> الشيخ طارق محمد عبدالله، المحامي:

أولاً بإيجاز شديد، ماذا تعني إدارة شؤون الحكم الجيد حسب الأصول وأهل المسئولية والاعتماد؟. هي بصدد قاعدة القانون والأسلوب الذي بموجبه تحكم وتدار دفة أمور البلاد.. حيث تعني عملية صنع القرار والعملية التي بموجبها يتضح مدى تطبيق أو عدم تطبيق القرارات، القوانين، اللوائح والأنظمة من قبل السلطات المحلية، الجيش وكل قطاع أو شريحة من المجتمع المدني.

إن إدارة شؤون الحكم تشمل كل حقل أو نشاط من الحكم مثل الحكم الوطني، الحكم المحلي، إدارة شؤون حكم الهيئات أو المنظمات غير الحكومية ونظام الحكم الدولي.. ونحن هنا معنيون فقط بالحكم المحلي والوطني في اليمن، في حين أن السلطة المحلية والحكومة هما الفاعلان الرئيسيان في إدارة الحكم.

والحكم يكون حسب الأصول في البلاد إذا كانت عملية صنع القرار من قبل السلطات المحلية، والحكومة مبنية على قاعدة القانون التي تتطلب ضمن أشياء أخرى قضاءً نزيها ومستقلا وشرطة محايدة ونزيهة لاتتأثر بوسائل الفساد أو أسباب الإغراء، فإذا لم يوجد ذلك في البلاد فهذه إشارة واضحة إلى إدارة حكم فاسد.

والحكم حسب الأصول يتطلب الشفافية التي تعني القرارات التي تم اتخاذها لوضعها موضع التنفيذ، والعمل بأسلوب يتماشى مع القوانين والأنظمة، وتعني أيضاً أن المعلومة متاحة اختياراً، ويمكن الوصول إليها بشكل مباشر وتوصيلها إلى كل من يتأثر بتلك القرارات وتطبيقها، وتعني أيضاً توفير معلومات كافية بأشكال مفهومة بسهولة وخاصة وسائل الإعلام، والدولة التي تتبع قاعدة القانون والشفافية، وصحافة حرة موضع احترام، وحماية الصحفيين والحرية في العمل بأمان، فإذا لم يوجد كل ذلك في البلاد فهذه إشارة إلى إدارة حكم فاسد.

المحاسبة هي دليل الحكم النزيه.. ويجب أن تخضع السلطات المحلية والمؤسسات القانونية للمحاسبة أمام الشعب، وكذا كل فرد في القضاء: الشرطة والأمن والخدمة المدنية فيما يتعلق بمدى تطبيق القانون، اللوائح والأنظمة وانتهاكهــــا.. ويتعذر العمل بالمحاسبة من غير الشفافية وقاعدة القانون، وفي أي بلد كان إذا لم تمارس المحاسبة تصبح الدولة تعاني من حكم نظام فاسد.

إن إدارة شؤون الحكم السليم يستدعي المساواة بين الناس والعدالة الوجدانية من قبل السلطات المحلية والحكومة، وأن خير وسعادة المجتمع يعتمد على التأكد من أن أفراده لهم نصيب فيه، بحيث لايشعرون بأنهم قد استبعدوا من اتجاه عام المجتمع السليم، وهذا يعني أن لكل مواطن في كل زاوية من البلاد الفرصة المتساويـة أو بالأصح السوية لتحسين أو الحفاظ على سعادته.

إن إدارة الحكم السليمة تعني الفعالية والكفاية بصدد تلك العملية.. أي أن المؤسسات مثل الجهاز القضائي، الشرطة والخدمة المدنية.. تتوخي نتائج تغطي احتياجات الناس ومن ثم المجتمع من خلال الانتفاع الأفضل من جميع الموارد التي هي تحت تصرف البلاد.

وعندما لايكون هناك فحص ومراجعة لإيقاف الفساد في أي بلد فإن الفساد يترعرع فيه بشكل مفرط، وهكذا في أي بلد، فعندما تتعارض عملية صنع القرار مع قاعدة القانون، أو عندما تكون هناك صحافة حرة مستقلة ويكون أصحابها مستهدفين بأسلوب عدواني، وعندما لايخضع القضاة، ضباط الشرطة والأمن والمدنيون للمحاسبة أمام الشعب فيما يتعلق بأفعالهم الآثمة، وعندما يحرم المواطن العادي في مناطق مختلفة من الفرص المتكافئة، وعندما تكون الكفاءة في مؤسسات الدولة في حالة تدهور.. وهكذا دواليك، يترتب على كل ذلك المعاناة من إدارة فاسدة بكل وضوح.

والتهديد الموجه إلى الناشرين هشام وتمام باشراحيل من قبل مواطن تعتبر حادثة عادية.. وهذا يحدث في جميع أنحاء العالم.. ومع ذلك فــإن الجديد وما نعتبره غير عادي هو أن السلطــات المختصــة لاتأخذ هذه الحادثة على محمل الجد، وكما يبدو تتجاهلها.. انطلاقا من هذا المفهوم ومن عدم القيام بما يلزم سيتـأكد للمواطنين وبقية أقطار العالم ثبوت وجود عناصر سوء في إدارة الحكـم في اليمن.. وبالتالي فإن الديمقراطية ما هي إلا في شكـل هيكلي من غير مقوماته الجوهريـــة، ومن المؤسف ألا يدرك القادة أن النتائج المترتبــة على ذلك تعقد التقدم الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. نسأل المولى عز وجل أن يعين الجميع.. آمين!.