الشاعر عبدالله هادي سبيت.. سيرة خالدة

> «الأيام» كمال حسين منيعم:

> ينظم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع لحج خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر مهرجانه السنوي الأول (دورة الشاعر الوطني الكبير عبدالله هادي سبيت).

وقد جاء هذا القرار- حسب رأينا- بمثابة اعتذار غير مبرر من لدن قيادة فرع الأدباء والمجلس المحلي بالمحافظة بسبب إغفالهم أربعينية سبيت، وكذا سنويته، وهو الذي غادر دنيانا الفانية إثر مسيرة عطاء ونضال في حب الوطن (أرضا وإنسانا) ذاق خلالها الأمرّين.

اختار الشاعر سبيت الطريق الصعب، وأخلص للحرية، تبتل بصوفية نادرة في عشق الحرية للإنسان والنماء للأرض إلى الصلاة في محراب الخالق للوجود.

ترعرع الشاعر سبيت في ظروف أسرية صعبة، ونما معه حبه للشعر أثناء جلساته مع والده والأمير مهدي بن علي العبدلي، والأديب حسن أفندي وآخرين، فالتقط البذرة الأولى، وحينها كانت تنمو المجموعة الأساس التي شكلت فيما بعد مجموعة مثقفي (الكلَب) بفتح اللام (club) مفردة إنجليزية معربة تعني النادي الذي كان ركنه السلطان علي عبدالكريم العبدلي في ريعان شبابه، ثم من هذا التجمع مع عدد من المثقفين والناشطين من عدن وغيرهم من الوطنيين بالمحميتين، برزت القيادة الأولى لرابطة أبناء الجنوب، واحتل فيها الشاعر سبيت الموقع الأول كداعية للنشاط السياسي ضد المحتل الأجنبي بالشعر والفن، فأخلص لهذه المهمة، وقدم قلبه إخلاصا صادقا يعجز القلم أن يحتويه ويعبر عنه.. يقول:

«وجعلت من وطني حبيبا، حبه

يملي الشقاء فيكتب التخليدا

ما إن شقيت وذبت صبابة

إلا طلبت من الشقاء مزيدا».

كما يقول:

«وطني اتخذتك في الحياة محبتي

وجعلت منك يراعتي وغنائي».

ويقول أيضا:

«ما عشت إلا لرضاك

وسأقضي العمر في هواك

ذقت في حبك ما أرهقني

وطمعت الهون حلوا في رباك

سقمت نفسي وجفت أدمعي

وفؤادي لم يزل يتلو ثناك

كلما آلمني منك الجفاء

زدت للموت اشتياقا في حماك».

لقد خاض الشاعر سبيت مسيرة حب للوطن/الإنسان باستقامة أخلاق ونبل نادرين، تصوف في حبه لوطنه ولخالقه، مستلذا بالشقاء في سبيل أن يستنهض الهمم لانتزاع الحرية للوطن، فتلذذ بالمر كالشهد مرة، ومرة أخرى كالخمر نشوانا به:

«عش بالمر نشوانا».

إنها صوفية (سبيتية)، فالنهوض بالوطن في سبيل الحرية هو بعض من التقرب إلى الله، ولاننسى أنه كان خطيبا لأحد مساجد الشيخ عثمان في الخمسينات من القرن الماضي، ثم استقر في الفصل الأخير من حياته بالرجوع الكامل إلى الله.. نكرر إنها صوفية (سبيتية) إن جاز لنا التعبير:

«وطني أفديك في ليل الإحن

وطني أكفيك غارات الزمن

وطني أهواك من قلبي الذي

ذاب من حر الرزايا والمحن».

ونسمعه يقول:

«حتى متى نرضى بالهوان ونحتسي

كأس المذلة من آثم جاني

ما ضاع حق.. طالبوه قد امتطوا

ظهر الخطوب بمهمة وتفاني

طعم المنية نحو تحقيق المنى

كالشهد بل كحلاوة الإيمان

لاتخدعنكم الوعود فإنما

هي كالسراب خديعة الظمآن».

لقد ذاق الشاعر سبيت التشرد عن الوطن مكرها عقب سفر السلطان علي عبدالكريم العبدلي إلى لندن وعدم عودته، وهرب السيد محمد علي الجفري، وتسفير السيد عبدالله علي الجفري إلى مدينة (تعز) عقب نفيه مدة قصيرة إلى جزيرة (سقطرى).. أمام هذه التطورات والمضايقات اضطر الشاعر سبيت إلى الهرب نحو مدينة (تعز) ثم التوجه إلى القاهرة عبر (جيبوتي) بطريقة يمكننا أن نطلق عليها بالهرب، لأنه غادر مدينة تعز مستغلا غياب الإمام في السخنة للاستجمام، فانطلق إلى الحديدة ثم جيبوتي، وفي القاهرة واصل مهمته التعبوية في حث الجماهير على مواصلة النضال عبر أثير إذاعة (صوت العرب)، كما تحمل مسئولية حل مشاكل الطلبة الدارسين في مصر عبدالناصر، وأصدر خلال مرحلة القاهرة عدة دواوين، وكان للتعاون دوره الأساس في طباعة تلك الدواوين.

في مطلع عام 67، تقريبا، عاد الشاعر الكبير سبيت إلى مدينة تعز ومنها إلى عدن عبر مدينة مكيراس، ليعود كالطائر إلى عشه، إلى مسقط رأسه حوطة مزاحم بلجفار.. لكنه واجه مشقة في الوصول إلى منزله، عندما استوقفه العسكر أمام مبنى شرطة الحوطة وطلبوا منه الترجل والسير معهم إلى مبنى الشرطة ليكتب تعهدا يلتزم فيه بعدم ممارسة السياسة، وكانت مشادة كلامية بين العسكر وبين من يحرضه على عدم الترجل عن سيارته، وكان أهم المحرضين السيد عبدالرحمن علي الجفري (الشاب)، وهو صاحب فكرة عودة الشاعر عبدالله هادي، على رأس رتل من السيارات (كالعريس)، كما قال سبيت نفسه في مذكراته التي قرأتها منذ عام أو يزيد، وأعدتها إلى صاحبها.

دخل سبيت مبنى الشرطة، لكنه رفض كتابة تعهد، واضطر إلى العودة من حيث أتى.. منع من زيارة أهله وذويه ولو لفترة.. رفض أن يساوم ويعود مكبلا إلى مسقط رأسه.. فلنتصور أحاسيس شاعر هجر مسقط رأسه مكرها وبعد سنوات منع من زيارته بسبب آرائه وقناعاته ورفضه الالتزام بتقييد حريته.

إن مسيرة وحياة الأستاذ الشاعر عبدالله هادي سبيت درب من الآلام لعدد كبير من البشر تلك الآلام والحرمانات والأحلام والتشرد والعوز الذي لازمه، إضافة إلى طبيعته المتحلية بالزهد والصبر والحكمة والمثابرة من أجل إسعاد البشر بالحب والحرية حبا وتقربا إلى الله.

بكل تلك الصفات ومما لم تسعفنا القدرة الذاتية على كشفه.. إننا حقا أمام قدرة هائلة من التحمل إذا افترضنا توزيعها ستحتاج إلى عدد هائل من البشر (النموذجيين)، لكننا أمام إنسان متواضع ناحل الجسم هادئ الأعصاب، خط مسيرة عسيرة وترك للأجيال زادا من المعاني والعبر، وترجم أحاسيسه بالشعر والنثر واللحن المنغم.. إنها أمانة في أعناقنا لجمعها وطبعها وترجمتها بكل أشكال وألوان التواصل المرئية والمسموعة والمقروءة، لنتحلى بها في حياتنا خلقا وممارسة، وللعلم، فإن هناك ما لم تمسسه يد بعد.

لنطلب له دوما المغفرة والسكن في رضوان الله .. ولنطلب من المولى أن يمنحنا القدرة على أداء الأمانة.. إنه سميع مجيب!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى