حلف جنوب البحر الأحمر!

> حسين شبكشي:

> حفنة من الصبية الأشقياء مارسوا شقاوتهم في أعالي البحار، على اليخوت والسفن التجارية الصغيرة، ووجدوا انصياعا كاملا لرغباتهم وتجاوبا تاما مع متطلباتهم ومدخولات مالية هائلة.

نتاج سداد الفدية التي يطلبونها حين يقومون بخطف أطقم السفن ومساومة ملاكها. وزادت شهيتهم وانفتحت أكثر مع استمرار الازدياد في عدد الضحايا والاستمرار في تلبية متطلباتهم. وزادت «أحجام» الضحايا، فسفينة تحمل دبابات أوكرانية، وأخرى تحمل قمحا، وأخيرة هي أكبر ناقلة بترول في العالم، التي تطالب المجموعة الخاطفة فدية فلكية تبلغ قيمتها 25 مليون دولار أمريكي. ما يحدث الآن هو نتاج طبيعي لترك دولة الصومال تنهار وتأكل بعضها البعض، والعرب يتابعون بلا اكتراث، حتى جامعة الدول العربية نفسها لم تعط الصومال الوقت الكافي، ولا الجدية الكافية لمتابعة أحداث هذا البلد، وفي المقابل اهتمت بملف لبنان العقيم الذي لا ينتهي وتتكرر نفس المشاكل فيه من دون بارقة أمل في الحل، مما ينهك متابعيه ويلفت الانظار ويشتت التفكير عن مواضيع أخرى لا تقل أهمية أو حساسية. المدهش حقيقة هو أن هذه الاعتداءات تتم بطريقة بدائية جدا، وعبر مراكب صيد مزودة بمحركات صغيرة، والطريف أن هناك بعض التصريحات التي حاولت أن «تفسر» سر تفوق وقدرة القراصنة الصوماليين على القيام بما يعملونه فقالت: إنهم أعضاء سابقون في البحرية الصومالية، وكأن البحرية الصومالية هي اسطول روسي أو الاسطول الخامس يجوب محيطات العالم، والجميع يعلم أن عدد السفن (وليست البوارج) للبحرية الصومالية لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

الساحل الصومالي هو ثاني أكبر السواحل الافريقية طولا بعد ساحل جنوب أفريقيا، وبالتالي هناك أعداد جديدة من القراصنة مرشحة للظهور، طالما كانت واستمرت النتائج مغرية بهذا الشكل. واليوم قررت بعض الدول المتضررة أخذ زمام الأمور بيدها، من دون الانتظار لقرار أو اجماع دولي، فها هي الهند تمركز بعض بوارجها في جنوب البحر الأحمر وتقوم عمليا بصد إحدى محاولات القرصنة وتردعها، وكوريا الجنوبية هي الاخرى تجهز لإرسال قوات وسفن الى هناك لحماية حركتها الملاحية والتجارية. القرصنة البحرية ليست بالشيء الجديد فهي تحدث منذ مئات السنين، ومؤخرا كانت هناك حالات بالغة الأهمية في جنوب شرق آسيا، ولكن تمكنت البحرية الفلبينية واليابانية والصينية من الحد من هذه الجرائم عبر الردع المباشر والصارم. واليوم الدول المعنية بهذا الشأن وتحديدا الواقعة على البحر الأحمر ومنافذه، عليها ايجاد قوة بحرية مشتركة تعمل مع شركات أمنية عالمية لحراسة السفن العابرة، والتعرض لأي قرصنة موجهة لها. فلا يمكن أن تكون مجموعة القراصنة «حلفا» في جنوب البحر الأحمر يفوق حلف «وارسو» وحلف «ناتو»، ويثير الذعر في العالم، في ظل وجود قواعد فرنسية وأمريكية مجاورة للحدث، من دون أن يكون هناك حراك صارم وجاد. الخسائر مرشحة أن تتعاظم في حال انتقل الحراك الملاحي من البحر الأحمر الى رأس الرجاء الصالح للبعد عن مخاطر القرصنة، ووقتها ستكون الفاتورة غير محتملة والفدية سيدفعها اقتصاد كل الدول المتضررة.

« الشرق الاوسط» اللندنية

22 نوفمبر 2008

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى