النصيحة التي قتلت صاحبها

> عمر محمد بن حليس:

> يحكى أن رجلا مر في الغابة، فوقع نظره على شخص يعتلي أحد فروع الأشجار وبيده منشار يقطع به الفرع الذي كان يقف عليه، فلفت انتباهه، فقال له ناصحا: احذر، فإنك إذا أكملت عملك ستقع أرضا، وقد يصيبك مكروه، لكن الأخير لم يعره اهتماما، بل ذمه ببعض الكلمات، ولما أكمل سقط هو والفرع معا، فهرع مسرعا ليلحق بناصحه، ولما أمسك به قال له: والله لأقتلنك، وفعلا استل منشاره وفصل رأسه عن جسده.

هذه الحكاية تذكرتها وأردت أن أعمل منها إسقاطا لمن لايعجبهم النصح والتناصح، بل تجد بعضهم يضيق صدره بالنصيحة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الدين النصيحة، وحديثه صلوات ربي وسلامه عليه واضح، ويأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بأن نقول النصيحة، مشيرا إلى أن قبولها بحسنتين وعدم القبول بحسنة واحدة.

وعن النصيحة يقول عميد «الأيام» محمد علي باشراحيل (رحمة الله عليه): «قليلون هم الأشخاص الذين يقدرون النصيحة الأمينة المخلصة، وكثيرون هم الذين يضيقون بها ويفضلون الهروب منها، لأنهم لايقدرون على هضمها». («الأيام» العدد (1538) 15 مارس 1964).

وطبيعي جدا أن لكل منا تجاربه مع النصح وتقديمه لمن يرى، إلا أن الغريب في الأمر أن تكون نتيجة ذلك مناصبة العداء- سرا أو علنا- لا لشي ء إلا لأن النصيحة لم تعجب المنصوح، فيرى- وعلى عينيه نظارة سوداء- أن الناصح قد أصابته الغيرة من نجاحاته التي لايراها إلا هو بسوادها، والتي معها أصيب بالنشوة والغرور فأعمياه وصما أذنيه عما يجب أن يراه ويسمعه!.

ذات يوم قلت لشخص ما (وقد رأيته يلبس قميصا ضيقا): «عليك أن تخلع هذا القميص، لأنه ضيق ولايناسبك، خاصة وأنت تعيش في مجتمع يراقب كل شيء، وهاك هذا القميص الواسع الفضفاض، لأنه يساعدك على الحركة والمشي والوقوف، بعكس هذا الذي كتم حتى نفسك، وربما تفكيرك، فلا تخجل يا أخي إن تركت قميصك الضيق، فقط جرب وأنا على ثقة أنك ستشعر بالراحة وستجد من هم حواليك يتعاملون معك برؤية أخرى».

ولكن على ما يبدو أن القمصان الضيقة أصبحت موضة، ولا مناص لعشاقها من ارتدائها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى