> «الأيام» مقبل عبدالله محمد /ردفان - لحج

حين كانت أصابع يده تعبث بلحيته الكثة، كانت عيناه في حوار بيزنطي شائك مع صورته المعلقة على الحائط المقابل، وفي حين كانت أسراب البعوض تنتشر في كل أجزاء الغرفة.. وفوق رؤوس الاولاد الذين حشروا أجسادهم النحيلة في أحدى زواياها دونما حراك ألا من عيونهم التي كانت تتراقص بحركة بندولية تسابق رجفات قلوبهم اللاهثه. حينها وفي خطوة غير مسبوقة القى بعمامته على كتفة كيفما كان وانطلق لايهتدي، ينتقل بسرعة بهلوانية من زقاق إلى آخر يسابق الثواني عله يدرك بعض الوقت الذي فات.

في وسط المدينة، كان الزحام على اشدة، كان الباعة قد افترشوا الشارع يعرضون بضائعهم.. كل شيء هنا يباع بشكل غير لائق. قلة هم المشترون مقارنة بالمتفرجين، على مقربة منك قد ينشب عراك لا تعلم أنت فصوله ولا بداياته وبنفس السرعة التي ابتدأ بها ينتهي ويختفي اشخاص مخلفين لك الحيرة التي لن تطول حين تجد أن محفظة نقودك قد اختفت.. وتختفي تلك الضوضاء ويقل ذلك الزحام رويدا رويداً كلما ابتعدت عن وسط المدينة.

حين عاد كان الأولاد قد عافوا البقاء في تلك الزاوية من الحجرة، وحبذوا الشارع على كل ما فيه من القسوة والتناقضات، هز رأسه يتوعدهم ثم اتجه إلى الباب الذي يفضي إلى الغرفة الأخرى.. كانت تتوسط الغرفة، وضع كيس الأدوية عند قدميها وجثا على ركبتيه.. حين اراد أن يتكلم تعثرت الكلمات في حنجرته.

أما هي فقد كانت تنظر إليه بفتور وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة ساخرة.

مد يده المرتعشة ليغضي وجهها كي يواري عنه تلك النظرة والابتسامة الساخرة، فلم تسعفه يداه، ومن يديه انتقل الخوف إلى باقي أجزاء جسده حين تلقى تلك النظرة والابتسامة في عينيه، وعلى جدران الغرفة وفي الأرضيات، فتجمد الدم في اطرافه فلم يستطع تغطية وجهها حين بدا له أنها قد ماتت.