وللفن أسراره .. الاكتشاف.. بين العالم والفنان

> «الأيام» فاروق الجفري:

> يحار المرء عند مقارنة التفكير الذي يتّبعه بعض العلماء في معاملهم ومختبراتهم بالتفكير الذي ينتجه الفنانون في إبداعهم الفني.. ومبعث الحيرة أن العلماء يتعاملون مع الحقائق والأرقام والمعادلات والقواعد التي يكتشفها العلم، بينما أهل الفن لايتبعون نفس المدخل، فإحساس الفنان وإلهامه ورؤيته الذاتية الخاصة هي غاية التجربة، ولذلك يبدو الأمر في تناقض.

المجموعة الأولى تبحث عن الموضوعية، وتحاول قدر استطاعتها إلغاء الذات، بينما الثانية تؤكد الذات، ولاتجعل من الموضوعية معيار النجاح.. والحقيقة أن كلا من العالم والفنان يشتركان في رحلة الكشف في عوامل، ويختلفان في أخرى.

إن العالم والفنان يشتركان أيضا في كشف الجديد، الأول يضعه في قانون أو قاعدة أو معادلة أو تعميم، أما الثاني فيحوله إلى تعبير.. يأتي الخلاف بينهما في أن ما يصل إليه العالم لايحققه عادة إلا بعد تجريد نفسه من كثير من العوارض الذاتية، ويضع قدر إمكانه حدودا موضوعية يستطيع غيره من العلماء أن يدركها وأن يعيد التجربة ويصل إلى نفس النتائج.. لكن الفنان ينتهي بتجربة تعتمد على ذاته كإنسان له أهواء وانفعالات وخيال يستطيع أن يحلم ويحلق في آفاق المعاني والقيم والعلاقات، ويستطيع غيره بعدئذ أن يأتي ويرى ما كان يراه الفنان.. ولولا معونة الفنان وسبقه ما كان يستطيع هذا التابع أن يرى ما يرى.

الذي يكرر تجربة العالم يعرف نتائجها من قبل، والذي يخوض تجربة الفنان يعيش ملابساتها ويعرف نهايتها، فالشخص في كلتا الحالتين ليس عالما أو فنانا، لأنه يكرر شيئا معروفا من قبل.. فلابد أن نسلم أيضا بأن كلا من العالم والفنان يمر في مرحلتي (الملاحظة والتعميم)، يلاحظ الظاهرة في أمثلة متعددة (جزئيات)، فيجد فيها أشياء تتشابه وأخرى تختلف، وعند جمع المتشابه إلى بعضه وإعطائه اسما، وجمع المختلف وإخراجه من المتشابه- أي حينما تحدث عملية تصنيف- فإنه يكشف للناس أصولا تيسر عليهم التعامل مع الظواهر التي يجابهونها في كليات أو أنظمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى