كوكب القراصنة ؟!

> راجح الخوري:

> كان مثيرا تماما ان تعلن وزارة الخارجية الاميركية اول من امس، ان اي مقاربة عسكرية لا تشكل ردا مناسبا على زيادة اعمال القراصنة في السواحل الموازية للقرن الافريقي وخصوصا في الصومال!

وعندما يقول جيف موريل المتحدث بلسان البنتاغون: «حتى لو انتشرت كل القوى البحرية العالمية هناك فهي لن تحل ابدا هذه المشكلة»، يصبح السؤال ضروريا:

هل نحن امام «مثلث برمودا» جديد يتم فيه «اختفاء» السفن وابتلاعها ولا تستطيع دول المنطقة او العالم ان تفعل شيئا، ام ان «القراصنة» الكبار يريدون الاستمرار في غض النظر عن القراصنة الصغار الصوماليين لغاية ما زالت غامضة في نفس يعقوب؟!

صحيح ان المساحة البحرية التي تشكل مسرحا لعمليات القرصنة الناشطة التي سجلت رقما غير مسبوق في تاريخ السرقات البحرية، عندما اختطفت ناقلة النفط السعودية العملاقة «سيروس ستار»، لا تتجاوز الثلاثة آلاف كيلومتر مربع. ولكن الاصح ان الاقمار الاصطناعية تستطيع اذا اريد لها ان ترصد عمليات القرصنة وان تنظم حركة انقضاض سريعة على الخاطفين، وخصوصا بعدما اجاز مجلس الامن دخول سفن حربية الى المياه الاقليمية للصومال وبموافقة حكومتها لمكافحة نشاط القراصنة.

واذا كان القراصنة خليطا من سلاح البحرية الصومالي المنهار ومن صيادي الاسماك ايضا، وقد وجد كل هؤلاء ان صيد السفن وفرض الخوات على اصحابها وبمئات ملايين الدولارات، تجارة اسهل واربح بكثير، فان مثل هذه «التجارة» التي يتردد ان لتنظيم «القاعدة» ضلعا فيها، يمكن ان تتحول اذا استمرت في ممارسة عملياتها الى مصدر كبير لتمويل الارهاب.

ويكفي في هذا السياق ان نعرف ان 16 الف سفينة تعبر سنويا منطقة مضيق باب المندب. وتحمل 30 في المئة من النفط الخام العالمي، وان 92 مركبا تعرضت لهجوم القراصنة الصوماليين بينها 11 هجوما في ستة ايام (من 10 الى 16 تشرين الثاني الجاري)، وان الناقلة السعودية اختطفت من مسافة تبعد 800 كيلومتر عن ساحل الصومال، يكفي كل هذا لكي نتصور في النهاية اي عالم ذلك الذي يقوم في اعالي البحار، واي خطر ذاك الذي ينشأ في البحر ثم قد يقوى لينتقل غدا الى البر والجو في ما بعد!

السؤال الذي كان مطروحا في الاجتماع التشاوري في القاهرة امس:

كيف يمكن مواجهة هذا الخطر والقضاء عليه، وقد بات يهدد الملاحة في قناة السويس؟ هل باللجوء الى الحسم العسكري الذي لا يلقى حماسة اميركية او اوروبية حتى الآن؟ وهل من المعقول الخضوع لارهاب دولي جديد وصل اخيرا الى اختطاف باخرة تنقل شحنة من الدبابات التي يمكن استعمالها في تطوير دفاعات القراصنة؟

اسئلة كثيرة، لكن ما هو اكثر منها اعمال القرصنة واشكالها وفنونها. فالقرصنة التي اشتهرت منذ قدم التاريخ في اعمال البحر ليست الوحيدة. اذ ان هناك قرصنة وقراصنة كيفما ادرت وجهك في هذا العالم.

أوليست دولة اسرائيل مثلا من اعمال القراصنة وقد اختطفوا وطنا بكامله. والاشكال التي اتخذتها الحروب الاميركية ضد الارهاب، أولم تتم على طريقة القراصنة احيانا كثيرة؟

ازمة الانهيارات المالية هي ايضا قرصنة سوداء في مجاهل بحار الاسهم والسندات والارقام الورقية. ازمة الهوة السحيقة بين عالم الشمال وعالم الجنوب. هي نتيجة قرصنة الاقوياء للضعفاء حيث يتم اعتصار القارات والدول والشعوب كما تعصر حبات الليمون.

وما تعرض له لبنان منذ ثلاثة عقود أوَليس قرصنة او بالاحرى تنافسا وتناتشا بين قراصنة يريدون الاستيلاء عليه؟

ويمكنك يا سيدي ان تنزل «الدرج» الى آخره:

الكسارات قرصنة، والمرامل قرصنة، والمقالع قرصنة وقحة لجبال لبنان. فواتير الخليوي قرصنة. فواتير المولدات الكهربائية قرصنة. ثمن الادوية قرصنة. اقساط المدارس قرصنة. اسعار المواد الاستهلاكية قرصنة.

اكثر من كل هذا:

الوعود السياسية في معظمها قرصنة خادعة. ادعاء الطهرانية قرصنة صريحة للشفافية. إعلان الحروب الدونكيشوتية على الفساد قرصنة واضحة للاستقامة. قرع الطبول ضد السرقة قرصنة لأقنعة الأمانة يضعها سارقون قرصنوا اجنحة الملائكة.

ماذا بعد؟

تأمل في هذا البحر من المزاعم والاكاذيب والاقنعة. تأمل في هذا السمك اللبناني يأكل بعضه بعضا. يقرصن بعضه بعضا وقل:

صوماليون بامتياز. ولسنا اكثر من جزء بسيط جدا من كوكب معتوه، يحكمه القراصنة من رأس الهرم الى اسفله.

« النهار» اللبنانية 21 نوفمبر 2008

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى