زلة قلم

> عبدالقوي الأشول:

> «دائما تكون فكرة التنوع في الوطن معادية لوحدة الوطن.. ولكن هذا التنوع غنى ثقافي وحضاري للأوطان، إذا حسنت إدارة التناقضات فيه» (هيكل).

أما حين تختفي الأقلام وتنكفئ عن الكتابة- لا لأنها لم تجد ما يستحق أو يستدعي التعبير عنه، ولكن لأن أحدا لايؤمن بإسهاماتها ولايعدها جزءا رئيسيا من النسيج الثقافي الاجتماعي الحضاري- فإن مثل هذه الإشكالية القديمة الجديدة تعد معيارا رئيسيا للقياس، إذا ما أردنا معرفة خصائص النظام السياسي لأي مجتمع.

فحين تبدو الكتابة جدا صعبة أو متعذرة، مهما كانت عبقرية الكاتب- وفق رؤية روائي عراقي- باعتبارها غير قادرة على استيعاب ما يجرى لكون ما يجري فوق التصور وأكبر من الكتابة.. حينئذ تكون أحوال المجتمع غير طبيعية.

والثابت أن ليس بمقدار أي كاتب خلق مساحات عالمه وبعث درجات تفاؤله كي يغدو مشحونا بالرغبة للكتابة والتواصل مع قارئه.. أدباؤنا كتابنا صحفيونا هم ليسو أقل شأنا إبداعيا عن سواهم.

إلا أن فعل الكتابة يغدو متعذرا لا بحكم فرط إحساس وشفافية هذا الوسط الإبداعي فحسب، ولكن لحالة اليقين المسبق بهوة العلاقة بين الكاتب والسلطة أو السلطات عبر حقب التاريخ تبين بجلاء مسالك هذا الطريق الوعر والشائك، ناهيك عن درجة القسوة التي كوفئ بها هؤلاء وأولئك.

ولأن كلنا عبدالحميد، حسب ذلك الموقف التاريخي المرتبط بـ (عبدالحميد الكاتب) وهو أديب أموي كان يتولى ديوان الخليفة مروان بن محمد.. إلا أن الثوار العباسيين عدوه أحد أبرز المطلوبين، الأمر الذي دفعه للاختفاء عند صديقه الأديب عبدالله ابن المقفع، وحين صاح قائد كتيبة الجند التي أُمرت بالبحث عنه قائلا من منكما عبدالحميد أجاب عبدالحميد وابن المقفع في آن واحد «أنا عبدالحميد»، الحال الذي جعل الجندي المكلف بالقبض على الكاتب يشعر بالدهشة، عندها تقدم عبدالحميد بثبات ليقول مهلا إن لكل منا علاماته ومميزاته.. وهكذا قابل الموت بثبات، لا لشيء، ولكن بسبب موقفه من الأمويين.

فكم تبدو معاناة هذا الوسط متماثلة في مختلف الأزمنة، رغم كون حقائق التاريخ ومعطياته تشير إلى ازدهار الحياة الثقافية الحضارية الاقتصادية الاجتماعية في ظل سلطات حكم تؤمن بالعطاء والتنوع.

فهل تشكل مقدرة السلطات على جعل الأقلام تنكفئ وتتوارى عطاءات البشر المتنوعه انتصارا؟. وأي ضرورة تستدعي إلزام مثل هؤلاء بتعهد خطي يقضي بعدم ممارسة حق الكتابة.. وهل يمثل نمط السلطة المطلقة والحرية المقيدة اتجاها يعول عليه في البناء الحضاري؟.

إنها فكرة، إنها رأي، فإذا لم تكن كذلك فهي زلة قلم، وهي ليست أبلغ وأنكأ من زلة اللسان والفعل، بلى هي ليست ظلما وعدوانا.. كلا بل إن العدمية هي أمضى تعبير عن حالة التصحر التي نعيشها، والأحوال الطبيعية لحياة الإنسان أن يكون غير محاط بالمحاذير ومقيد بالممنوعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى