من سرعة الضوء. وسيتم التصادم الأول للبروتونات خلال بضعة أسابيع عند طاقة تبلغ 450 غيغا إلكترون فولت (غيف) أي أقل بقليل من نصف الطاقة التي بلغها (فيرميلاب) في شيكاغو، الذي كان حتى الآن أكبر جهاز لتسريع تصادم الجزيئات في العالم.

وفي حال سارت الأمور وفق الخطة المرسومة، يتوقع أن تبلغ الطاقة المولدة عن التصادم في نهاية أكتوبر خمس مرات أكثر من الطاقة التي سجلت في فيرميلاب. فبعد إغلاق استمر عدة أشهر خلال الشتاء، تم إعداد القطع المغناطيسية العملاقة بحيث تعمل بكامل طاقتها التي تصل إلى 7 تيرا - إلكترون فولت. وقال دانيال دنغري، عالم الفيزياء الذي يعمل على التجربة إن تشغيل المسرع يعد «إنجازا تكنولوجيا كبيرا»، متوقعا أن تفضي التجربة إلى «اكتشافات مذهلة».

ويؤدي تصادم البروتونات ولفترة قصيرة إلى إطلاق طاقة حرارية تفوق بمائة ألف مرة حرارة نواة الشمس، ويفترض أن تتيح خصوصا رصد جزيئة هيغز (بوسون هيغز)، وهي جزيئة غامضة يعتقد أنها هي التي أعطت كتلتها للمادة وفق نظرية (النموذج القياسي) التي وضعها العالم البريطاني بيتر هيغز.

ويمكن للتصادمات أن تولد ثقوبا سوداء صغيرة يؤكد علماء المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية أن لا خطر منها، لأن حياتها ستكون قصيرة جدا. وكان علماء أعربوا عن خشيتهم من أن تلتهم هذه الثقوب كل المادة المحيطة بها وتؤدي إلى نهاية العالم. وأكد بيتر هيغز (79 عاما) أمس، أن مسرع الهادرونات سينجح على الأرجح في الكشف عن الجزيئة التي منحها اسمه بعد 44 عاما من وضعه لنظريته التي أحدثت ثورة في عالم الفيزياء.

وقال «ما أقوله هو أنه إن لم يتم التوصل إلى شيء في مسرع الجزيئات فهذا يعني أنني وأشخاصا آخرين سنكون عاجزين عن فهم أي شيء مما نعرفه عن التفاعلات الضعيفة والكهرومغنطيسية». حشد المشروع الذي بلغت كلفته 76،3 مليار يورو واستمر بناؤه 13 عاما، آلاف الفيزيائيين والمهندسين من العالم أجمع.

(أ.ف.ب)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى