> د. علي صالح الخلاقي:

قبل أسابيع من وفاة المناضل.. والإنسان.. (سلمان) كنت قد انتهيت من جميع قصائد وزوامل متعددة قالها عنه وفيه الشاعر الشعبي الكبير الراحل شائف الخالدي في سنوات متعددة، فقد طلب مني ذلك نجله الصديق سالم سلمان وكيل وزارة الصناعة والتجارة المساعد، عند زيارتي له في المستشفى في صنعاء في عطلة الصيف، قبيل مغادرته بساعات لاستكمال علاجه في ألمانيا جراء الإصابات البليغة التي تعرض لها في تلك الحادثة التي أدت إلى مقتل الشيخ علي بن عاطف جابر، مدير مكتب الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام، في أرقى أحياء صنعاء (حدة) المدججة بالحراسات والعوائق الخراسانية.

كنت في انتظار عودة الصديق سالم سلمان لأقدم بمعيته هذه الباقة الجميلة من الأشعار لوالده، علها تخفف عنه شيئاً من وطأة المرض العضال الذي أنهك جسده، لكن الموت اختطف هذا المناضل الوطني الجسور ورجل الدولة الكفؤ قبل أن يصل نجله من رحلة العلاج، واضطر أن يقطع علاجه بعد أن بلغه نبأ وفاة والده وعاد ليلقي عليه النظرة الأخيرة ويشارك في مراسيم دفنه وقراءة الفاتحة على روحه رحمه الله.

رحل سلمان.. ويظل هذا الاسم يرن في عالم النسيان.. فقد طغى هذا الاسم على الاسم واللقب الحقيقي لصاحبه محمد أحمد علي الوالي، ولا غرابة في ذلك لمن عرف هذا الرجل أو عايشه أو سمع عن أدواره النضالية ومواقفه البطولية وصولاته وجولاته في مرحلة الكفاح المسلح، فقد كان ضمن رعيل المناضلين الأوائل ممن حملوا أرواحهم على أكفهم في سنوات النضال ضد الاحتلال البريطاني، وصنعوا إشراقة فجر الحرية والاستقلال الوطني.

وفي مرحلة ما بعد الاستقلال وصولا إلى الوحدة، ظل سلمان.. المناضل والإنسان على ثباته وصلابته في مواقفه الوطنية التي لا تعرف المراوغة وكان أحد رجالات الدولة المرموقين ومن صناع الوحدة الحقيقية التي اغتالتها حرب 94م الظالمة وجرفت مسارها الوطني الصحيح وحولتها إلى شعار إعلامي ومغنم وفيد في أرض الواقع وهو ما لم يرض به سلمان وكل وطني غيور، ممن حلموا بوطن جميل تزهر فيه الآمال، وتتفتح الأماني وتسود قيم العدل والخير والجمال والأمان في ظل دولة مؤسسات حديثة نواكب بها عجلة الحضارة المندفعة بقوة من حولنا، وأبوا العودة إلى قيم عفى عليها الزمن، تقود إلى المجهول وتنكر لنضالات وتضحيات وأهداف الحركة الوطنية برمتها.

سلمان.. لقد كان مصابنا جللا برحيلك، وعزاؤنا أن نرى جذوة القيم الوطنية الحقة متأصلة ومتألقة في إخوانك الزملاء الأعزاء: د. سالم، د.علي، د. عبدالرحمن، د. عبدالناصر.. ويكفيك فخراً أن اسمك قد حفر له مكانته بين عظماء الأمة وفي صفحات التاريخ.

وأختتم بهذه الأبيات من قصيدة للمرحوم شائف الخالدي قالها لسلمان أثناء ترشحه ومن ثم فوزه في انتخابات أعضاء مجلس النواب في إبريل 1993م يقول فيها:

عندي أمانة وذمة، في عاتقي لم تزل دين

لازم أؤدي الأمانة، لمن أراه أحمر العين

أعرف من الشخص ذي له، ركب قوية ورجلين

ويعرف الشعب عنه، من هو وما اسمه ومن أين؟

من غير (سلمان) أعني، (والي) وعقله بعقلين

من قال له حق واحد، قلنا لسلمان حقين

وإذا كان الخالدي قد أدى الأمانة في حياته، فإن توثيق وتدوين تفاصيل سيرة المناضل سلمان ومآثره ومناقبه تظل أمانة في عنق كل زملائه وكل من عرفه وعايشه.. نأمل أن لا يبخلوا عليه بها بعد مماته وفاء لرجل يستحق الوفاء.

رحم الله فقيد الوطن والأمة المناضل المقدام ورجل الدولة محمد أحمد الوالي (سلمان).. ورحم الله كل من سبقه من الرجال الذين (صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).