صالح علي باصرة.. سلمت لنا وللوطن

> د.هشام محسن السقاف:

> حفزني الزملاء في قسم التاريخ بكليتي التربية والآداب أن أكتب شيئا من باب الوفاء لأستاذ التاريخ وصاحب البصمات الأكاديمية الجلية في الجامعة، ومايسترو التغيير عن طريق التعليم الدكتور صالح علي باصرة.

لم أكن حقيقة أحتاج إلى مثل هذا التحفيز، لأن الرجل كان قد مدّ جسورا من العلاقات الحميمة مع زملائه، واضعا نصب عينيه أن الجهد الجماعي المخلص- في أي بناء حضاري- أفضل بكثير من الجهود الفردية أو التي تعتمد على فئة أو جماعة، فهي من زاوية تحتكر ما لايحتكر، ومن ثم تعود وتنكمش كالجزر الصغيرة المتناثرة، بينما استنهج الدكتور باصرة رؤيته الثاقبة العلمية والسياسية عبر استنهاض الجهد الجمعي، سواء على مستوى الموسسة الأكاديمية أم في الوزارة، بعيدا عن الحساسيات المفرطة التي تُقصي وتُحيّد وتُهمّش بحسابات ضيقة سياسية أو اجتماعية.

وهو بذلك يتكئ- ربما- على خبرة طويلة في الحياة والعمل والسياسة، تستقر على أن (الوطني) في الفكر والممارسة لن يتحقق في مستواه الحضاري الأخلاقي في ظل انعدام الرؤية الموضوعية للوطن بتجلياته المختلفة وبتداخلاته المتشعبة وبألوانه المتنوعة.

ومن ذلك نلمس سر النجاح في تجربة باصرة في أحلك وأصعب اللحظات التي مر بها الوطن، في الجامعة مثلا بعد حرب 1994م المأساوية، مع ما نراه في الرجل من زهد شديد في استراق لحظات بعينها للوصول إلى ما هو أكبر وأكثر مما هو فيه (الجامعة)، لكنه استطاع أن يجعل هذه (الجامعة) كبيرة بحجم الوطن، وتضعه بالتساوي في الدرجة نفسها التي يتبوأها آخرون في أعلى الهياكل الإدارية، بل يمتاز عنهم بهيلمان آخر وكاريزما شعبية نتاج ما صنعت يداه وقدمت، حيث استطاعت الجامعة في هذه الأثناء أن تنفتح على المسئوليات الكبيرة (الوزارات) برفد الأخيرة بعدد من المؤهلين فيها، وبشعور الغبطة الذي رأيناه عيانا على الرجل، وكأن جامعته هي النبع والوزارة الرافد.

عندما غادر الدكتور صالح علي باصرة الجامعة لم يغادرها معنويا، ولم ينقطع عن أداء الرسالة الأكاديمية، ولم تحمله الوزارة إلى غايات أخرى- كما تفعل هي دوما بصاحبها- بل نراه يسير سيرته الأولى، محاولا أن يجند كل ما لديه في الذهن والعقل لاستمرارية مشروعه الوطني، الذي وإن كان هو المايسترو في أوركسترا متآلفة مؤتلفة في جامعة عدن التي لم تمسسها روح التشظي المفجع وبكتيريا الفساد كثيرا كما هو مستوطن في مفاصل الموقع الجديد، فإنه يفاجئ الجميع بروح المسئولية المتقدة شبابا وحيوية، يفتقدها من هم في سن الشباب والفتوة حقا، ويبدأ حربا في الإدارة والفكر الإداري وفلسفة الأداء في أكثر معاقل الفساد قوة، مستمدة من جريان (العادة) ومن إغراءات البعوث الخارجية.

ومن ذات الروح التي تلتزم بالتوجه السياسي في المسئولية، ولكن عن طريق الفكرة الوطنية الواسعة، يكون باصرة هو نفسه في اللجنة المكلفة بدراسة أحوال المحافظات الجنوبية والشرقية، وكما كان في جامعة عدن، يحلق بروح التعالي الوطني نزولا عند رغبة الوطن، فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه.. وبذات العقلية التي رأت التاريخ ودرّست عباقرته وأبطاله ومازالت تفعل ذلك، سوف يَدْرُس أبناؤنا وأحفادنا ذات يوم سيرة مفكر وبطل من هذا الزمان هو الدكتور صالح علي باصرة.

سلمت لنا يا أبا شادي من كل مرض، وسلمت للوطن!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى