لوكليزيو.. كاتب التجوال الثائر على الغرب المادي

> كلود كاستيرانباريس «الأيام» أ.ف.ب:

> اختارت الأكاديمية الملكية في ستوكهولم، بمنحها جائزة نوبل للآداب للعام 2008 للكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو، تكريم أحد كبار أسماء الأدب الفرنكفوني المعاصر، صاحب نتاج أدبي غزير، ينتقد فيه الحضارة المدينية العدوانية والغرب المادي.

يروي لوكليزيو بأسلوبه الصافي والبسيط الوحدة والتجوال، وهو الذي لم يحط رحاله، بل بقي كالبدو هائما على وجه الأرض.

يحتل هذا الكاتب المعروف منذ سنوات موقعا فريدا في فرنسا، حيث يحظى باحترام وإعجاب منقطعي النظير، وهو من الأدباء القلائل الذين تلقى كتبهم إقبالا كبيرا، وتبيع أعدادا كبيرة، مع حفاظها على معايير أدبية عالية.

احتفظ لوكليزيو رغم بلوغه الثامنة والستين بمظهر فتى شاب، بقامته الممشوقة وعينيه الزرقاوين، وهو ليس متوحدا بالقدر الذي يقال أحيانا، لكنه خفر متكتم ومقل في كلامه، وحين يتكلم يختار كلامه بصفاء ووضوح وثقة.

لقب بـ(كاتب الترحال) و(هندي في المدينة) و(الأحدي الرائع) نسبة إلى المذهب الأحدي القائل بوحدة الوجود، وكلها ألقاب تشهد على شغفه بالطبيعة وبالثقافات القديمة والفضاءات البعيدة، إلى حد أنه ابتكر في أعماله عالما من نسج خياله، حيث حضارة المايا تتحاور مع هنود الأمبيرا البنميين، وبدو الجنوب المغربي يختلطون بالعبيد الهاربين من جزيرة موريشيوس.

وتعبق أعماله المترجمة إلى لغات كثيرة بتوق إلى العوالم الأولى البدائية، وكان حتى الثمانينات كاتبا مبدعا طليعيا، وثائرا عالج في كتاباته الجنون واللغة والكتابة قبل أن ينتقل بعدها إلى أسلوب أكثر هدوءا وصفاءً، تصدرته مواضيع الطفولة والتوق إلى الترحال والاهتمام بالأقليات، فطاول جمهورا أوسع.

ولد لوكليزيو في 13 أبريل في نيس جنوب فرنسا، في عائلة هاجرت إلى جزيرة موريشيوس في القرن الثامن عشر، من أب إنكليزي يعمل طبيبا في غابات أفريقيا وأم فرنسية. بعد أن حاز إجازة في الأدب، عمل في جامعة بريستول ثم جامعة لندن، وفي السبعينات سافر إلى المكسيك وبنما، حيث عاش عدة أشهر مع الهنود، وقال هذا الثائر الكبير الهادئ القلب والذهن «هذه التجربة بدلت حياتي وأفكاري عن عالم الفن وطريقة تصرفي مع الآخرين.. كيف أمشي وآكل وأنام وأحب، وحتى أحلامي».

وصف البعض أسلوبه بـ«الخيال الميتافيزيقي»، حيث إن كتاباته الكلاسيكية والبسيطة تهز في الواقع أسس الأدب التقليدي، وتعيد النظر فيها بدون التوقف عند القشور، بل ساعية دوما إلى «الغوص عميقا مستكشفة لب ما هو مأساوي وحقيقي بحثا عن اللغة المؤثرة التي تحرك المشاعر وربما تحول الليل إلى ظل».

قال يوما «يخيل لي أنني شيء صغير على وجه هذه الأرض، والأدب يساعدني في التعبير عن ذلك.. إن جازفت وتسللت إلى مجال الفلسفة، أقول إنني أشبه بمسكين من أتباع روسو لم يفقه شيئا».

اشتهر لوكليزيو في سن الثالثة والعشرين، عند صدور روايته (لو بروسيه فيربال) (المحضر)، التي حصلت على جائزة رونودوه، إحدى أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية.

وتعاقبت بعدها الأعمال من روايات ومجموعات قصصية وأبحاث، ومنها (لا فيافر) (الحمى) و(ليكستاز ماتيرييل) (النشوة المادية) و(تيرا أماتا) و(لوليفر دي فويت) (كتاب سبل الهروب) و(لاغير) (الحرب) و(لو شيرشور دور) (الباحث عن الذهب) و(لو ديلوج) (الفيضان) و(فواياج دو لوتر كوتيه) (رحلات إلى الجانب الآخر) و(فواياج آرودريغ) (رحلة إلى جزر رودريغ) و(إيتوال إيرانت) (النجمة الهائمة) و(دييغو وفريدا) و(ريفولوسيون) (ثورات)، وتبرز من بين رواياته كلها رواية (ديزير) (الصحراء)، وصولا إلى روايته الأخيرة الصادرة عام 2008 بعنوان (ريتورنيل دو لافان) (لازمة الجوع).

يعيش لوكيزيو منذ فترة طويلة مع زوجته جمعية، المتحدرة من أصل صحراوي مغربي، وابنتيهما في البوكيرك في نيومكسيكو بالولايات المتحدة.

يقال إنه لايقرأ الصحف ولايستمع إلى الإذاعة غير أن ذلك لايعني أنه منقطع عن فرنسا، فهو غالبا ما يزور مدينة نيس ومنزله في منطقة بريتانيا شمال غرب فرنسا من حيث تتحدر عائلته.

ويقول لوكليزيو «إن كان مايزال في وسعنا التحدث عن فرنسا اليوم ورؤيتها ماثلة عند تقاطع التيارات، فذلك بواسطة اللغة والكتب».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى