أزمة الوطن: بين تداعيات استقالة هلال وقصيدة القصيبي

> د.هشام محسن السقاف:

> ثمة ما يقلق حقا، ولسنا في أحسن أحوالنا كما يقولون؛ حتى لا نكون مثل الذي غطى وجه الشمس بغربال ليمنع الضوء، فبناء الدول - ونحن قد تأخرنا في ذلك أكثر من غيرنا - لا يعتمد على الأدوات التي تعرقل مشروعنا الوطني المدني الحضاري لتعتاش من معاناة شعب ووطن بشرعية القوة والنفوذ المكتسب، فنتوه، وتصبح الدفة بيد أخرى، يد تبني لنفسها مشروعها الخاص، مشروعا يبدأ من الذات وينتهي بها، وقد صدق تقرير باصرة- هلال حينما شخّص الحالة اليمنية بتحديد الخيار بين التضحية بخمسة عشر فاسدا، ناهبا للأرض والمال العام، أو التضحية بشعب هذا البلد السعيد (ببؤسه) كما يصوره إعلام بائس.

إن المأساة في شقها الآخر كوميديا دامعة، وقد صدق أحدهم في غضبة مضرية كما يقولون نفثها لزميل له وهو يهاتفه من سلطنة عمان التي ذهب إليها ضمن وفد:«إذا كان ما رأيناه إنجازات، فماذا نسمي ما يدعيه إعلامنا إنجازات ومكاسب». والواقع أن هناك تجارب كثيرة اكتسبت نجاحها الباهر في البناء والتنمية الحقيقية -غير عمان الشقيقة- بإمكانات هي أقل مما هو في اليمن السعيد، لكن الأمر ارتبط دائما بإرادة سياسية وإدارة عصرية تقودها الكفاءة والخبرة.

لقد كان هناك دائما فسحة من الأمل في صدور الكثيرين ممن يتوقون إلى دولة تتخطى مرحلة اللا دولة، ومن دون البكاء على اللبن المسكوب، وقد ضاعت فرص حقيقية للبدء فيها، كان أهمها لحظة الوحدة التاريخية، فكان الرهان في ظل تعقيدات يمنية معروفة سياسية واجتماعية على الشرعية الديمقراطية مدخلا لإحداثية بينوية نحو الدولة العصرية، بفك الرباط غير المقدس بين المؤثرات المعيقة من حرس قديم وسواهم وآلية الحكم أو السلطة (حتى) دونا عن الحاجة لثورة ثقافية تشبه الثورة الثقافية في الصين في بلد لا يحمل مثلها، وإنما عن طريق الردع القانوني الصارم، وإعادة الاعتبار للأمة وتاريخها ونضالاتها وتضحياتها بعد عقود من الصبر والانتظار، والانتصار لها في الحياة الكريمة والمساواة والعدالة الاجتماعية ووضعها على الطريق السلمي للالتحاق بركب الدول المتطورة. وكنت ممن كتب في هذا الاتجاه، مناديا ومحفزا أن يكون القدح المعلى في صياغة القرار لصالح الاتجاه الوطني العام.. الوطن بملايين العشرين. وكان هاجسي يذهب في اتجاه أن لحظة الفعل الحقيقي للتغيير مهما تباطأت، فإنها مواتية عندما تزامن الاستحقاق الديمقراطي في 2006 بالذهاب خطوة في التعبير عن الذات بالاختيار الحر، وكانت الأنظار تتجه نحو تنفيذ الوعود الانتخابية والبرامج البراقة قبل أن تمر الشهور وتؤدي الخيبة إلى ظهور التململ الشعبي الغاضب في غير مكان من الوطن الحبيب، بارزا هذه المرة في محافظات الجنوب والشرق.

وعندما كانت الأرض تمور، تبرز الرؤى ويتبارى المخلصون في فريق السلطة ممن يصلون الليل بالنهار لتشخيص الحالة والإتيان بالعلاج الناجع، في وقت تكشر فيه قوى الرفض والتأزيم (في السلطة أيضا) عن أنيابها، وتصب الزيت على النار، وتسعى للكيد والدس والتشهير ما أوتيت إلى ذلك سبيلا، لتنحي هؤلاء عن طريق إنقاذ الوطن، الذي يبدو -كلما استطاع فريق العيش عن طريق التأزيم تحقيق أغراضه- على حافة الهاوية.

لقد جاءت استقالة الأستاذ عبدالقادر علي هلال من منصبه كوزير للإدارة المحلية لتصب في اتجاه تدعيم الرأي السابق؛ قوى وطنية تريد الوصول بالوطن إلى الحالة الآمنة والسلم الاجتماعي والإدارة العصرية، وثانية من الحرس القديم والفاسدين الذين طاب لهم المقام على أطلال الوطن المتعب، وقد جاء في خطاب الاستقالة الموجه إلى فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح:«وحتى يسعد أولئك المنافقون الذين ظلوا يدفعوني ثمن ثقتكم الغالية في كل موقف وفي كل لجنة كنت أعمل فيها وأجتهد بأسلوب كي أصل إلى النتيجة الوطنية التي ترضي الله ثم ترضيكم..».

إنها خيبة أمل تكاد تلمسها في وجوه الكثيرين الذين صعقوا من خبر استقالة أحد الرجال الشرفاء في فريق العمل الحكومي، رجل دولة يتفانى في خدمة وطنه وتنفيذ توجيهات القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، ويحظى باحترام الآخرين حتى أولئك الذين يختلفون معه في الرؤى والتوجهات السياسية والفكرية. ولأننا في وقت عصيب تمر به البلاد، فقد كان المأمول أن تتعزز مواقع وصف الكوادر الوطنية الكفؤة والقادرة على إيجاد الحلول للقضايا الصعبة والمعقدة بدلا من أن تترك الساحة نهبا للفريق الآخر.

نشرت الزميلة «الوسط» قصيدة للأستاذ الشاعر والدبلوماسي السعودي المعروف غازي القصيبي، لعلها من قصائده التي نظمها قبل مدة من الآن، لكن بها تعبيرات وإيماءات تنطق بالصدق وتعبر عن حالنا.. يقول القصيبي في قصيدته كما تسلمتها في رسالة عبر الموبايل من زميل عزيز:

ألوم نفسي

ألوم صنعاء يا بلقيس.. أم عدنا

أو أمة ضيعت في أمسها يزنا

ألوم صنعاء.. لو صنعاء تسمعني

وساكني عدنٍ.. لو أرهفتْ أذنا

وأمة عجباً.. ميلادها يمن

كم قطعت يمناً.. كم مزقت يمنا

ألوم نفسي.. يا بلقيس.. كنت فتىً

بفتنة الوحدة الحسناء.. مفتتنا

بنيت صرحاً من الأوهام أسكنه

فكان قبراً نتاج الوهم، لا سكنا

وصغت من وهج الأحلام لي مدناً

واليوم لا وهجاً أرجو.. ولا مدنا

ألوم نفسي.. يا بلقيس.. أحسبني

كنت الذي باغت الحسناء.. كنتُ أنا

بلقيس.. يقتتل الأقيال فانتدبي

إليهم الهدهد الوافي بما ائتمنا

قولي لهم: أنتم في ناظري قذى

وأنتم خنجر في أضلعي.. وضنا

قولي لهم يا رجالاً ضيعوا وطناً

أواه لأحدٍ يستنقذ الوطنا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى