فقدان لك.. ياحبيب العمر

> «الأيام» عبدالله اليماني:

> قرأت وفتشت كثيراً في فترة أمجاد هذا الرجل فلم أجد عنه ولا حوله ربع ما كان يكتب عن أسماء تنتمي إلى جيله، في حين أن البعض منهم لم يكن يتمتع ولو بقليل من موهبته، وأعدت القراءة مرة أخرى.. ولما اكتشفت أنه لم ينجح إعلامياً في حياته ولا حتى بعد رحيله أيقنت أنه نجم كبير.. وكبير جداً.

ففي عالم الفلك توجد نجوم كبيرة في السماء بعيدة عنا لانستطيع رؤيتها إلا بالتلسكوب، وحين نتأملها ونمعن النظر فيها نجد أنفسنا ننحني أمام سحر جمالها وعظمتها.. والزيدي واحد من تلك النجوم.

صحيح إن للعلاقات العامة أثرها في نجاح الفنان، ولكنها موهبة أخرى فوق الموهبة الفنية قد يجيدها نصف الموهوب فيصبح (سوبر ستار) عصره، وقد يخفق فيها شديد الموهبة فلا يلمع نجمه ولايحقق نجاحاً إلا بعد رحيله عن عالمنا على يد وقلم ناقد محايد يجود به الزمان.

لم يقف الفنان محمد عبده زيدي يوماً مثل غيره في مواكب النفاق والطبل والزمر، ولم ينتظر أن تأتيه الفرصة عبر دعم أو وساطة، لكنه اقتحم الميدان واستثمر موهبته كما ينبغي.. كانت رحلته مع الفن رحلة كفاح عظيمة وانطلاق من تحت الصفر إلى قمة القمم وسط زحام حشد هائل من أقوى الحناجر والأصوات والأسماء والطاقات.

ولأنه رفض أن تكون أعماله جريدة صاخبة تظهر اليوم وتفرش على الطاولة في اليوم التالي، فقد غنى أقل من غيره بكثير، لكنه تفوق عليهم أكثر.

لذا فإنه يستحق منا كل الحب والتقدير.. لأنه أستاذ، صنع فنه على مهله بعقلية المتأمل الواثق حتى جاءت أعماله التي تنزل علينا الآن برداً وسلاماً وكأننا نتلقاها طازجة، خارجة لتوها من فرن الإبداع.

وهاهم أحباب فنه يزدادون يوماً بعد يوم.. كل هذا وهو في رحاب ربه.. بينما لايزال عطر فنه النفاذ يفوح في قلوبنا يزكيها وينعشها.

وإذا كان بعد كل هذا العمر من العطاء الفني قد أخذ أقل مما يستحق، فإنه سيأتي زمن يعرف الناس قدر فنه أكثر.. وما لم يأخذه حياً سيأخذه بأعماله الحية، فألحانه وأغانيه كانت وستظل تبعث فينا النشوة وحب الحياة وتعيدنا إلى صبانا وبراءتنا.. حتى ولو كان قطار العمر قد مضى بنا إلى محطة بعيدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى