> صالح علي الدويل باراس:

مشهد : في دولة مجاورة مر شباب مجهولون بقرية فأخذ الصبيان يطاردونهم ويهزأون بهم، فتحركت جذوة إيمان بقلب عجوز رق حالها لهم ففرقت الصبية عنهم قائلة : إنهم كانوا عربن × مثلنا سلط الله عليهم ومسخهم يمنة ** !!

في أمسية رمضانية أشار مسؤول رفيع إلى بعض إنجازات الضمان الاجتماعي شملت مليوني حالة !! وبحسبة أجراها ذلك المسؤول وصل المنتفعون منها عشرة مليون مستحق !! .

هذا من مؤشرات (مشروع الفيد) وهو يسير ساحقا كثيرا من الفئات ويلتهم حقوقها بشراهة ويضغطها قسرا لتنحصر بين حالتي (القانع والمعتر) من ثنائية الفقر والتسول التي قزمت اليمني حتى احترقت آدميته مع الجرذان في مكبات الزبالة بعد أن تضاءلت القيم في نفوس بعض فئاته التي طحنها الفقر وصار الزواج السياحي لايعني عيبا في أخلاقها ومروءتها، وأصبح التسول يمانيا بمراتب وهيئات بينها فواصل وبرازخ فأرفعها شأنا (تسول متنفذ) يكتسي ممارسوه أنظف البدلات تستر ضمائر متوحشة وأرواحا مجدبة وأخلاق لصوص، يتسولون الكرام ويتشفعون لذلك بشفاه ظامئة لشربة ماء وبطون جائعة لكسرة خبز وأجساد تفتك بها الأدواء، لكن الطباع الخائنة فيهم جعلتهم يستأثرون بعطايا الكرام أو أكثرها، فظهرت منهم عائلات لم يحلم بثرائها (آل روتشيلد) .. ولا بعض أمراء النفط بعد أن حولوا مفردات الوطن والوحدة والتنمية والاستثمار والديمقراطية والإرهاب والتخلف والكوارث ..إلخ إلى وسائل تسول للمال والاستئثار بمعظمه واكتنازه، ويتفرع عنهم تسول الابتزاز وهو مبثوث في مرافق الدولة وإداراتها ويتخذ أشكالا شتى، لكن أقبحها ما يتم ممارسته بالنقاط الأمنية والعسكرية التي تحولت في غالبها من قلاع حماية وأمن إلى بؤر سحت وابتزاز، ومنه تسول الوجاهات والمغارم أو ادعائها بوثائق حمراء وزرقاء حتى أصبحوا وصمة عار متحركة في البلدان تجدهم أمام بوابات القصور والمساجد وأماكن العمل، فملتهم الطرقات وأصبح اليمني في تلك الأقطار مرادفا للتسول وقلة المروءة وهي ظاهرة منعت استقدام العمالة الشريفة من أبناء هذا القطر إلى بعض البلدان .

ومنه تسول العمل ويمارسه شباب مقتدر شريف تقطعت بهم السبل والأسباب، وضاقت بهم الأرض فاجتاز حدود بلادهم إلى دول الجوار بدون وثائق فأصبحوا عرضة لمعاملات مزرية وإهانات متعددة يندى لها الجبين ولا يقرها خلق ولا دين .

ومنه تسول للحاجة وتسول بالوراثة !! وتسول بالعاهات !! وتسول بالأعراض !! وتسول للتكسب .. إلخ، ويمارسه أنواع من المتسولين في الداخل والخارج سحقهم الفقر والعوز وجور السلطان عندما لا يعدل في الرعية ويقسم بالسوية، فصاروا دودا بشرياً لايفرقون بين فضيلة ورذيلة تحطمت قوائم الأخلاق في ذواتهم وتبخر سائل المروءة من وجوههم ولم يتبق لديهم إلا أفواه وغرائز تلعق الفتات مهما كان قذرا نتنا.

أما النوع الأبرز فهو تسول عشرة مليون يمني للرعاية الاجتماعية يحصل كل خمسة أشخاص منهم على فتات شهري لايكفي (مكياج) لوصيفة في قصر متنفذ !!

هذا بعض من ظاهرة التسول السرطانية المترابطة التي ساعد في تعددها وانتشارها التسول المتنفذ حينما جعلوا من المال العام وهبات الكرام مالا لهم ولأبنائهم وأنصارهم، وهم قبل أن يسلطهم الله غذابا علينا لم يكن أحدهم يحتكم على (مدفن ذرة) !!

لذا لا غرابة أن تتفرخ في هذا القطر خلايا الإرهاب والنهب والسلب والقتل وتجارة الدعارة وكل ما يخطر على البال وما لا يخطر عليه من صنوف الشر والفساد، وإن كانت هناك من رؤية للأمن القومي !! فمجالها تلك البؤر وأولاها التسول المتنفذ، فهو أساس الشر وبيت الداء، فالأوطان ليست خطابات منابر ولا إعلام نفاق بل حقوق ومصالح وحرمات وعيش كريم يجب صيانتها، فإن ضاعت الحرمة ضاعت الأوطان وتفرخ الشر فيها .

الظاهرة العمانية

هي تشابه بعض تجربتنا في قسمات الماضي وتختلف عنها في مسائل النهضة والتحديث ووظيفة الدولة، فكل دول الجوار العماني صنعت نهضتها الثروة وتدفقها الأسطوري إلا عمان، فإنها تدين بنهضتها لشخص السلطان قابوس الذي لملم أشتاتها ونظم أحوالها برؤية اتسمت بالصدق والوضوح والأمانة واختيار الإدارة المهنية والتخطيط السليم وحسن التصرف بالمال العام، فقد تعامل معه تعامل القيم المسلم الورع على مال الأيتام فجمع حوله ثلة خيرين خطت معه بعمان حتى بوأتها مكانتها.

* عربن : عرب

** يمنه : يمنيون

*** آل روتشلد : من أغنى عائلات اليهود